ترك برس

أشار الكاتب والمحلل السياسي محمود علوش، إلى وجود تعقيدين رئيسيين يواجهان مساعي تركيا والعراق إلى بناء شراكة استراتيجية لن تكون أقلّ تأثيراً من الحوافز التي تدفعهما إلى ذلك، مؤكدا أن التعاون المحتمل بين أنقرة وبغداد وأربيل يزيد تقويض نشاط تنظيم "حزب العمّال الكردستاني"(PKK) المصنف في قوائم الإرهاب.

وتحدث الكاتب عن الاجتماع الأمني الذي عقد في بغداد بين مسؤولين عراقيين وأتراك، بحضور وزيري خارجية البلدين، وهو الثاني بعد اجتماع مماثل في أنقرة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حيث تركز حول مشروع تعاون محتمل في العملية العسكرية الكبيرة التي تنوي أنقرة شنها ضد حزب العمّال الكردستاني المحظور في شمال العراق بهدف إقامة منطقة عازلة على الحدود بحلول الصيف.

وذكر علوش في مقال بصحيفة العربي الجديد أن الاجتماع الأول كان قد أكد تصميم البلدين على التعاون في مكافحة الإرهاب، أما اجتماع بغداد فإنه رسم خريطة طريق واضحة لهذا التعاون، بتصنيف مجلس الأمن القومي العراقي"العمّال الكردستاني" منظمة محظورة وتكثيف العمل الثنائي على إبرام مذكرة تفاهم لإيجاد إطار هيكلي في مختلف مجالات العلاقات وإنشاء آليات اتصال منتظمة في مجالات متعدّدة، بينها مكافحة الإرهاب.

وقال: لن يؤدّي التعاون في هذا المجال فحسب إلى تشكيل ديناميكيات جديدة في الصراع التركي مع "العمّال الكردستاني"، بل سيُعيد تشكيل العلاقات التركية العراقية على نطاق أوسع. علاوة على أن هذا التعاون سيُمهد الطريق لإبرام اتفاقية أمنية بين البلدين على غرار تلك التي أبرمتها بغداد مع طهران سابقاً، فإن البُعد الاقتصادي المُتمثل بمشروع طريق التنمية وملفي الطاقة والمياه يُعطي التقارب التركي العراقي أبعاداً استراتيجية تتجاوز ملفّ الإرهاب.

ويرى الكاتب أن زيارة الرئيس أردوغان إلى العراق ستكون تتويجاً للوضع الجديد في العلاقات، مع الأخذ بالاعتبار التأثيرات السلبية للعمليات العسكرية التركية في شمال العراق على العلاقات الثنائية، فإن أنقرة وبغداد بدأتا تُدركان على نحو متزايد الحاجة إلى التعاون في مكافحة الإرهاب كبوابة لإيجاد وضع جديد شامل في العلاقات. وعلى الرغم من أن المساهمة العراقية المحتملة في العملية التركية المرتقبة لن تتجاوز حدود التنسيق الاستخباراتي، إلّا أن أهميتها في أنها ستُضفي مشروعية عراقية على التحرّك التركي. وحتى لو نجحت العملية في إخراج مسلحي حزب العمّال الكردستاني من منطقة على طول الشريط الحدودي بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً، فإن من غير المتصوّر أن تؤدّي إلى القضاء الكامل على وجود التنظيم في المنطقة. في ضوء ذلك، أهمية الاتفاقية الأمنية المحتملة بين تركيا والعراق أنها ستُتيح للبلدين التعاون في المستقبل لضمان منع التنظيم من الانتشار مُجدداً في المناطق الحدودية مع تركيا.

ويضيف: مع ذلك، تعقيدان رئيسان يواجهان مساعي تركيا والعراق إلى بناء شراكة استراتيجية لن تكون أقلّ تأثيراً من الحوافز التي تدفعهما إلى ذلك. أولاً، من غير الواضح كيف سيتعامل البلدان مع مستقبل الوجود العسكري التركي في شمال العراق، لكن أنقرة لن تتخلى عن هذا الوجود في المستقبل المنظور، وقبل إزالة تهديد حزب العمّال نهائياً. كما أن حقيقة أن قوات البيشمركة وحرس الحدود العراقي لن يكون بمقدورهما ملء أي فراغ ينجم عن انسحاب تركي من المنطقة، تلعب دوراً أساسياً في تشكيل الاستراتيجية التركية في شمال العراق. وهنا تبرُز إشكالية الطبيعة المعقّدة التي تحكم العلاقة بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان العراق، عامل تعقيد آخر بهذا الخصوص. والافتراض السائد أن إبرام اتفاقية أمنية بين تركيا والعراق سيعالج على مراحل ملفّ الوجود العسكري التركي، كما سيضع إطاراً قانونياً يُنظّم التدخل العسكري التركي على المدى البعيد.

ووفقا للكاتب، يتمثل التعقيد الثاني في التوجّس الإيراني من التقارب التركي العراقي. مطلع العام الجاري، أجرى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي زيارة إلى أنقرة وأبلغه نظيره التركي أردوغان بأن أنقرة تتطلع إلى تعاون مع طهران ضد حزب العمّال الكردستاني. ولا تزال مُتشكّكة باستعداد طهران بالعمل معها لتقويض نشاط الحزب، كما أن لهذه الشكوك ما يُبررها. علاوة على التأثير الذي مارسته إيران في السابق على بغداد لتبنّي موقف متشدّد من العمليات العسكرية التركية، فإن جماعات "الحشد الشعبي" تُقيم منذ سنوات تحالفاً مع "العمّال الكردستاني" في سنجار. كما أن طهران تعدّ داعماً رئيسياً لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يوفّر ملاذاً لمقاتلي "العمّال الكردستاني" في مناطق سيطرته. في السنوات السابقة، كان النفوذ القوي الذي مارسته طهران على الحكومات العراقية لتبنّي موقف متشدّد إزاء العمليات العسكرية التركية عائقاً أساسياً أمام بغداد للتعاون مع أنقرة. لكن حكومة رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني تسعى إلى تبنّي نهج يقوم على تحقيق مصالح العراق بالدرجة الأولى.

وتابع: على الرغم من أن تركيا تشن منذ عقود عمليات عسكرية ضد التنظيم، ولديها قواعد عسكرية في المنطقة، إلّا أن عملياتها ووجودها العسكري غالباً ما تسبّبا بتوترات سياسية مع بغداد. وحقيقة أن هذه العمليات، وعلى الرغم من أنّها قوضت، إلى حد كبير، قدرة "العمّال الكردستاني"، إلا أنها لم تتمكّن من إزالة تهديده بالكامل، تجعل التعاون مع العراق خياراً ملائماً إذا ما أرادت أنقرة أن تكون أكثر فعالية في حربها على الإرهاب. ومن هذا المنظور، ينبغي مقاربة النشاط المكثف للدبلوماسية التركية مع بغداد وأربيل أخيراً، والذي تسعى تركيا منه إلى إيجاد بيئة سياسية مناسبة للتعاون العسكري الثلاثي. ومع أن أنقرة وأربيل تتعاونان منذ فترة طويلة في مكافحة الحزب، حيث لم يعد للتنظيم وجود فعلي في المناطق التي يُديرها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في أربيل ودهوك، إلّا أن التنظيم عزّز وجوده في المناطق التي يُديرها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، والذي يعتمد على بغداد في منافسته مع "الاتحاد الديمقراطي الكردستاني". لذلك، لن يزيد التعاون المحتمل بين أنقرة وبغداد وأربيل فحسب من قدرة تركيا على تقويض نشاط "العمّال الكردستاني"، بل يضغط أيضاً على"الاتحاد الوطني الكردستاني" للتخلي عن علاقته بحزب العمّال وإلا فسيواجه خطر العزلة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!