سمير صالحة  - خاص لترك برس

" قبلة الحياة " التي وضعها دولت بهشلي رئيس حزب الحركة القومية على جبين مرشح حزب العدالة والتنمية عصمت يلماز قبل ساعات من الذهاب الى  الجولة الرابعة من انتخابات رئيس البرلمان التركي الجديد افرحت العدالة والتنمية حتما لكنها حولته هو الى هدف لهجوم قيادات المعارضة التركية والإعلام المقرب منها .

قيادات المعارضة قالت بعد اعلان فوز نرشح العدالة والتنمية ان حزب الحركة القومية تحول الى اداة بيد العدالة والقوة الدافعة له والحديقة الخلفية التي يحتمي بها . موقف بهشلي الذي قال فيه ان حزبه لن يكون في الصورة نفسها التي يجلس فيها حزب الشعب الجمهوري جنبا الى جنب مع حزب الشعوب الديمقراطية وهذا ما فعله .    

موقف حزب الحركة القومية أعلنه رئيس الحزب دولت بهشلي قبل ساعات من توجه النواب الى الصناديق بقوله لن نكون في جانب واحد مع حزب الشعوب الديمقراطية الكردي الذي يتهمه البعض بانه الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل ضد الجيش التركي منذ اكثر من 30 عاما مما فسر على ان حظوظ بيكال زالت تماما كون اصوات الحزبين الذين يدعمانه لا تتجاوز 210 اصوات في مقابل 258 صوتا مضمونة لمرشح العدالة والتنمية يلماز .

وقفة حزب الحركة القومية اليميني التركي ساهمت في حسم المنافسة على منصب رئيس مجلس النواب التركي الجديد بعد وقوفه على الحياد في الجولة الرابعة والاخيرة من عملية الاقتراع التي جرت بين مرشّح حزب العدالة والتنمية عصمت يلماز ومرشّح حزب الشعب الجمهوري دنيز بايكال لكنها فجرت نقاشات سياسية وحزبية جديدة في الساحة التركية ، 

البرلمان التركي المكوَّن من 550 مقعدا، يجمع  258 نائبا من حزب العدالة والتنمية و132 نائبا من حزب الشعب الجمهوري و80 نائبا من حزب الحركة القومية و80 نائبا من حزب الشعوب الديمقراطية . والارقام تقول ان مرشح المعارضة لن يكون بمقدوره حسم النتيجة لصالحه دون دعم الاحزاب الاخرى له وإلا فان الفوز سيكون من نصيب مرشح العدالة وهذا ما حصل فعلا .

ما يقلق المعارضة اكثر اليوم هو ان يواصل بهشلي اسلوبه ومواقفه هذه حتى النهاية فيعطل حلم المعارضة في تشكيل الحكومة الائتلافية الثلاثية الهادفة لابعاد العدالة والتنمية عن السلطة وعزل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في قصره الجديد ومحاسبة الحكومية التركية في العقد الاخير على جميع قراراتها السياسية والأمنية .

لا بل ان موقف بهشلي هذا يعني انه لن يحقق للمعارضة ما تريده في إقرار دستور جديد دون العدالة ولن يعطيها فرصة محاسبة اردوغان على الكثير من قراراته ومواقفه واسقط مقولة رئيس حزب الشعب الجمهوري اليساري العلماني كمال كيليشدار اوغلو الجديدة 59 بالمئة من الناخبين الاتراك يدعمون المعارضة ويطالبونها بتولي دفة الحكم .

هم أرادوا محاصرة بهشلي بسبب موقفه الاخير في انتخابات رئاسة البرلمان التركي لكنهم لم يسألوه عن اسباب موقفه هذا خصوصا وان حزب الحركة القومية رفض بشكل قاطع أي تعاون مع حزب الشعوب الديمقراطية، كونه يشكل الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني على حد تعبير مسؤولي الحزب اكثر من مرة .

المعارضة اختارت ان تفجر غضبها في وجه بهشلي وتحمله مسؤولية إيصال مرشح العدالة والتنمية الى مقعد رئاسة البرلمان لكنها تتجاهل مواقف الحزب ورئيسه التي كان غالباً ما ينتقد تصرفات حزب العدالة والتنمية وبأشد العبارات ولكنه كان في الوقت ذاته سبّاقاً الى تأييد الحكومة في القضايا الوطنية ومنها : مُساندة الحكومة في الوصول إلى ثلاثمائة وسبعة وستين نائباً في البرلمان لإختيار عبد الله غول رئيساً للجمهورية في عام 2007 . وكذلك التعاون الذي جمع حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية لتمرير قانون السماح بإرتداء الحجاب في تركيا الذي رفضه حزب الشعب الجمهوري, بالاضافة إلى دعمه للحكومة في موضوع تغيير نظام التعليم إلى أربعة زائد أربعة زائد اربعة أعوام وكذلك الدعم الذي قدّمه لتعديل قانون الاتجار وتناول الكحول في البلاد. ومساندته العدالة والتنمية لتغيير بعض بنود الدستور لإسقاط الدعوى التي أُقيمت لإغلاق حزب العدالة والتنمية في عام 2008 . وكذلك دعوته قواعد الحزب ومؤيديه لعدم الإنجرار والمشاركة في احداث " غزي بارك " التي قال أنها أعمال مُغرضة الغاية منها النيل من تركيا قبل عامين .

لماذا يفعل بهشلي ذلك ؟

لانه ينفذ سياسة حزبه التي كررها اكثر من مرة لا تعاون مع حزب الشعوب والديمقراطية قبل ان يغير سياساته ومواقفه وأسلوبه . لانه أراد ان يقول انه حزب مستقل في قراراته وسياساته وانه لن يخضع للتهديد والابتزاز والضغوطات السياسية عليه من الداخل والخارج . لانه أراد ان يقول ان مواقف مرتبطة بقدر تركيا وموقعها ودورها قبل ان ان تكون تعني موقع الحزب وفرصه . لانه أراد ان يقول انه لن يعبىء بما قاله صلاح الدين دميرطاش رئيس حزب الشعوبدالديمقراطية ان بهشلي وداوود اوغلو يعدان البلاد لتشكيل " حكومة حرب " في المرحلة المقبلة . لانه لا يريد عنه امام قواعده انه يسير اليوم يدا بيد مع حزب الشعوب الديمقراطية الذي يدعم اوجلان وحزب العمال في تهديد امن واستقرار تركيا ووحدتها .

بهشلي يعرف انه اذا ما وقع بيد احزاب المعارضة الاخرى فإنها ستغرقه في ملعقة مياه كما يقول المثل التركي لكنه يعرف ايضا ان مواقفه هذه هي التي مكنته من زيادة رصيد الحركة القومية في السنوات الاخيرة بعدما كان حزبا يجد صعوبة في تجاوز حاجز العشرة بالمئة . 

استنادا لهذه النتيجة، يكون حزب العدالة قد نجح في إيصال مرشحه لهذا المنصب لكنه يكون ايضا قد نجح في الحفاظ على مقعد الرجل الثاني في الدولة حسب الدستور التركي لخمس دورات متتالية . شخصية يلماز الفائز بالانتخابات البرلمانية التي جرت في 7 حزيران الماضي عن مدينة سيواس الشرقية ساهمت في ترشيحه لهذا الموقع بعدما شغل اكثر من مكان هام في قيادات العدالة والتنمية كان اخرها منصب وزير الدفاع خلال الدّورة الوزارية السابقة، وذلك لمدّة 4 سنوات متتالية. لكن مسالة انتخابه حملت معها اكثر من مادة سياسية جديدة في تركيا بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة كما يرى معظم الكتاب والاعلاميين الاتراك بينها :

- حزب العدالة والتنمية الذي تراجعت أصواته ومقاعده البرلمانية في الانتخابات الاخيرة ما زال الحزب الاول والاقوى في المعادلات السياسية التركية .

- رجب طيب اردوغان الذي اعلنت احزاب المعارضة وإعلامها عن توجيه ضربة قوية له عشية السابع من يونيو المنصرم وكانت مبكرة في تقديم التعازي بوفاة حزبه ما زال يتصدر المشهد السياسي والحزبي التركي رغم ترجيحه الحذر والابتعاد عن اطلاق المواقف التصعيدية والاستفزازية ضد احزاب المعارضة وقياداتها في الأسابيع الاخيرة .   

- فشل ذريع لاحزاب المعارضة الثلاثة التي اختارت مصالحها الحزبية على فرص توحدها لإنتزاع مقعد رئاسة البرلمان من حزب العدالة وهي رسالة واضحة حول صعوبة تفاهمها مستقبليا فيما بينها على تشكيل حكومة ائتلافية وارسال حزب العدالة والتنمية الى موقع المعارضة هذه المرة رغم تفوقها بنسبة 59 بالمئة من مجموع اصوات الناخبين على العدالة الذي لم يحصل سوى على 41 بالمئة فقط هذه المرة .

- انتخاب يلماز لن يحل التعقيد الذي أفرزته نتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة لكنه سيعطي حزب العدالة فرصة تذكير احزاب المعارضة ان فرصتها الوحيدة هي في التفاهم معه اذا ما كانت تريد ان تاخذ موقعها في الحكومة الائتلافية الجديدة التي سيكلف احمد داود اوغلو بتشكيلها في جميع الأحوال .

- استطلاعات الرأي التي جرت قبل ايام تقول ان رجال الاعمال الاتراك واللوبيات العالمية ترجح حكومة تجمع العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري اليساري العلماني الذي حل ثانيا في الانتخابات لكن الناخب التركي يريد حكومة ائتلافية يشكلها حزب العدالة والتنمية بالتنسيق مع حزب الحركة القومية اليميني إلا أن مواقف قيادات حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية من رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان وشروطها المسبقة تعقد المهمة وتجعلها شبه مستحيلة  .

- فرصة احزاب المعارضة الوحيدة عدديا هي ان ترفض الاستجابة لدعوة رئيس الوزراء المكلف داود اوغلو في التعاون معه وعندها تذهب تركيا الى انتخابات مبكرة قد لا تحمل لها الفرج السياسي بسبب استمرار تعقيدات المشهد الحزبي .

- حزب العدالة والتنمية يردد من ناحيته انه لن يتخلى عن اردوغان وخطط عزله سياسيا بين جدران القصر الجديد وانه ما زال يتمسك برئيس الجمهورية ويعتبره خطا أحمرا لن يسمح للمعارضة اختراقه وتحطيمه حتى ولو كان الثمن عدم تشكيل الحكومة والذهاب الى انتخابات مبكرة جديدة في تركيا .

- حسابات اردوغان الدستورية الذي حذّر القيادات الحزبية باللجوء اليها اذا ما فشلت في التفاهم على تشكيل الحكومة الائتلافية وهي الصناديق مجددا ممكنة طبعا . ورغم ان العديد من المراقبين يرون ان  لا مفر منها لكن لا احدا يعرف ما الذي ستقدمه هذه الانتخابات للأحزاب التركية حتى الان .

الكرة مرة اخرى في ملعب احزاب المعارضة " بيضة القبان " لقبول خيار الحكومة الائتلافية في الظروف الراهنة مع داود اوغلو رغم ان الجميع يعرف انها ستكون حكومة بعمر قصير 

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس