ترك برس

تناول تقرير للكاتب والخبير التركي نيدرت إيرسانال، سلسلة من الأحداث السياسية والأمنية المتشابكة، تبدأ من الهجوم الأوكراني المفاجئ على روسيا، مرورًا بلقاء إسطنبول، ثم الاتصال بين ترامب وبوتين، وصولًا إلى الاحتجاجات المتصاعدة في لوس أنجلوس واستدعاء الجيش الأمريكي.

وطرح التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق تساؤلات حول وجود ترابط زمني وسياسي بين هذه الأحداث، في ظل صراع خفي بين تيارات داخل الدولة العميقة الأمريكية، وانقسام النخب بين أنصار العولمة ومناهضيها.

كما أشار الكاتب إلى دور شخصيات مثل إيلون ماسك في هذا المشهد، ويتوقف عند دلالات صمت ترامب إزاء التصعيد الروسي، معتبرًا أن ما يجري ليس سلسلة من الصدف، بل مؤشرات على مرحلة إعادة تشكيل موازين القوى داخل الولايات المتحدة وعلى مستوى النظام العالمي.

وفيما يلي نص التقرير:

في عام 1998، صدر فيلم بعنوان "الحصار" (Siege)، يدور حول قرار إدخال الجيش إلى نيويورك على خلفية أحداث إرهابية. ويقول الجنرال الذي يتولى القيادة، والذي يؤدي دوره بروس ويليس: "الجيش ليس سكين جيب"، وكأنه يسأل: "هل أنتم مستعدون لتحمّل العواقب؟"

ما يحدث اليوم في لوس أنجلوس من احتجاجات أو تمرد أو انتفاضة - أيًّا كانت تسميته - واستدعاء الحرس الوطني وربما الجيش الأمريكي للتدخل لقمعه، قد يكون له تداعيات سياسية لا تقلّ أهمية عن تلك التي نتجت عن اقتحام مبنى الكونغرس عام 2021. أو بالأحرى لوس أنجلوس هي نتيجة لذلك الاقتحام.

من العادات السيئة التي لا نستطيع التخلص منها الاعتقاد بأن كل حدث قائمٌ بذاته، ومستقلٌّ عن توازن العالم وسير الحياة. وهذا خطأ فادح، فالأمور التي تحدث تلقائيًا نادرة للغاية.

ألم تجرِ الأمور على النحو التالي؟ بادرت أوكرانيا أولًا بشنّ هجوم غير اعتيادي على روسيا. وفي اليوم التالي، كان من المقرر أن تلتقي الوفود الأوكرانية والروسية في إسطنبول، وإن لم تُسفر عنه نتائج ملموسة. ثم انفجرت قضية إيلون ماسك، لتتبعها لاحقًا اضطرابات كبرى في لوس أنجلوس وبعض الاحتجاجات المحدودة في مدن أمريكية أخرى.

والسؤال المحوري هنا: هل هناك رابط زمني أو سياسي أو دلالة بين ما يحدث في أوكرانيا، وما يحدث في الولايات المتحدة؟ هل هناك تقاطعات خفية؟

هناك شعور بوجود حلقة ناقصة في السلسلة، الحلقة التي تربط بينهما، وهذه الحلقة هي لقاء ترامب وبوتين الذي جرى مباشرة بعد اجتماع إسطنبول.

وفي البيان الرسمي الصادر عن الكرملين بشأن هذا اللقاء، ثمة جملة لم ترد، لكنها ظهرت في بيان ترامب/الجانب الأمريكي: "أبلغته بأننا لم نكن على علم بالهجوم الأوكراني، ولم يتم إبلاغنا به". ولأن ترامب لم يكن ليطرح هذه الجملة عرضًا أثناء الحديث في سياق آخر، فإن ذلك يعني أن أحد محاور الاتصال الهاتفي الطويل كان: "الهجوم الأوكراني على روسيا والدعم الغربي الكامن خلفه".

ومن الواضح أن الجانب الروسي قد قال بلغة دبلوماسية مهذبة: "كنا نستعد للجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل وقف إطلاق النار في اليوم التالي، فما معنى هذا الهجوم إذًا؟".

ومن ثم، فإن القراءة المعقولة لهذا الموقف ستكون كالتالي: الولايات المتحدة كانت على علم مسبق بهذا الهجوم، لكن ترامب تحديدًا ربما لم يكن على دراية به.

وهذه الجملة تُعلن صراحة على لسان الرئيس نفسه، وإلا فإن موسكو أعلنت رسمياً أن لندن وبرلين وراء الهجوم بالفعل.

وهناك عناصر أخرى تدعم هذه النظرية؛ فتصريحات زيلينسكي التي تشير إلى أن هذه العملية جرى الإعداد لها على مدى 16-18 شهرًا، تعود إلى ما قبل فترة حكم ترامب بكثير. وهذا يعني أنها خطة مشتركة بين بايدن وأوروبا. وهذا أمر مؤكد.

ثمة دلالة أخرى لا بد من التوقف عندها في الاتصال الهاتفي، وهي أن ترامب ينقل عن بوتين نيته في الرد القاسي على كييف. وهذه هي الجملة الأكثر اقتباسًا وتداولًا في الأخبار، لكن أحدًا لم يتوقف ليسأل: "حسنًا، وماذا كان ردّ ترامب؟"

ولم يُذكر رد ترامب لأنه لم يقل: "لا يمكنك الرد" أو "لا ترد"، كما أنه لم يقل: "اضرب". بل على الأرجح تجاهل المسألة، أو حوّل دفة الحديث إلى مسار آخر، أو التزم الصمت، مما يعني ضمنيًا "يمكنك أن تضرب". وفي اليوم التالي بدأ الروس بضرب كييف، ولا يزالون مستمرين. ولو كان لترامب اعتراضٌ حاسمٌ وقوي، لما حصل الرد الروسي بهذه السرعة وبهذه الحدة. وحتى الآن لم يُسمع منه ردٌّ صاخب.

إذاً، نحن نمضي قُدماً في "النظرية"؛ إذا كان ترامب فعلاً غير مطلع، فهناك هجوم وقع "رغماً عنه"، وقد أشرنا في مقال سابق بتاريخ 04/06 إلى أن هذا التحرك يحمل بصمات تيار "بادين"، وخاصة بريطانيا وأوروبا، وهناك "توقيع" أمريكي، لكن ترامب لم يكن على علم به.

ثم انفجرت فضيحة إيلون ماسك. وقد كُتب الكثير عن علاقات السبب والنتيجة، لكن ثمة نقطة تستحق الإصغاء بعناية: استخدام أقمار ماسك الصناعية في الهجمات على روسيا، وعلاقة ماسك بالديمقراطيين.

بمعنى آخر: بريطانيا وأوروبا المؤيدة لبايدن، والدولة العميقة في الولايات المتحدة، كانوا على علم مسبق بالهجوم، بل حتى ماسك نفسه كان على علم بذلك، وقد ألمحنا إلى ذلك بقوة في مقال سابق بتاريخ 07/06، بينما كان الجميع مشغولًا بالحديث عن الكدمة في وجه ماسك.

فهل ما حدث هو نتيجة تنافس سياسي داخل طبقة رأس المال المرتبطة بأوروبا والنظام العالمي في أمريكا؟ أم أنه عملية تمهيدية لضمان نتائج انتخابات التجديد النصفي، ثم انتخابات 2028، أو على الأقل البدء في التحضير لفترتين إضافيتين؟

وكذلك قول ترامب: "لطالما تعجبت من أن بايدن لم يلغ عقود ماسك مع الدولة". من الواضح أنه أرسل تحذيراً قوياً لماسك بين السطور، ولكن هل نهمل تأكيد الجملة على وجود علاقة بين بايدن وماسك؟

ولا يزال التسلسل مستمرًا؛ فبعد ذلك مباشرة، تبدأ الاحتجاجات في الولايات المتحدة، وتُستدعى أولًا قوات الحرس الوطني، ثم يُطلب تدخل الجيش. غير أن الاحتمال الأخطر ليس في تدخل الحرس أو الجيش لقمع هذه التحركات، بل في احتمال تدخل الجماعات نفسها التي اقتحمت الكونغرس عام 2021، حينها ستزداد الأمور فوضى.

إن ربط هذه السلسلة من الأحداث ببعضها البعض يصف المرحلة الافتتاحية لفترة السنتين الأولى من عملية المماطلة، والإرهاق، والمؤامرة التي كانت تُهمس بها في جميع الأوساط، من واشنطن إلى أوروبا، منذ وصول ترامب وفريقه إلى السلطة. أولاً للانتخابات النصفية، ثم التحضير لعام 2028.

إن التعليقات التي تصف ردّ فعل البيت الأبيض على ما يجري في لوس أنجلوس بأنه متعمّد، ومبالغ فيه، وغير قانوني هي تعليقات مضحكة، وحتى لو كان الأمر كذلك فإن اختزال المسألة في طريقة فهم رئيس الولايات المتحدة للديمقراطية أو القانون، يكشف إلى أي معسكر ينتمي أصحاب هذا الطرح: هل هم من أنصار العولمة أم من الساعين إلى نظام جديد؟

فهل سننظر إلى "شخصية ترامب الديمقراطية" لنفهم ما جرى؟ أم نناقش الصراع بين الحكومة الأمريكية وبين من سيهيمن على النظام العالمي؟ من يرى أن ترامب هو السبب في كل شيء، يغفل أو يتغافل عن حقيقة أن ترامب ليس سبب ما يحدث، بل هو نتيجة له، وأما الجهة الفاعلة في كل هذه الاضطرابات، فهم أنصار العولمة. وإذا أخبرك أحدهم أن المشكلة فقط في ترامب، فضع عليه إشارة استفهام.

والجواب الحقيقي هو: "من الذي أفسد هؤلاء فعلاً؟" وإلا، فما شأننا؟ في أقصى الأحوال نقول: "ندعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس"، وينتهي الأمر.

ولكن التنافس بين القوى التي تنقسم إلى مؤيدين لبايدن ومؤيدين لترامب حول النظام العالمي الجديد سيؤثر بشدة على الجميع، بما في ذلك تركيا. وإذا كنتم رغم كل ذلك، لا تزالون تظنون أن "المشكلة تكمن فقط في ترامب"، فإن الربط بين أحداث لوس أنجلوس وأحداث "جيزي بارك" يصبح أمرًا مبررًا تمامًا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!