
ترك برس
تناول تقرير للكاتب والساسي التركي آيدن أونال، بصحيفة يني شفق، اجتماع 150 عالمًا مسلمًا من 50 دولة في إسطنبول لإطلاق "مؤتمر غزة" الذي يستمر أسبوعًا، ويتوّج بإعلان إسطنبول من جامع آيا صوفيا التاريخي.
ويستعرض الكاتب غياب المرجعية الجامعة للمسلمين السنّة منذ إلغاء الخلافة قبل قرن وما خلّفه ذلك من فراغ قيادي روحي انعكس على الانقسام السياسي والاجتماعي للأمة، خصوصًا في ظل المآسي المتكررة مثل الإبادة المستمرة في غزة.
كما يبرز أونال مسعى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى سد هذا الفراغ عبر صياغة خطاب موحّد وقرارات جامعة تمثل صوت الأمة وضميرها الحي. وفيما يلي نص التقرير:
عقب صلاة الجمعة في جامع السلطان أيوب، أصدر 150 عالمًا مسلمًا من 50 دولة بيانًا صحفيًا، ثم توجهوا إلى جزيرة الديمقراطية والحرية لافتتاح "مؤتمر غزة" الذي يمتد لأسبوع كامل، وفي يوم الجمعة 29 أغسطس سيقوم اتحاد علماء المسلمين بإطلاق "إعلان إسطنبول" من جامع آيا صوفيا بعد صلاة الجمعة.
إنّ الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، أعادت إلى الواجهة الحقيقة المؤلمة لمدى التشرذم والتفكك والانقسام الذي يعيشه المسلمون في شتى بقاع الأرض.
في المقابل، هناك قيادة دينية للمسيحيين الكاثوليك، وكذلك الأرثوذكس. واليهود، والبوذيون، والهندوس، لهم بدورهم زعامات إقليمية وعالمية. أما أتباع المذهب الشيعي فلديهم قيادة دينية تتجاوز حدود إيران، وهذه القيادات وإن وُصفت بـ"الروحية"، فإنها تتدخل في كل القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
أما المسلمون السنّة، الذين يتجاوز عددهم المليارين، فمحرومون من من أي مرجعية قيادية عليا منذ 101 عام.
صحيح أن التجربة التاريخية قد أثبتت أن الخلافة لم تكن بالضرورة ضمانة لوحدة سياسية شاملة بين المسلمين؛ فقد أثارت الخلافات حولها بعد وفاة النبي ﷺ انقسامات في جسد الأمة، كما أن الخليفة الأخير عبد المجيد لم يكن يتمتع بنفوذ سياسي مباشر على جميع المسلمين. لكن مع ذلك، فقد ظلّ لمقام الخلافة في إسطنبول مكانة وهيبة معتبرة لدى معظم المسلمين من الهند (بما فيها باكستان وبنغلاديش) إلى أفغانستان، ووسط آسيا، والشرق الأقصى، وسائر أنحاء العالم الإسلامي. ولعلّ أبرز الشواهد على ذلك ما جرى خلال حرب الاستقلال التركية، حينما خرج مسلمو الهند إلى الشوارع، وتبرّعت النساء بما يملكن من حُليّ وأساور دعماً للأناضول، وكان الدافع الأكبر وراء ذلك شعورهم بأن مقام الخلافة يتعرض لتهديد مباشر.
كانت الخلافة، بشكل أو بآخر مقامًا تعهد له معظم المسلمين السنة بالولاء والطاعة والاحترام. إن إلغاء الخلافة لم يزد الأمة الإسلامية إلا تشرذمًا وانقسامًا. واليوم، هناك عشرات الدول و"الأمم" المنفصلة، يسعى كل منها لتكوين هوية جديدة لنفسه. وحتى العرب والأتراك، ناهيك عن الأمة الإسلامية، لم يعودوا قادرين على إقامة تحالفات فيما بينهم. وبينما تخاف الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، والهند، وإسرائيل، من الخلافة "خوفاً شديداً"، كما عبر نتنياهو عن ذلك علناً، فإن هناك "بذورًا نامية" في تركيا، على سبيل المثال، تبدي ردود فعل حادة لمجرد سماع كلمة "خلافة". ولكن دعونا نتجاوز هذه المسألة الآن.
ورغم أنّ الخلافة، في الظروف الراهنة، بعيدة عن إمكانية استعادة وحدة سياسية جامعة، إلا أنّ الواقع يكشف لنا بوضوح عن فراغ كبير في مجال الوحدة الروحية والوجدانية داخل الأمة. فحتى في أبسط الشعائر الجامعة لا يتمكّن المسلمون من التوحد، فلا يستطيعون بدء صيام رمضان في اليوم نفسه، ولا الاحتفال بعيدي الفطر والأضحى في يوم واحد. كما أنّ القضايا الكبرى التي تمسّ وجدان الأمة لا تحظى بردود فعل موحّدة، ولا نستطيع أن نصوغ فيها خطابًا موحّدًا، ولا موقفًا مشتركًا، ولا قرارًا جامعًا. وهكذا بتنا نرى بعجز مؤلم، أنّ الحدود السياسية التي فُرضت بين الدول تتحول إلى أسلاك شائكة ترسم حدودًا في قلوبنا أيضا وتفصلها عن بعض.
وها هي غزّة أمامنا: إبادةٌ مستمرة منذ مئة عام، بلغت في العامين الأخيرين أشد درجاتها وحشية وضراوةً. وفي غزة لا يُقتَل "أعضاء حماس" فحسب، ولا "أبناء غزة" أو "الفلسطينيون" أو "العرب" فقط، بل يُقتَل المسلمون. ولأن المسلمين هم الضحايا، يلوذ العالم بالصمت. ورغم ذلك لم يتمكن المسلمون على مدى العامين الماضيين من صياغة موقف موحّد، ولا القيام بعملٍ جماعي. بل لم يُفلحوا حتى في تشكيل صوت موحد، ناهيك عن رد فعل سياسي مشترك.
ومن هنا تأتي أهمية الجهود التي يبذلها "اتحاد علماء المسلمين". إذ يسعى 150 عالمًا من 50 بلدًا إلى سدّ هذه الفجوة، ليكونوا صوت الأمة وضميرها الحي. وسبق أن أصدروا فتوى بوجوب "الجهاد في غزة"، ومن المرجّح أن يتضمن "إعلان إسطنبول" قرارات مشابهة.
ولا ينبغي لأحد أن يقلل من شأن هذه الجهود وهذا التجمع. فهي بداية، وهي أمل، وهي بمثابة مجلسٍ جامع يمكن أن ينهض لسد الفراغ الذي خلفه غياب الخلافة. إن إحياء هذا الأمل وتنميته هو دين في أعناقنا جميعًا. وينبغي علينا جميعا أن نوصل صدى هذا المؤتمر وقراراته إلى كل المسلمين حول العالم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!