ترك برس

تناول تقرير تحليلي للكاتب والمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، جذور المشروع الصهيوني من منظور استعماري، مسلطًا الضوء على أن إسرائيل ليست كيانًا مستقلًا أو مجرد دولة قومية، بل امتداد مباشر للاستعمار البريطاني والأمريكي في الشرق الأوسط.

ينطلق الكاتب في التحليل من الإطار الاستعماري لفهم سلوك إسرائيل والغرب تجاه فلسطين، ويناقش دور الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، في دعم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، ويفضح تورطها المباشر في العدوان الأخير، بما في ذلك الهجوم على ممثلي حماس في قطر.

ويبرز الكاتب في تقريره بصحيفة يني شفق أن استهداف قطر لا يأتي من فراغ، بل ضمن سياق طويل من الصراع على النفوذ والمقاومة في المنطقة، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية باتت تمثل رمزًا عالميًا لمناهضة الاستعمار الجديد. وفيما يلي نص التقرير:

يجب أن ننظر إلى إسرائيل باعتبارها مشروعًا استعماريًا بريطانيًا أمريكيًا، فهذه حقيقة. وينبغي أن تنطلق كل التقييمات المتعلقة بإسرائيل من هذه الحقيقة. فالاستعمار هو الإطار المرجعي، وحتى أحكام الغرب على الشرق يجب أن تُقيّم في هذا السياق. فـ"الاستشراق" مثل إسرائيل، ليس إطاراً مستقلاً بذاته، بل كل أحكام إسرائيل عن الفلسطينيين تنبثق من المعرفة التي أنتجها الغرب عن الشرق. وإسرائيل نفسها هي نتاج للاستعمار البريطاني والأمريكي. ومن العبث تحليل إسرائيل بمعزل عن هذا السياق أو فصلها عنه. فهذه كلها أجزاء مترابطة تكمل بعضها البعض. أما الأفكار التي تزعم أن إسرائيل تهيمن على الغرب، فهي نتاج عقليات مريضة تعود للقرن العشرين.

واليوم تتحمل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا المسؤولية المباشرة عن جميع جرائم الحرب المرتكبة في فلسطين. ففي الماضي، كانت هذه الدول تعمل في الظل، أما اليوم فهي تنخرط صراحةً في العدوان. وقد يكون تقبل هذا الوضع صعبًا على الكثيرين، لكنهم يشاركون طواعية في جريمة الإبادة الجماعية في فلسطين. وليس ذلك لأن اليهود سيطروا عليهم، بل لأنهم أسسوا دولة استعمارية جديدة في شرق البحر المتوسط. ومن الواضح أنهم يسعون لكسر المقاومة والعزيمة العالمية.

إن الهجوم الشنيع على ممثلي حماس في قطر يكتسب معناه في السياق الذي حاولت أن أوضحه أعلاه. لقد انتهكت إسرائيل جميع قواعد القانون الدولي حتى الآن. ولقد رأى العالم أنها عجزت عن تحقيق تفوق عسكري بمفردها. والهجوم على قطر لم نتيجة جرأة إسرائيل أو شجاعتها أو قوتها التي لا تُقهر. فمن المعروف أن بريطانيا والولايات المتحدة قدمت المساعدة لطائرات إسرائيل. وكانت بريطانيا متورطة أيضاً في جميع هجمات إسرائيل على غزة.

ونحن اليوم أمام تطورات أكثر خطورة. فالوزيرة الجديدة للخارجية البريطانية هي صهيونية متطرفة للغاية، وقد دافعت عن إسرائيل خلال العامين الماضيين متجاهلة الواقع الفعلي ومتعصبة لمعتقداتها الشخصية، وهو موقف لا يعدو كونه تعصبًا أعمى. وقد شاركت بريطانيا مباشرة في الهجمات على ممثلي حماس في قطر، وقد تكون دوافعها متعددة: قد يكون سببه تنافس بينها وبين الولايات المتحدة، أو صراعًا يتعلق بأموال قطر ودول الخليج الأخرى، مع الإشارة إلى أن قطر كانت جزءًا من الاستعمار البريطاني سابقًا.

وقد شاركت بريطانيا بشكل مباشر في الهجوم على ممثلي حماس في قطر، وقد تكون دوافعها متعددة، بما في ذلك المنافسة بين بريطانيا والولايات المتحدة أو حتى صراعات حول استثمارات دول الخليج، بما فيها قطر. ففي النهاية، كانت قطر أيضًا جزءًا من الاستعمار البريطاني. وترغب بريطانيا في استمرار الإبادة الجماعية في فلسطين. وليس هناك تفسير آخر لمعارضتهم من يريدون إيقاف إسرائيل. لهذا السبب، يجب أن ينصب كل التركيز على بريطانيا، والولايات المتحدة، وألمانيا. فهذه الدول هي التي تنتهك القواعد.

لقد نوقشت القضية الإسرائيلية في تركيا ضمن سياقات مختلفة، ومنها تعريفها بأنها حرب دينية أو حضارية. وقد استخدم الأوروبيون هذه الأطروحة كثيرًا، واستغلها الصهاينة اليهود بشكل خاص. وللأسف، هناك من يتبنى هذه الأطروحات في بلادنا. علينا أن نتذكر جيدًا النقاشات التي دارت حول وجود منظمات تدعي أنها تتحرك باسم الدين. وحتى اليوم، يحاولون إعادة إحياء أطروحة "الحرب الدينية" بضم حماس إلى هذه الفئة.

لكن حماس حركة استقلال تكافح من أجل وطنها، ولهذا السبب بالذات لن تُهزم. نعم، يشكل المسلمون الغالبية العظمى من حماس، لكن لا يمكن أبدًا تجاهل المسيحيين في فلسطين الذين يقاتلون لنفس القضية، مدافعين عن الأراضي الفلسطينية ضد بريطانيا، والولايات المتحدة، وألمانيا، وإسرائيل الصهيونية. ويجب أيضًا تقييم انتشار قضية فلسطين عالميًا في إطار هذا السياق نفسه. فالعالم بأسره يشاهد الفلسطينيين وهم يخوضون معركة وجودية ضد الطموحات الاستعمارية والعنصرية لبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا، والأفكار التي تحرك العالم اليوم تولد من هذا الصراع.

من الضروري تحليل قدرة الفلسطينيين على تمثيل أفكار تحرّك العالم بأسره ضد الاستعمار الجديد. فالأفكار التي يمثلها الفلسطينيون هي ما يُحرّك عواصم الغرب وجامعاته وشوارعه. وقد أقرّ نتنياهو بخسارة إسرائيل في الحرب الدعائية. صحيح أن اختزال قدرة الفلسطينيين على تحريك العالم بأسره في مجرد حرب دعائية هو ظلم كبير،لكن ينبغي أيضاً إدراك الحقيقة التي يشير إليها هذا التصريح، فالذين يقاتلون مع الفلسطينيين ضد الهياكل الاستعمارية الجديدة والإمبريالية ليسوا محكومين دائمًا بالهزيمة. وظهور هذه الحقيقة أمر بالغ الأهمية. إن وصف ترامب اليوم بأنه “هتلر العصر الحديث” يعد حدثاً استثنائياً.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!