
ترك برس
تناول مقال للكاتب والإعلامي التركي طه قلينتش، رسالة غير مرسلة يُنسب مضمونها للبروفيسور محمد حميد الله إلى الزعيم القبرصي التركي رؤوف دنكتاش في سبعينيات القرن الماضي، يدعوه فيها إلى تأسيس مدارس للأئمة والخطباء وكليات للشريعة لحماية الهوية الدينية والوطنية لمسلمي قبرص.
وينطلق المقال من هذه الرسالة الافتراضية للتأكيد على أن إهمال التعليم الديني في العقود الماضية أدى إلى ضعف الوعي الإسلامي وصعود فئات مغتربة عن ذاتها، في مقابل أطماع اليونانيين والبريطانيين والصهاينة في الجزيرة.
ويخلص الكاتب في مقاله بصحيفة يني شفق إلى أن الإسلام هو الضمانة الوحيدة للحفاظ على الهوية التركية في قبرص، محذرًا من أن غياب هذا الوعي قد يقود إلى اندثار الوجود التركي المسلم كما حدث في تجارب تاريخية مشابهة.
وفيما يلي نص المقال:
السيد دنكتاش:
بداية، أتوجه إليكم بتحية لكم ملؤها الاحترام والتقدير. إنكم من الشخصيات البارزة في بلد مبارك استضاف أم حرام بنت ملحان، عمة النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، الأمر الذي أكسبها أهمية قصوى في وجدان المسلمين. إن الغاية من كتابة هذه الرسالة هي التعبير عن احترامي لكم ولبلدكم. أنا شخص وُلد في الهند، وأفنى عمره في خدمة العلوم الإسلامية، وزار العديد من مناطق العالم الإسلامي. وللأتراك في قلبي محبة وامتنان خاصان لخدماتهم الجليلة للإسلام، ولهم مكانة رفيعة من بين جميع الشعوب. وكذلك أشعر تجاه أتراك قبرص بمودة وقربٍ عميقين.
السيد دنكتاش:
يُعد التعليم الإسلامي من الشروط الأساسية التي لا غنى عنها لصون استقلال وطابع أي بلد مسلم. فإذا لم يتلقَ أطفالنا تعليماً دينياً ولم يُغرس فيهم الإسلام منذ صغرهم، فسوف ينشأ لدينا في المستقبل مجتمع منقطع عن جذوره. انظروا إلى المؤسسات التعليمية للقبارصة اليونانيين المقيمين في قبرص، وستجدون منهجاً ونظاماً متشابكاً مع الديانة المسيحية. هناك حاجة ماسة وضرورية لمزج الأتراك المسلمين القبارصة بالإسلام بالطريقة ذاتها.
السيد دنكتاش:
لقد توليتم مناصب مهمة في إدارة قبرص، وأنتم مقبلون على أدوار أكبر في مستقبلها. لذا، وقبل فوات الأوان، بادروا إلى تأسيس مدرسة للأئمة والخطباء في قبرص، ووجهوا إليها الأطفال المسلمين. كما أدعوكم إلى إنشاء كلية للشريعة والدراسات الإسلامية للتعليم العالي. ليكتسب الشباب المسلمون القبارصة علوم دينهم بأفضل صورة، ولتعزيز روحانياتهم. إن الخطوة الأولى لمواجهة عدوانية الروم هي بناء مجتمع ذي وعي ديني ووطني راسخ. والسبيل إلى ذلك هو من خلال تعلم الإسلام وتطبيقه.
مع خالص السلام والاحترام والمحبة."
يروي الأستاذ الدكتور إحسان سُريّا سيرما، أن أستاذه البروفيسور الدكتور محمد حميد الله كتب رسالة موجهة إلى رئيس دولة قبرص التركية الفيدرالية آنذاك، رؤوف دنكتاش، في سبعينيات القرن الماضي، يوصيه فيها بفتح مدارس الأئمة والخطباء في قبرص، لكنه لم يرسلها. لا نعلم لماذا لم يرسل حميد الله الرسالة، أو ممن كان يخشى. وقبل كتابة هذا المقال، اتصلت بالأستاذ إحسان سُريّا للحصول على معلومات حول لغة وأسلوب الرسالة المعنية، لكنه أفاد بأنه لا يتذكر النص بوضوح بعد مرور هذه السنوات الطويلة. ولهذا، فإن النص الافتراضي أعلاه من صياغتي بالكامل. لقد قمتُ بصياغته معتقداً أن البروفيسور حميد الله ربما كتب شيئاً مشابهاً لهذا.
لو أن رسالة محمد حميد الله وصلت إلى مخاطَبيه في نيقوسيا، ولو أن دنكتاش استطاع أن يُدرك إسهام التعليم الوطني والإسلامي في صوغ هوية قبرص، ولو أن عشرات الآلاف من الطلبة تخرّجوا منذ سبعينيات القرن الماضي حتى اليوم من مدارس الأئمة والخطباء في مختلف مدن الجزيرة، وتولّوا مواقع بارزة في حياتها العامة، فماذا كان سيحدث؟ على الأرجح ما كنّا لنشهد بعض المشاهد التي تنعكس من حين لآخر من قبرص اليوم. فما كان لأناس جعلوا من محاربة الحجاب والأذان والتعليم الديني هدفًا لحياتهم أن يجرؤوا على الظهور بهذا القدر من الوقاحة أمام الرأي العام.
لقد وطئتُ أرض قبرص أول مرة عام 2008، وتجولت فيها بالكامل، حتى أصغر قراها وبلداتها. في ذلك الوقت كانت معظم المساجد مغلقة، وكثير من دور العبادة التي تمكنا من فتح أبوابها بصعوبة بالغة لم تكن صالحة لأداء الصلاة. وفي كل زيارة لاحقة لي، كنت ألاحظ تغيّر المشهد تدريجيًا، ودخول الجزيرة في مسار جدي من الترميم الروحي. غير أنّ إهمال العقود السابقة خلّف جراحًا عميقة، حتى صار صوت الفئات الغافلة عن هويتها الدينية والوطنية يرتفع عاليًا في قلب قبرص، مجتمعةً في جبهة واحدة لمنع الجزيرة من اكتساب صبغة إسلامية.
ويبدو أن قبرص التي أصبحت مطمعاً للصهاينة اليهود بعد اليونانيين والبريطانيين، ستضطر من الآن فصاعداً إلى خوض صراع داخلي ضد الكتلة المغتربة عن ذاتها.
يجب فهم هذه الحقيقة بوضوح: إذا أُريد الحفاظ على الهوية التركية، فإن درعها وضمانتها الوحيدة هي الإسلام. فمن دون الإسلام، يستحيل الدفاع عن الهوية التركية لقبرص وحمايتها.
نأمل أن تُستوعب هذه الحقيقة الجلية بوضوح، وألا تُرتكب أخطاء لا يمكن تداركها. وإلا، فمن المحتم أن يقال ذات يوم:"لقد عاش في الجزيرة مسلمون أتراك فيما مضى..." وللأسف، فإن التاريخ حافل بأمثلة لا تُحصى على مثل هذا المصير.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!