
ترك برس
تناول تقرير بصحيفة يني شفق التركية، للكاتب والمحلل البارز نيدرت إيرسانال، المشهد السياسي والدبلوماسي الراهن المحيط بغزة، كاشفًا وجود مسارين متوازيين لما يُعرف بـ«خطة السلام»: الأولى مكوّنة من عشرين بندًا موجهة لحماس وتتسم بالسطحية والغموض، والثانية أعمق وأكثر استراتيجية، ترتبط بشخصيات مثل توني بلير وجاريد كوشنر وتمتد لتشمل مستقبل الشرق الأوسط بأسره.
يسلّط الكاتب الضوء على التناقض بين الجهود الإنسانية العاجلة لوقف الإبادة الإسرائيلية وبين التحركات السياسية الخفية التي قد تعيد صياغة القضية الفلسطينية بعيدًا عن مبادئ القانون الدولي وحلّ الدولتين.
كما يناقش أدوار بعض الفاعلين الإقليميين — خاصة تركيا وروسيا وإيران — في إدارة التوازنات الدقيقة، محذرًا من أن قبول «الهدنة» أو «اللجنة الدولية» قد يكون مدخلًا لفرض واقع سياسي جديد يفرّغ القضية من جوهرها.
وفيما يلي نص التقرير:
بين الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى غزة، ووقف الإبادة الجماعية فورًا، وبين ما يعرف بـ "خطة ترامب للسلام في غزة"، هناك مساع حثيثة لإنقاذ القضية الفلسطينية.
في الواقع، هناك خطتان مختلفتان: الأولى هي الخطة الموجهة لحماس والمكونة من 20 بنداً، والثانية هي الخطة التي تتمحور حول أسماء مثل توني بلير، وجاريد كوشنر، ورون ديرمر. وهذه لا تتعلق بفلسطين وحدها، بل بمستقبل الشرق الأوسط بأسره على المدى الطويل.
تتضمن بعض بنود الخطة الأولى إشاراتٍ وعناصرَ ترتبط بالخطة الثانية، ما يوهم بأنهما خطة واحدة، لكنهما ليستا كذلك. فالخطة المكونة من عشرين بنداً تتسم بالسطحية، وتضم نقاطاً مثيرة للجدل وتحتاج إلى تعديلٍ، وليس واضحا ما إذا كانت تهدف فعلاً إلى الحلّ. ولا تتناول القضايا الأساسية مثل ماهية الدولة الفلسطينية، وحدود عام 1967، وحلّ الدولتين، وموضوع "القوةالمتعددة الجنسيات" أو "إدارة اللجنة الدولية" وغيرها من المسائل الجوهرية.
أمّا الخطة الثانية فهي تسير بخطوات مدروسةٍ ومنهجيةٍ منذ البداية، وفاعلوها معروفون ومهيَّؤون مسبقا. لقد تطوّرت تدريجياً منذ اليوم الأول لإدارة ترامب السابقة. وهذا يفسر بقاء شخصٍ مثل جاريد كوشنر —الذي لعب الدور الأبرز في "التحالف العالمي" ضمن خطة ترامب الأولى لإسرائيل والشرق الأوسط— بعيداً عن الأضواء حتى الآن. وحين تولّى ترامب ولايته الثانية، فُسّر غياب كوشنر عن المشهد بأنّ الرئيس الأميركي “تعقّل في مقاربة الشرق الأوسط، ولن يكرّر أخطاءه السابقة، ولا يريد أن يُنتقَد مجدداً بسبب كوشنر”.
ونتيجة لذلك، برزت إشكالية في ترتيب الأولويات، فبينما يعد وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية ووقف المجازر ضرورات إنسانية عاجلة، فإنّ الخطة الثانية تسير في الخفاء بخيوط دقيقة ومحسوبة، ولكن هل هناك عملية دقيقة تُدار حالياً تهدف إلى فهم ومعرفة ما يفعلونه بخصوص الخطة الثانية، وهل تتطلب اتخاذ موقف استباقي الآن؟ وهل أصبحت الخطة الأولى ستارًا يحجب الأبصار عن الخطة الثانية؟
ولكن من الواضح تماماً أن الخطة الأولى تتمحور حول إسرائيل، وتديرها الولايات المتحدة، التي لا يمكن أن تكون طرفاً محايداً أو وسيطاً نزيهاً. فهل يمكن إذن أن تكون الخطة الثانية مختلفة عن ذلك؟
ويمكننا الافتراض أن تركيا لعبت دوراً في تخفيف حدة الإنذار الأمريكي الموجَّه إلى حركة حماس، وما تضمنه من تهديدات بفرض عقوبات قاسية، إضافةً إلى المساهمة في تهدئة الأجواء بعد ذلك.
بل يُعتقد أنها قامت بـ"تدخلات دقيقة". فإذا اطلعتم على وسائل الإعلام الإسرائيلية ستجدون إشارات إلى أن أنقرة وصلت إلى الجماعات التي تحتجز الأسرى والتي كان يُعتقد أنه يستحيل الوصول إليها..
وتصريح وزير الخارجية هاكان فيدان بأن اجتماع غزة المنعقد على هامش قمة الأمم المتحدة، "ساعد في إبقاء ترامب ملتزماً بمسار معين" يندرج في هذا الإطار. لكنه من ناحية أخرى يعني أن "الرئيس الأمريكي قد ينحاز إلى إسرائيل في أي لحظة". إنها دبلوماسية مرهقة بامتياز، نسأل الله التيسير.
والإعلان الصادر عن البيت الأبيض مساء يوم الاثنين يشير إلى رغبة أمريكا في العمل بسرعة كبيرة فيما يتعلق بمراحل الخطة. هذا أمر جيد لوقف الإبادة الجماعية الإسرائيلية واحتواء الفلسطينيين، لكنه ليس جيدًا للمرحلة التي تلي ذلك.
لم تكتف إسرائيل طيلة 730 يوماً بقصف فلسطين فحسب. بل ضربت المنطقة والعالم بأسره. لقد هيأت الجميع للوصول بهم إلى نقطة "قبول" معينة. يجب ألا يجعلنا هذا الوضع "نرضى بالحمى خوفاً من الموت"؛ أي يجب ألا يُقنعنا هذا التحضير بقبول المرحلة التالية.
هل يمكن أن تصبح فكرة «اللجنة الدولية» أمرًا طبيعيًا عمليًا؟ وهل هم الأطراف الطبيعيون لإدارة مثل هذا الملف؟ وهل من الطبيعي أن يتصرّف النظام الدولي كأن كل المكتسبات القانونية، وهي الركيزة الأساسية للنظام الدولي" كما لو لم تكن موجودة؟ ألا يعني التعامل مع غزة بشكل منفصل عن الضفة الغربية في النهاية موت حل الدولتين؟
إذا كانت الخطة الأولى مجرد تمهيدٍ للخطة الثانية، فعلينا ضبط استعداداتنا وردودنا العقلية وفقًا لذلك. وبينما تستمر جميع أنواع المساعدة المادية والمعنوية لفلسطين على الأرض، يجب أن نُحسّن مناوراتنا الاستراتيجية على الهامش. لأنهم حين يوقفون الهجوم سيقولون: "لقد بذلنا كل هذا الجهد، والآن حان دوركم". لكنهم في الواقع لم يقدموا شيئًا؛ العالم يجلس على طاولة المفاوضات مقابل أنهم "سيتوقفون عن القتل".
يجب أن نعترف أن الجهد الدبلوماسي الكبير الذي تبذله تركيا بكل إخلاص لوقف الإبادة في غزة تشاركها فيه العديد من الدول العربية. ولكن السؤال هو: هل سنجد هذه الدول في المكان نفسه حين ننتقل إلى المرحلة الثانية؟ فهناك مرحلة ثالثة بعد المرحلة الثانية.
إن المكالمة الهاتفية التي جرت مساء يوم الاثنين بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تناولت جانبًا من ملف غزة وخطة ترامب، لكنها ركزت بشكل أساسي على إيران. ولا يسعنا إلا أن نتساءل لأي غرض دعت الحاجة لهذا الاتصال. فقد جاءت تصريحات وزارة الخارجية الإيرانية متزامنة مع هذه المكالمة كالتالي: "إن استخدام المجال الجوي للدول المجاورة لشن هجمات على إيران وضع خطير وغير مقبول. على جيراننا ألا يسمحوا باستخدام أراضيهم لشن هجمات من طرف ثالث ضد إيران."
من أين تأتي هذه التطورات؟ نحن نعلم مصدرها، لكننا بما أن تحليلنا ينطلق من "فلسطين والخطط"، فإننا نذكرها لنؤكد بأن "هناك المزيد" ونمضي قدماً..
ولكن هناك أيضاً سوريا. فرغم هدوء الاشتباكات التي اندلعت في حلب فور بدء المفاوضات في مصر، يجب أن يكون هذا بمثابة تحذير لنا بأن المسألة لا تقتصر على شارع أو شارعين. ماذا يعني القول بأن "القادمين من قنديل هم من قاموا بذلك"؟ إذا كان الأمر كذلك، فماذا يعني تصريح قسد الإرهابية بأن "إدارة دمشق هي المسؤولة عما حدث"؟ وفوق ذلك، كيف نفسر اجتماع قسد مع القيادة المركزية الأمريكية والسفير توم باراك في اليوم نفسه؟ ربما كان الاجتماع "حَسَن النية" كما شارك السفير، لكنه بالتأكيد أزعج بعض الأطراف.
كيف نفسّر أيضًا تصريح بهجلي أمس اجتماع كتلة حزبه في البرلمان: "على إمرالي أيضًا دعوة قسد في سوريا وتوضيح دعوته السابقة"؟
نحن منشغلون جدًا بالخطة الأولى المكونة من عشرين بندًا. لا أقول « ينبغي إغفالها»، فالأمر ليس كذلك، لكن الأولوية في هذه المرحلة هي إنقاذ إخواننا الفلسطينيين، وقطع إصبع الزناد لدى إسرائيل، ثم نراقب بحذر مدى التزامهم لاحقًا. يجب أن نضمن أن يعيش الفلسطينيون حياة كريمة، ولا ننجرف إلى حالة نقول فيها: "هل هذه تُسمّى حياة؟".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!