ترك برس

منذ تأسيس دولة "إسرائيل" فوق فلسطين والعلاقة بينها وبين تركيا متذبذة ومتغيرة حسب الحكومات المتغيرة في تركيا، فبعض الحكومات كانت تسعى لزيادة العلاقات الاستراتيجية بينها وبين إسرائيل وبعضها كانت تتجنب عقد اتفاقات جديدة مع إسرائيل وتتجنب التقارب مع إسرائيل بشكل نشط، ومع تولي حزب العدالة والتنمية لمقاليد الحكم كانت العلاقات التركية الإسرائيلية في بادئ الأمر نشطة وجيدة ووصلت قمة نشاطها توقيع الاتفاقية العسكرية بين تركيا وإسرائيل عام 2004 واستمرت العلاقات بين الدولتين في حالة جيدة إلى عام 2009 إذ بعد هذا العام اعتدت "إسرائيل" على غزة وأوقعت أكثر من ألفين شهيد جلهم من الأطفال والنساء الأبرياء، ويبدو بأن هذه الحرب هي القشة التي قصمت ظهر بعير، إذ بعد ذلك بدأت الأزمات التركية الإسرائيلية تطفو على السطح وكان أبرز هذه الأزمات تنديد أردوغان بالرئيس الإسرائيلي بيرز في مؤتمر دافوس الاقتصادي لعام 2009 وهجوم إسرائيل على إسطول الحرية الذي إنطلق من تركيا وكان يسعى لإيصال المساعدات الإنسانية لغزة.

في ضوء هذه العلاقات المتدهورة، تناول الباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والأكاديمي في قسم العلاقات الدولية التابع لجامعة أك دانيز "دانيز دامير" قضية العلاقات التركية الإسرائيلية من ناحية الغاز الطبيعي وغزة، ويستهل دامير دراسته بالتالي: "في الأونة الأخيرة سمعنا الكثير عن الأخبار السياسية التي تنص على أن إسرائيل اكتشفت مصادر جديدة للغاز وأنها تسعى لبيع ونقل هذا الغاز للعالم عن طريق نصب أنابيب ناقلة تمر من فوق تركيا، وتؤكد بعض المصادر العاملة في الدولة وبعض شركات الغاز التركية الكبرى أنه بالفعل بدأت بعض اللقاءات والمشاورات الخاصة بالموضوع بين الدولتين على مستوى منخفض وبشكل مبدأي، وكما تبين المصادر بأن هذه المشاورات قطعت مشوار كبير بقضية الاتفاق بخصوص نقل الغاز ومن المتوقع بأن تصدر إسرائيل الغاز لتركيا بأسعار رخيصة ومخفضة جدا ً مقابل سماح تركيا لإسرائيل استخدام أراضيها في نقل الغاز".

ويوضح دامير أن "التقارب التركي الإسرائيلي في قضية نقل الغاز جاء بعد ورود أنباء عن وجود لقاءات سرية بين الخارجية التركية الإسرائيلية، الأمر الذي لم تنفه الخارجية التركية بل أكدته على لسان وزير خارجيته "مولود تشاووش أوغلو" الذي أقر بالمشاورات بتاريخ 22 يونيو 2015 خلال تصريحات صحفية له، ولكن أكد تشاووش على اصرار تركيا عن رفع الحصار عن غزة لإرجاع العلاقات التركية الإسرائيلية إلى مسارها الجيد كما كانت في السابق".

ويشير دامير إلى أنه "قبل أيام قليلة صرح وزير الطاقة التركي تانر يلديز ببعض التصريحات الخاصة بالموضوع حيث قال "لا يمكن لنا الأن في الوضع الحالي العمل مع إسرائيل في نقل الغاز من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا لأن إسرائيل مازالت تحاصر وبكل تعنت قطاع غزة الذي يحتوي على أكثر من مليون ونصف المليون نسمة، لا يمكن مجرد التحدث مع إسرائيل بهذا الخصوص إلا بعد رفع الحصار عن قطاع غزة المظلوم"وبهذا تكون الحكومة التركية عبرت عن نيتها الواضحة بالتعاون بإسرائيل ولكن بشرط إنساني وهو رفع الحصار عن قطاع غزة بشكل كامل".

ويكمل دامير تقريره بالتأكيد على "وجود كميات غاز طبيعي ضخمة موجودة على سواحل قطاع غزة ولكن إسرائيل تمنع الحكومة الفلسطينية من إتمام أي اتفاقية تعاون اقتصادية مع أي شركة من شركات الغاز الطبيعي العالمية، وحسب مهندس النفط وأحد رؤوساء الإدارة العامة لشركة "بريتش غاز" الخاصة باستخراج الغاز وتصديره "محمد أوتشو" فإن سواحل غزة تتمتع بكمية غزة كبيرة وضخمة حيث أن مساحة حوض الغاز فيها مابين 30 إلى 35 كم مربع وعمقه 600 متر فقط وتبلغ كمية الغاز به حوالي 280 مليار متر مكعب"، وتسعى دولة فلسطين الاستفادة من كمية الغاز الضخمة وهذا أحد أبسط حقوقها حسب القانون الدولي، وتسعى تركيا لكسب مشروع استخراج الغاز وجعله ضمن شرط رفع الحصار عن قطاع غزة".

ويبين دامير أنه "على الصعيد الأخر، إسرائيل تبدو منزعجة بشكل كبير من اشتراط تركيا رفع الحصار عن قطاع غزة، والدليل على إنزعاجها هو تحركها لإتمام بعض العلاقات الاقتصادية مع دولة قبرص "اليونانية" ومن ضمن هذه الاتفاقيات هو الاتفاق المبدئي بين الدولتين على إمكانية مد خطوط نقل الغاز بين إسرائيل وأروبا عن طريق مرورها من قبرص اليونانية، وهذا يأتي في إطار بحث إسرائيل عن شريك بعيد عن القضية الفلسطينية وغير مهتم بها في ضوء الاستمرار في علاقات اقتصادية جيدة غير مرتبطة بمواضيع سياسية أو إنسانية."

وفي نهاية التقرير يرجح دامير بأن "هذه الاتفاقيات المبدئية بين قبرص وإسرائيل لا يمكن أن تكون اتفاقيات نهائية تجعل إسرائيل تستغني عن تركيا لمد خطوط الغاز؛ وذلك لأن تركيا تُعتبر أكثر استقرار سياسي واقتصادي وعسكري من قبرص اليونانية، وكما أن المفاوضات بين الطرفين مازالت مستمرة، الأمر الذي يمكن أن يجعل الطرفين يصلان إلى نقطة مشتركة تفيدهما الإثنين خاصة بما يخص رفع الحصار الإسرائيلي الذي يمكن أن يتم رفعه مقابل عمل الطرفين المشتركة في قضية إستخراج الغاز الموجود على سواحل غزة، هذه التوقعات ستضح في الأيام المقبلة فمازالت المفاوضات مستمرة بين الطرفين".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!