مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس

مما شك فيه أن السيد أحمد داود أوغلو رئيس الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية سياسي من طراز نادر، فهو شخصية جمعت بين العمل الأكاديمي الجامعي والممارسة السياسية المتميزة.

شخصية تقوم على التمسك بالمبادئ والقيم الإسلامية مع السعي في تحقيق المصالح الوطنية التركية علي جميع المستويات، نظريته المعروفة "بصفر مشاكل مع الجيران" خلقت نقاش عميقا بين أرباب السياسية الدولية.

وقد عرفت هذه السياسية  نجاحا متفاوت الدرجات في ملفات وقضايا منها: أكراد الداخل وسوريا والعراق وشماله، وأرمينيا وميانمار وأمريكا اللاتينية والصومال والبلقان وروسيا وقبرص وأذربيجان واليونان والصين ودول الخليج.

هذا التميز على المستوى النظري والتفوق على المستوى العملي والميداني لم يعجب كثيرًا من لا يحب النجاح والتفوق، فواجهت هذه النظرية قصفا كثيفا من العجم والعرب، بسبب وبدون سبب، واعتبروها سرابًا تجري وراءه تركيا، لكونها تقع في تناقضات كثيرة من حيث تحالفاتها واصطفافها مع الشعوب بدل الأنظمة وتحديها للكيان الصهيوني وغيرها من النواقص في نظرهم تجمعها السياسة الخارجية التركية.

وقوي هذا القصف المغلف بالنقد المتجرد والتحليل السياسي المنطقي، بعد العملية العسكرية ضد التنظيمين الإرهابيين داعش وبي كي كي، فكانت العناوين التالية: "من صفر مشاكل إلى صفر جيران"، "إفلاس السياسة الخارجية التركية"، "فشل سياسة صفر مشاكل مع الجيران" وغيرها من العناوين التي يبتعد مضمونها عن المعلومة الصحيحة والتحليل السياسي المنطقي والواقعي، ولا يظهر فيها إلا الشماتة  بتركيا و قادة حزب العدالة والتنمية، وتنقيصا منهم ومن كفاءتهم السياسية وانضباطهم الأخلاقي.

لخص أحد المحللين السياسيين عوار هذه الانتقادات في ما يلي: "وصل الأمر بالمنتقدين أن جعلوا "سياسة صفر مشاكل" سببًا لأي حدث أو أزمة تحدث في المنطقة... كما تقّدم تحليلات آنية تهدف إلى تسجيل النقاط أكثر من تناول القضايا بعمق في عصر يعيش أزمات سياسية وصراعات داخلية، كما يشهد ثورات وثورات مضادة، ومشاكل حدودية وسلطوية تمتد إلى قرن من الزمان... كما صوروا "هدف" تصفير المشاكل مع الجيران تصويرًا دونيًا بتشبيهه بالقانون أو الأمر الإلهي أو الضرورة الدستورية أو الخط الأحمر".

وبالرجوع إلى نص وثيقة "صفر مشاكل مع الجيران" ووثيقة سياسة صفر مشاكل في المرحلة الجديدة" للبروفسور أحمد داود أوغلو، ومنجزات السياسة الخارجية التركية في عشر الأعوام الماضية، يتبين أن النظرية لها عمق فكري وبعد الاستراتجي ونظر متوازن، يعي المتغيرات السياسة داخل تركيا وخارجها، ويعرف أن الوضع الجغرافي لتركيا وإرثها التاريخي سيضع تحديات كبرى أمام هذه السياسة، هذا التحدي بينه البروفسور داود أوغلو في مقاله حول: "صفر مشاكل مع الجيران" بقوله:

"تواجه تركيا ضغطاً لتولّي دور إقليمي مهم، ما خلق، باعتراف الجميع، توترات بين التحالفات الاستراتيجية الحالية والمسؤوليات الإقليمية الصاعدة، كان تحدّي إدارة هذه العلاقات ملموسًا بحدة في الأزمات الإقليمية الأخيرة في القوقاز، البلقان، والشرق الأوسط. تبقى تركيا ملتزمة بتحقيق انسجام بين تحالفاتها الاستراتيجية الحالية وجيرانها والمناطق المجاورة".

وأكد أوغلو هذا الوعي بقوله في مقال آخر تحت عنوان "سياسة صفر مشاكل في المرحلة الجديدة": "عندما أعلنا عن البدء بتنفيذ سياسة صفر مشاكل، لم تكن غايتنا فقط تطوير المصالح الاقتصادية والأمنية لتركيا ولم نفكر أبدا في اتباع أجندة السياسة الواقعية التي تفتقر إلى القيم، بل على العكس كان الهدف منها هو إزالة العقبات دون النظر إلى مصادرها والتي كانت تعيق اندماج تركيا مع جيرانها. هدفنا الأساسي هو السعي من أجل توفير واستمرار التواصل بين كافة المجتمعات والشعوب وعلى رأسها شعبنا وشعوب المنطقة برمتها ضمن ما أسميناه بـ"الحد الأقصى من التعاون").

وتابع داود أوغلو بيان أن سياسة صفر مشاكل مع الجيران تساير مرحلة التغير التي تعرفها المنطقة: "نحن نعتقد أنه من غير الممكن إعادة إنشاء النظام الإقليمي من جديد إلا من بعد استجابة الأنظمة السياسية لمطالب شعوبها والمتمثلة في الحرية والكرامة والحوكمة الصالحة... سنستأنف العمل على نحو يلائم روح مبدأ ''صفر مشاكل مع دول الجوار'' وسنعمل على إتمام الاندماج الإقليمي وذلك بعد اكتمال مرحلة التغيير في المنطقة".

حاصل الأمر أن سياسة صفر مشاكل مع الجيران خيار استراتجي وطني، لا بأس أن يتوقف تنفيذه بعض الوقت من أجل صد مؤامرة ضد الأمن القومي التركي أو الوقوف مع المطالب الشعبية في بلدان الربيع العربي أو رفضا للبلطجة الصهيونية الإرهابية أو عندما يقوم نظام طائفي بإبادة شعب بكامله من أجل البقاء في السلطة.

سياسة صفر مشاكل مع الجيران هي رؤية استراتيجية وقيم إنسانية إسلامية وبراغماتية معتدلة وراءها قوة حازمة تصدّ التهديدات لا تطلقها، تعطي الأولوية لقوة تركيا الديمقراطية - المدنية - الاقتصادية - الدبلوماسية.

عن الكاتب

مولاي علي الأمغاري

باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب، ومهتم بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس