مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس

استبشر كل متابعي الشأن التركي بالمسار الديمقراطي الذي نجح حزب العدالة والتنمية في ترسيخه منذ وصوله للحكم عام 2002، وكان من نتاج هذا المسار الديمقراطي وصول حزب الشعوب الديمقراطي إلى البرلمان بثمانين عضوا، كحزب كردي صرف، والذي رفع شعارا بارزا في حملته الانتخابية مضمونه أنه حزب ديمقراطي هدفه خدمة تركيا والأتراك بمختلف أطيافهم السياسية وتنوعهم العرقي.

بهذا أتيحت لحزب الشعوب الديمقراطي فرصة ذهبية للدفع بمسار العملية السلمية التي فتحته الحكومة التركية مع أوجلان وحزبه، لكن عملية "السلم والديمقراطية" العسكرية ضد بي كي كي وتنظيم الدولة الإرهابيين، فضحت زعم ديميرطاش وحزبه، فلم يصبر على رؤية مقاتليه تحصد أرواحهم الطائرات التركية، فشيّطن أردوغان والحكومة التركية ورئيسها، ونسب إليهم قتل الشباب الأكراد في تفجير سوروج بمساعدة داعش في ممارسة إرهابه، كما حمّلهم مسؤولية خرق الهدنة مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي، وبلغ الشطط في التصريح مداه حينما خرج المسؤول بالحزب عبد الله زيدان بتصريحات استفزازية هدّد فيها تركيا بقوله: "إن بي كي كي يملك القدرة على خنق تركيا ببصقة... وأن تركيا بهذا العمل العسكري تلعب بالنار... وأن حزب العمال الكردستاني حركة سلمية تملك القوة لإفناء تركيا".

بناء على هذا يتضح أن حزب الشعوب الديمقراطي وزعيمه ديميرطاش أضاع فرصة ذهبية لإحلال غصن الزيتون بدل صوت الرصاص، كما أنه دخل في مسلسل من الأخطاء دل على أنه حزب لمشروع جبال قنديل ليس مشروع يخدم تركيا وشعبها.

وهذا سرد لبعض أخطاء الحزب وزعيمه:

- الأول: نعت رئيس الجمهورية التركية بالقاتل والمتعاون مع داعش في قتل شباب سوروج.

- الثاني: إدانته تفجير سروج، وعدم إدانته واستنكاره لمقتل جنود ورجال شرطة أتراك على يد حزب العمال الكردستاني الإرهابي.

- الثالث: دعوته الشعب الكردي للتسلح دفاع عن نفسه،ل أن الحكومة التركية تركت الأكراد فريسة لإرهاب داعش.

- الرابع: اتهام قادة حزب العدالة والتنمية بدعم داعش ضد الأكراد في سوريا، والحقائق تقول أن حزب الشعوب يؤدي دور الغطاء السياسي لكل من حزب العمال وحزب الاتحاد الديمقراطي ومليشيات وحدات حماية الشعب المنعوتين بالإرهاب.

- الخامس: تورطه في المشروع الإيراني لإضعاف أنقرة وتحجيم دورها على الصعيدين الإقليمي والدولي.

- السادس: دعوته حزب بي كي كي إلى إسكات سلاحه، وفي المقابل توقف الحكومة التركية عملياتها العسكرية ضد التنظيم الإرهابي، مع الاستمرار في مسار محادثات السلام، فسوّا بين الحكومة المدافعة عن شعبها، والتنظيم الإرهابي الذي رمى بمسار العملية السلمية وفتح غدرا السلاح على المدنيين والعسكريين ورجال الشرطة.

- السابع: اغترار ديميرطاش ببعض أصوات حزب الشعب الجمهوري، وأتباع قولون، ورافضي التحول إلى النظام الرئاسي.

- الثامن: قصده بروكسل من أجل إعادة محادثات السلام إلى طاولة السياسة، حينما تيقن أن الحكومة التركية عازمة على القضاء هذه المرة على الإرهاب والإرهابيين، بإخراج آخر إرهابي من تركيا ودفن سلاحه، ولا رجوع لمسيرة السلام إلا بهذه الشروط الحقّة.

- التاسع: الطمع في الدعم الغربي وخصوصا الأمريكي، لكن الصدمة القوية جاءت من الولايات المتحدة وبريطانيا، حينما اتفقوا مع تركيا في صفقة قاعدة إنجرليك والمنطقة الآمنة في شمال سوريا، مقابل ضرب حزب العمال الكردستاني وقوات حماية الشعب الإرهابيين، والتخلي عن جناحهما السياسي حزب الشعوب وحزب الاتحاد الديمقراطي وخروج سفيري البلدين أمام الإعلام التركي والتبرّؤ من هجمات هذه المنظمات الإرهابية والتنديد بها.

- العاشر: الدعم اللامشروط لمشروع "روجافا" الكردي بشمال سوريا، وهذا المشروع أكبر خطر على الأمن التركي، وهذا الدعم يعني أن ديميرطاش وضع نفسه في ضفة من يقصف تركيا والأتراك.

- الحادي عشر: هذه الأخطاء نتج عنها التعجيل نحو انتخابات مبكرة، في الغالب تعرضت المكاسب الانتخابية لحزب الشعوب للضّياع إن لم يكن قد خرج من قبة البرلمان.

- الثانية عشر: إن التغطية السياسية التي يقدمها حزب الشعوب الديمقراطي لبي كي كي  وعملياته الإرهابية ضد الجنود الأتراك، وانفضاح المؤامرة الإيرانية - الأسدية لإقامة كيان كردي شمال سوريا، جعل القادة الأتراك يجعلون القضاء على إرهاب حزب العمال الكردستاني وتوابعه من أكبر همومهم في مقبل الأيام.

على الزعيم السياسي الشاب والذي اتضح أنه لم يخرج عن جلباب زعيمه أوجلان، أن يعلم أمرين:

- الأول: أن بروكسل ليست مكانًا يأتي منه السلام والأمن للأكراد في تركيا، فمعروفة ضغائنها نحو تركيا وخصوصا تجاه السيد الرئيس أردوغان.

- الثاني: أن يتيقن أن القادة الأتراك لن يقبلوا الرجوع إلى محادثات السلام إلا وقد دفن حزب العمال الكردستاني الإرهابي سلاحه في التراب، وبالتالي فمشروع السلام المطبوخ في بروكسل لن يلتفت له الأتراك، لأن من فتح مشروع السلام مع الأكراد وقدم لهم ما لم يقدمه أحد من الزعماء الأتراك - منذ تأسيس الجمهورية التركية - حسم أمره بقوله: "نحن بدأنا عملية المصالحة، لكن بي كي كي اختار طريق الصراع، ولم يترك للحكومة أي طريق آخر"، من تصريح لرئيس الجمهورية السيد أردوغان نقلا عن وكالة الأناضول.

للأسف لقد كسر حزب الشعوب الديمقراطي وزعيمه كأسا من لبن "عيران – ayran" التركي مُهداة إليه من أيدي آمنت بالسلام والديمقراطية والوحدة، لكن الزعيم الذي جعل نفسه "روبن هود" الأكراد، فضّل كأس علقم الحرب والرصاص، ولما عطش وسعى في طلب "عيران"، صدق عليه المثل العربي: " الصيف ضيعتِ اللبن".

عن الكاتب

مولاي علي الأمغاري

باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب، ومهتم بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس