خالد الحدّاد – جريدة الشروق التونسية

اللقاء المفاجئ بين رئيس الجمهورية التركية رجب طيب اردوغان والقيادي البارز في حركة نداء تونس حافظ قائد السبسي صنع الحدث لاعتبارات عديدة أهمها: اولا: مكانة اردوغان كزعيم إقليمي بل دولي رفيع تحول الى نموذج يكاد يكون غير مسبوق لنجاح الاسلام الديمقراطي في الحكم. فأردوغان نجح في نقل تركيا من دولة مثقلة بالمشاكل والديون والفوضى السياسية الى القوة 16 في العالم، بنسبة نمو اكثر من 10 بالمائة وبمعدلات منتظمة تؤهلها لتكون القوة العاشرة في حدود سنة 2023.

ثانيا: مكانة تركيا الأردوغانية في التوازنات الجيوستراتيجية في علاقة بثلاثة ملفات رئيسية هي الصراع الدائر في أوكرانيا بين الغرب وروسيا (تركيا عضو في الحلف الأطلسي وهي في تماس مباشر مع موسكو)، ومواجهة خطر داعش بعد اقتناع صناع القرار البارزين بانه لا مجال لقهر تنظيم الدولة دون الاستفادة من تجربة تركيا في مقاومة الاٍرهاب وضمان مصالحها في المنطقة، اما الملف الثالث فهو تجاوز المعضلة السورية في ارتباط بتداعيات الاتفاق النووي مع ايران والذي فسح المجال للحديث عن حاجة المنطقة الى جبهة سنية تقودها تركيا والسعودية في مواجهة المد الشيعي. 

ثالثا: ان الديبلوماسية الشعبية مازالت في خطواتها الاولى في تونس ولم يعتد الملاحظون على لقاءات السياسيين التونسيين مع زعماء العالم باستثناءات قليلة قبل الثورة وبعدها، وعلى العكس من ذلك تكون زيارة وزير سابق او عضو برلمان من أمريكا وأوروبا وحتى فنان او رجل اعمال لتونس حدثا كبيرا يحظى خلاله باستقبال رسمي وتغطية إعلامية. 
اللقاء تحول من حدث سياسي هام يمكن الاستفادة منه لتعزيز العلاقات التونسية التركية، الى ما يشبه الصدمة في صفوف قادة النداء الذين تراوحت ردودهم بين الصمت ومحاولات التبرؤ من اللقاء واعتماد اُسلوب «مناور» في الركوب على المقابلة مع تقزيم طرفيها، كما ورد على لسان امين عام نداء تونس محسن مرزوق. 

المنتظر من مسؤول حزبي رفيع كان تقديم الشكر لرئيس جمهورية تركيا على استقباله قياديا بارزا في حزبه، وحرص انقرة على إقامة علاقات طيبة مع مختلف الحساسيات السياسية في تونس وليس تقوية طرف على حساب أطراف اخرى ووضع اللقاء في إطار مستقبلي بناء مع ابداء اي تحفظات على مواقف تركيا، غير المتصلة بالشأن التونسي.

العكس هو الذي حصل وبطريقة غير مقنعة وتنم عن تسرع او استسهال للحديث من امين عام حزب حاكم. مرزوق قال ان اللقاء دليل على قوة نداء تونس ، رغم ان امينه العام لم يتمكن الى حد الان الا من مقابلة وزير خارجية روسيا وكمبعوث لرئيس الجمهورية، اضافة الى رئيس جمهورية سابق يبحث عن العودة الى الأضواء. بلغة لا تخلو من تهكم غريب قال مرزوق انه من غير المعتاد ان يُستقبل نائب رئيس حزب من طرف رئيس جمهورية!! وطبعا العبارة الشائعة هي ان حافظ قائد السبسي كان في زيارة شخصية وكأن لقاءه مع اردوغان كان محطة سياحية !! 

رغم ان مصادر مطّلعة أكّدت لـ«الشروق» أنّ السبسي الابن ذهب خصيصا الى أنقرة في زيارة قصيرة لم يغادر فيها النزل الا لمقابلة الرئيس التركي في القصر الجمهوري بأنقرة ولم يكن له اي نشاط اخر لا على المستوى الشخصي ولا السياسي . 

كيف يمكن ان نقرأ الزيارة إذن ؟

تركيا كانت من الدول القليلة التي مدت يد العون لتونس بمساعدات مالية وكذلك بتجهيزات متنوعة وخاصة الاجهزة الأمنية والبلديات، غطى عليها الفشل الاتصالي لحكومة الترويكا وعدم تمييز المعارضة وقتها بين المناكفات الحزبية ومصالح تونس الاستراتيجية، وهو اليوم من الوجهات الرئيسية للتونسيين للسياحة بالخصوص الى جانب الاستثمارات التركية الضخمة التي تدفقت على تونس في العقد الأخير والتي بقي اغلبها معلقا او اضطر أصحابها إلى صرف النظر عنها.

ولذلك ليس من المستغرب ان يحظى السبسي الابن بهذا الاستقبال النوعي بصفته الحزبية والمكانة الاعتبارية التي بات يحظى بها بفضل رهانه القوي على التوافق وتصديه لما كان يعرف بالتيار الاستئصالي في النداء، وهو ما يفسر حرص كل السفارات الغربية البارزة المعتمدة في تونس، مثل أمريكا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا ... على استقباله في السنة الاخيرة للاطلاع على أفكاره ورؤيته لمستقبل النداء في علاقته بالدساترة والإسلاميين. 

حافظ قائد السبسي الذي كان من الشخصيات الأكثر اثارة للجدل الإعلامي والذي اتهمه خصومه في السابق بقيادة تيار التطبيع مع النهضة ، ومحاولة تحويل النداء الى «تجمع دستوري ديمقراطي جديد» الى جانب محمد رؤوف الخماسي، شخصية سياسية من العيار الثقيل، وكانت مواقفه قبل الانتخابات وبعدها حاسمة في توجيه دفة النداء نحو خيار التوافق الوطني لذلك من الطبيعي ان يعامل في الخارج بمراعاة قدرته على التأثير في القرار السياسي وتوجيهه.

التعتيم المقصود على هذا الجانب في شخصية السبسي الابن والتركيز على القرابة برئيس الجمهورية او محاولة تشويهه سياسيا او شخصيا، زاد من شعبيته وسرع خروجه من «جلباب والده»، رغم حرص الابن على تاكيد انه يقود «خط الباجي قائد السبسي».

لقاء اردوغان وحافظ قائد السبسي رسالة قوية من الشقيقة تركيا مفادها انها معنية بنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، وأنها حريصة على ان تكون لها علاقات طبيعية ومتينة مع تونس الرسمية والشعبية.

وهو مؤشر على ان السبسي الابن جاد في المضي قدما لانجاح رهانه على لم شتات الدساترة وترسيخ التوافق الوطني الذي يمر حتما عبر الشراكة بين خصوم الامس ، اي الإسلاميين والدساترة.

عن الكاتب

خالد الحداد

صحفي - رئيس القسم السياسي بجريدة الشروق التونسية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس