سمير صالحة - خاص ترك برس

بعض ما قيل لنا هذا الأسبوع من قبل مجموعة من الكتاب العرب المعادين للعدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان والمناصرين لحزب العمال الكردستاني وأقلام تعرف عن نفسها بالليبرالية واليسارية وأنصار "غيزي بارك" والكيان الموازي في تركيا:

- يعتقد أردوغان أن الانتخابات المبكرة ستؤمن له اجتذاب أصوات القوى اليمينية والقومية المعادية للأكراد مما يوفر له الغالبية المطلقة التي خسرها، من دون أن يدرك استحالة حدوث ذلك، وأن خسائره ستتوالى، بعدما أدخل تركيا في "عش الدبابير" باستدراج "داعش" والعنف الكردي، وأنه في النهاية يدفع ثمن مطامعه الشخصية وعبثه في الساحة السورية في آن.

- فليذهب أردوغان إلى الانتخابات المبكرة في خطوة أشبه بالعملية الانتحارية التي يمكن أن تعود بنتائج عكسية، بل إن الحربين اللتين أعلنهما أردوغان على حزب العمال الكردستاني وتنظيم "داعش" الإرهابي، وما سببتاه من ضرب لاستقرار الداخل التركي ولتراجع للنمو الاقتصادي بتدهور قيمة الليرة وزيادة القلق الاجتماعي، لا يمكن أن تساعد حزب الرئيس التركي على كسب الناخبين من غير قواعده، بل الأرجح أن نتائج الانتخابات المقبلة ستكون كارثية وستنهي أحلام أردوغان وعنترياته غير المحسوبة والتي قادته إلى وضع لم يكن يتخيله.

- هناك كثير من المفاجآت غير السارة لأردوغان في الأسابيع المقبلة، بعضها سيأتيه من سوريا، والبعض الآخر من العراق، أما الأخطر فسيكون من الداخل التركي قبل وبعد الانتخابات المبكرة في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر.

- أردوغان.. يخسر صورته كقائد يستطيع أن يتحمّل فكرة انتقال السلطة وهو يناور منذ الانتخابات الأخيرة التي أسفرت عن نتيجة واضحة يحاول الالتفاف عليها هي حصول معارضيه مجتمعين على ستين بالماية من مقاعد البرلمان.

- "تبنيا لوجهة نظر صحيفة "حريت" التركية "الرصينة".. التغيير مستمر وتركيا الحداثية قالت كلمتها وهي ضرورة تجاوز تجربة حزب العدالة والتنمية. الباقي تفاصيل نرجو أن لا تستغرق وقتا. لكن تركيا ستمنع أردوغان من نحرها".

- الواقع الجديد دفع أردوغان إلى معاودة الحرب على "حزب العمال الكردستاني" لتوجيه رسالة بالنار إلى أكراد تركيا مفادها أن أنقرة لا تزال غير مستعدة للتعامل مع الطموحات السياسية للأكراد سواء في تركيا أو في سوريا أو في العراق. ومقابل التصعيد ضد الأكراد دفع أردوغان ثمنا عسكريا وسياسيا للولايات المتحدة تمثل في فتح القواعد العسكرية التركية ولا سيما منها قاعدة إنجرليك أمام المقاتلات الأميركية.

بين ما قيل أيضا:

- بعد ثلاث سنوات من الهدوء يُنهي أردوغان عملية المفاوضات مع "حزب العمال الكردستاني" ويفتح الحرب عليه فجأة، وبكل ما أوتي من قوة. أدخل أردوغان البلاد في جحيم أمني وعسكري يسقط خلاله يوميًا القتلى من الجنود الأتراك والمقاتلين والأكراد والمدنيين في كل مكان، من أقصى شرق البلاد إلى إسطنبول، ما دفع الأكراد إلى إعلان الإدارة الذاتية في بعض مناطق جنوب شرق تركيا.

- تأتي الحرب على الأكراد بعد ظهور نتائج الانتخابات النيابية، وإلا فلماذا لم يفتح عليهم الحرب قبل الانتخابات. أردوغان يحرق البلاد من أجل بضعة أصوات قد تعيده، وقد لا تعيده منفردًا إلى السلطة في انتخابات مبكرة.

- وسط هذه التطورات المستجدة والمتسارعة، يجيء إعلان أردوغان عن انتهاء "عملية السلام" مع الأكراد، ورفضه التمييز بين "داعش" و"العمال"، بالإضافة إلى شنّ قوات الأمن التركية حملات اعتقال طاولت أكثر من ألف شخص يشتبه بعلاقتهم مع "داعش" و"العمال" و"الجبهة الشعبية الثورية" في 34 ولاية تركية، ليثير مخاوف القيادات الكردية من تعمّد أنقرة خلط الأوراق، للانتقام من الأكراد، تحت غطاء "محاربة الجماعات المتطرفة".

الكرونولوجيا للراغبين طبعا تقول غير ذلك. تواريخ وأحداث لا تكذبهم فقط بل تؤكد حقيقة أحكامهم المسبقة ضد أردوغان وحزبه وربما تركيا التي يريدون إعادة بنائها على مزاجهم.

أردوغان منذ عام 2005 يطرح ملف المسار الديمقراطي في حل المسألة الكردية.

 هو الذي غامر سياسيا وشعبيا في دعم تحرك أوسلو السري رغم كل الاعتراضات من العسكر والإعلام الذي تقوده مجموعات دوغان والدولة العميقة في تركيا.

هو الذي أعطى الأوامر لهاقان فيدان في كانون الثاني/ يناير عام 2012 للقاء عبد الله أوجلان في سجنه ومحادثته في المسار السلمي للملف الكردي.

هو الذي سهل وصول أول هيئة كردية تلتقي أوجلان وتنقل رسائله السياسية. وكان أول من ساهم في قراءة رسالة أوجلان إلى أكراد المنطقة في 21 آذار/ مارس 2013 في عيد النوروز عبر ميدان دياربكر.

هو الذي فتح الأبواب أمام تشكيل لجنة العقلاء من نخبة المثقفين الأتراك والأكراد لترجمة خطط الحل على الأرض في نيسان/ أبريل 2013.

لكنه ليس هو من دفع القيادات الكردية لتنقسم على نفسها اعتبارا من شباط/ فبراير 2015 بين مؤيد لدعوات أوجلان بالتخلي عن السلاح والذهاب إلى مؤتمر استثنائي للعمال الكردستاني وبين جناح الصقور الرافض للتخلي عن البندقية.

كما أنه ليس هو من شجع منظومة المجتمع الديمقراطي الجناح السياسي للبي كي كي على رفض ما يقوله أوجلان وتنفيذ أول هجوم كبير له في مدينة أغري الشرقية  في نيسان/ أبريل المنصرم.

وإعلان صلاح الدين دميرطاش في منتصف حزيران/ يونيو بعد أسبوع على نتائج الانتخابات التركية أن لا قدرة لحزبه على إلزام العمال الكردستاني بالتخلي عن سلاحه مستفيدا من التفوق السياسي والشعبي داخل تركيا والعسكري في شمال سوريا في منطقة كوباني.

أردوغان ليس هو من نصح قيادات قنديل بالاستقواء بنتائج الانتخابات في 7 حزيران/ يونيو المنصرم وبإلغاء قرار الهدنة العسكرية من جانب واحد في 11 تموز/ يوليو الماضي.

وشجعها على إعلان الحرب الشعبية الثورية في جنوب شرق تركيا بعد 3 أيام وتنفيذ عملية هجوم جديد في أضيمان أسفرت عن سقوط جندي تحت ذريعة رفض بناء السدود المائية في بعض الأماكن التي ترى فيها معابر حيوية بين تركيا والعراق وسوريا.

ثم دعوة جميل باييق الأكراد في 20 تموز/ يوليو للتسلح كلغة وحيدة لا بد منها للوصول إلى المطالب .

ثم قتل شرطييْن في أورفا انتقاما لتفجير سوروج الذي بحث الإعلام والفضائيات الغربية والعربية مطولا عن أصابع أردوغان فيه لنصل إلى الأسبوع الأخير من تموز وملحقاته.

- بعض أكراد تركيا على حق في شكوكهم حول نوايا أنقرة، التي ترفض بشدّة فكرة "إقامة دولة كردية" على حدودها الجنوبية. في وقت ذهب فيه زعيم حزب "الشعوب الديموقراطي" التركي، صلاح الدين دميرطاش، إلى القول أن "الحكومة التركية تستهدف أساسًا أكراد سورية في المنطقة العازلة، التي تخطط لإنشائها على الحدود مع تركيا". أن "العملية العسكرية التركية ضد مسلحي داعش في سورية هي غطاء لاستهداف حزب العمال".

- أما الذين يتبنون "رصانة" صحف تركية مثل "حريت" بسبب علاقاتهم الشخصية أو الفكرية مع بعض كتابها فربما هم يعرفون أو لا يعرفون أن مجموعة دوغان هي من أشد معارضي أردوغان والعدالة والتنمية وهي الأسرة التي تديرها وكانت قبل سنوات فقط أبرز من يهاجم أردوغان بسبب انفتاحه على مسار الملف الكردي وتهميش دور المؤسسة العسكرية والعمل على تقسيم تركيا وضرب وحدتها ليتحولوا بقدرة قادر إلى أبرز المدافعين عن المشروع الكردي بين ليلة وضحاها. هذه المجموعة الإعلامية كانت تدعو الجيش بالأمس "ليقوم بمهمته"، واليوم تتصرف وكأنها من يطالب حزب العمال الكردستاني "بالقيام بمهمته".

- القيادي في " بي كي كي "جميل باييق يقول في مقابلة مع صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية أن هناك محادثات سرية بين حزب العمال الكردستاني وواشنطن وأنه دعا الولايات المتحدة للتوسط بين حزب العمال الكردستاني وبين تركيا لوقف العملية التي يشنها الجيش التركي ضد المنظمة الإرهابية، إلا أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جون كيربي، نفى وجود مباحثات مباشرة أو غير مباشرة مع حزب العمال الكردستاني ووصفه بــ"منظمة إرهابية"، مؤكدا أن الموقف الأمريكي لم يتغير وأن حزب العمال الكردستاني عليه أن يوقف هجماته داخل الأراضي التركية ويتخلى عن العنف واستهداف المواطنين الأتراك ويعود إلى عملية السلام الداخلي.

- قناعات تركية كثيرة تقول إنّ حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي قد استخدموا ملف داعش لتعزيز مواقعهم أيضا، فأحداث 6-8 تشرين الأول/ أكتوبر في تركيا التي أسفرت عن خسائر مادية كبيرة  كان هدفها الاستعداد للانتفاضة الكردية وإشعال البلاد ولهذا تم استخدام عمليات داعش من قبل حزب العمال الكردستاني، وهكذا كان الحزبان يريدان البدء بخطوات عملية لتأسيس دولة ذات قومية كردية في شمال سوريا وجنوب تركيا أفسدها أردوغان.

- أقلام عربية ترسم المشهد على الشكل التالي.. وقد كان لقرار حزب العمال الكردستاني بإنهاء عملية السلام، وذلك باستغلال ما جرى في سوروج، آثار سلبية على الحزب، جعلته يعيش أياما صعبة في تركيا وفي سوريا على حد سواء، وكان طريق الخلاص من هذا الوضع الصعب واضحا، وهو من خلال استخدام كرت داعش مجددا، ولهذا أعلن جميل باييق عن أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تقود لقاءات مع مسؤولين أتراك ومن حزب العمال الكردستاني من أجل التوصل إلى اتفاق بين الطرفين المتنازعين.

- تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" - "داعش" نشر تسجيل "فيديو" يدعو فيه الشعب التركي للتمرد على حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، واصفًا إياه بأنه "كافر وخائن"، مناشدًا الشعب المساعدة في غزو تركيا. تهديدات داعش لتركيا خدعة أردوغانية لن تنقذه أبدا من تهمة علاقته بالتنظيم ودعمه له!

- أشجع الأصوات هي التي بدات مؤخرًا بالمجاهرة عبر أهم المواقع العربية من قبل كتاب عرب من أصل فلسطيني تدعو لأن يمنح الأكراد استقلالا تاما بحيث يتم اقتطاع إقليم كردستان من مختلف الدول التي تتواجد فيها أقلية كردية معتبرة. أي أن تنتهي سيادة كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا على الأقاليم الكردية وتسليمها للأكراد لتصبح الوطن القومي الكردي الذي تقوم عليه دولة مستقلة ذات سيادة. وهذا بالطبع الحل الأمثل الذي يقي المنطقة الحروب الداخلية والاستنزاف وعدم الاستقرار.

- الذين يكتبون عن معاقبة تركيا غربيا بسحب صواريخ الباتريوت وتركها وحيدة لا يقولون أي شيء عن أزمة سحب أكوام الزبالة من شوارعهم التي تكاد تتحول إلى أزمة إقليمية. انشغالهم بالكتابة عن "الحريق التركي" و"عِش الدبابير" الذي ينتظر أردوغان لا اعتراض عليه طبعا لكن المشكلة هي مع إعادة برمجة الأولويات برأينا.

الهدف هو التخلص من أردوغان وحزب العدالة والتنمية واستبدالهما بقوى سياسية أخرى تحقق للبعض ما يريد.

بالأمس القريب هاجمت إسرائيل في عملية روتينية جديدة الأراضي السورية. أقلام عربية تحركها إيران وقفت إلى جانب نبيل العربي في تذكير أنقرة بالسيادة العراقية عندما أغارت المقاتلات التركية على مواقع "بي كي كي" في جبال قنديل. هؤلاء لم يقولوا لنا أي شيء بعد حول العدوان الإسرائيلي على الجولان أم أن السيادة تبدأ وتنتهي عند جبال قنديل وشمال العراق فقط؟ 

انقلاب مفاجىء في مواقف القيادات الكردية في تركيا لم تتوضح أسبابه بعد. قادة حزب الشعوب الديمقراطي أعلنوا أنهم سيساهمون بوزراء في حكومة الانتخابات التي سيشكلها أحمد داود أوغلو وأصبحوا يتحدثون عن وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة الحوار. صلاح الدين دميرطاش يقول إن "الوضع السائد في البلاد بات مثيرا للقلق، ولا يمكن حل أي مشكلة في تركيا باستخدام السلاح". ألن تغضبهم مواقف دميرطاش هذه وهم الذين راهنوا عليه ليحقق لهم ما يريدون في تركيا كما يفعل صالح مسلم في شمال سوريا؟

أم أن مفاجأة الحكومة التركية والمؤسسة العسكرية بالرد السريع على مخطط حفر الخنادق وتوزيع السلاح وإعلان الكيانات المستقلة في جنوب شرق تركيا هو الذي خيب آمالهم بعد إعلانهم ليلة السابع من حزيران/ يونيو أن العدالة وأردوغان سقطا وتركيا باتت ألعوبة بيدهم ويد أسيادهم.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس