د.سمير صالحة - خاص ترك برس

لا ضرورة للحديث عن إسرائيل هنا فهي قادرة على تلافي كل خياراتها بخطوة واحدة باتجاه واشنطن لموازنة ترسانتها الحربية بالمستودعات الإيرانية حتى ولو كانت النووية بينها.

الرئيس الإيراني حسن روحاني شكر نظيره التركي رجب طيب أردوغان على الجهود التركية التي دعمت إيران منذ البداية في محادثات الملف النووي، وعلى المبادرات المشتركة التركية البرازيلية قبل 5 سنوات باتجاه التوسط في المحادثات بين طهران والغرب، وأكد أن اتفاقية فيينا ستنعكس إيجابا على مسار العلاقات التركية الإيرانية الثنائية والإقليمية لأن شعوب المنطقة تراهن على التعاون التركي الإيراني لحل العديد من القضايا العالقة والتنسيق في الحرب على الإرهاب.

أولى خطوات التحرك الإيراني باتجاه الداخل التركي جاءت مباشرة بعد توقيع اتفاقية فيينا من خلال موقف السفير الإيراني لدى تركيا علي رضا بيكديلي، الذي قال إن تشكيل حكومة ائتلافية تضم حزب الشعب الجمهوري في تركيا سيعود بالسلام على الشرق الأوسط. وأشار السفير الإيراني إلى وجود حاجة لدفع العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدولتين، وخاصة بعد إزالة العقوبات وتجديد الدعوات لرجال الأعمال الأتراك لاستكشاف السوق الإيراني.

في العلن وللوهلة الأولى يبدو الموقف التركي في غاية البساطة؛ ترحيب باتفاقية فيينا النووية لأن أنقرة كانت في طليعة المطالبين والمشجعين على إنجازها كونها تبعد شبح سباق تسلح النووي عن المنطقة. وكون اتفاقية من هذا النوع تساهم في منح تركيا المزيد من الفرص التجارية والمالية في علاقاتها مع إيران التي كانت مقيدة تقريبا بسبب قرارات الحظر والحصار الدولي المفروض على إيران.

رحبت تركيا بالاتفاق النووي بين إيران والغرب قائلة إنه ذو أهمية حيوية لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، لكنها حثت طهران على إعادة النظر في سياساتها بشأن قضايا سوريا واليمن.

الرئيس التركي الحادي عشر عبد الله غُل قال إنّ توصل الأطراف المعنية بملف إيران النووية إلى اتفاق بهذا الشأن، يعدّ نجاحاً للدبلوماسية العالمية. وأوضح غل أنّ الاتفاقية الموقعة بين إيران وكل من دول الـ (5+1) المتمثلة بالدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، ستعود بالنفع على كلا الطرفين وستنعكس هذه الاتفاقية ايجاباً على العالم باسره، مشيراً إلى الجهود التركية المبذولة في هذا الصّدد أثناء شغله منصب رئاسة الجمهورية ما بين عامي 2007 و2014.

 تركيا وإيران، اتهم كل منهما الآخر أكثر من مرة بمحاولة السيطرة على الشرق الأوسط، ودعم الأطراف المتحاربة في سوريا والعراق، إلا أن العلاقات الاقتصادية بين الطرفين استمرت على المسار الذي يحمي مصالحهما التجارية.

 وزير الخارجية التركي مولود شاوش أوغلو قال إن الاتفاق الذي توصلت إليه مجموعة 5+1 مع طهران بخصوص برنامج إيران النووي، يحمل أهمية إقليمية بالغة، لكن الأهم هو تنفيذ الاتفاقية بشفافية وتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال الفترة المقبلة. وأكد الوزير شاوش أوغلو أن "تنفيذ الاتفاقية واستمرارها سيساهم في استقرار المنطقة، كما أن رفع الحصار عن إيران سيساهم في دفع اقتصاد المنطقة برمتها".

لكن هناك شبه اجماع في تركيا على أن التصعيد الغربي - الإيراني الأخير ضد تركيا في موضوع دعم تنظيم داعش لم يكن سوى حلقة من مشروع التقارب بين طهران وواشنطن، وخطوة تساعدهما على الانفتاح ما دامت لغتهما وأدواتهما بدأت تتوحد في الأشهر الأخيرة.

التقارب الإيراني - الأمريكي يحمل معه أكثر من فرصة لطهران وواشنطن؛ بينها: لعب ورقة "داعش" في المنطقة؛ عدوهما الأول في العلن. وإن مصالح أمريكا في سوريا والعراق ولبنان واليمن باتت تحت سيطرة إيران مباشرة وهي لا بد أن تقدم لها ما تريد إذا ما كانت راغبة في حماية نفوذها في تلك البلدان.

إيران تستطيع عبر تحريك ورقة "داعش" وما تملكه من أوراق سياسية في سوريا والعراق ولبنان أن تقنع واشنطن بحل وسط في الملف النووي يرضي الطرفين ويحمل الطمأنينة لإسرائيل. المعادلة الإيرانية التي حاولت ان تغري واشنطن بها هي في غاية البساطة: إيران الأقوى في الإقليم إلى جانب إسرائيل الجاهزة لتغيير موقفها حيالها بعد إعادة ترتيب الأولويات والتخلص من العقد التركية والعربية، وتحالف جديد لتقاسم النفوذ في المنطقة.

أنقرة وصفت الاتفاق بأنه فرصة جديدة نحو تعاون اقتصادي أكبر بين أنقرة وطهران بعدما ضمنت تركيا أن إيران لن تتمكن من الحصول على قنبلة نووية، الأمر الذي كان سيؤدي إلى الخلل في موازين القوى في الشرق الأوسط والمنطقة. من هنا قال بيان لوزارة الخارجية أن تركيا تعتبر الدبلوماسية هي الخيار الوحيد لحل المشكلة المتعلقة ببرنامج إيران النووي، مؤكدةً أن تطبيق الاتفاق بشكل كامل ودون انقطاع ضمن رؤى مطمئنة، يحمل أهمية حيوية من حيث أمن واستقرار المنطقة.

ورأت الخارجية التركية أن اتفاقية التفاهم النووي قد تطلق قدرات إيران الاقتصادية، وهو أمر سيفيد تركيا لمدة معيَّنة من دون شك، لكنه في المقابل قد يُخلُّ بموازين القوى إذا بقيت الأجندات السياسية الإقليمية للدولتين متضاربة، لكن افتراضًا استراتيجيًا يطرح اليوم في تركيا وهو ردة الفعل الإيرانية حيال أية رغبة تركية في تغيير مواقفها واستراتيجياتها الاقليمية وهل ستقبل بها إيران وتنفتح عليها وتدعم منح انقرة فرصة من هذا النوع وهي التي لعبت أوراقها كلها ضد تركيا في الملفات السورية والعراقية واللبنانية والخليجية؟

تحليلات تركية عديدة تلتقي عند نقطة الفرصة الذهبية التي قدمتها اتفاقية فيينا لحكومة العدالة والتنمية لتطرح سياسة خارجية تركية جديدة لكن الرئيس التركي أردوغان سارع للتأكيد على أن تركيا ماضية في سياساتها الإقليمية التي اعترض مؤخراً الرئيس التركي الأسبق عبد الله غل على طريقة التعامل مع العديد من ملفاتها. وهكذا يبرز الاستفسار الجديد إلى العلن: هل ستمضي تركيا وراء سياسة يقال إنها تشجع على الاصطفاف المذهبي وتساهم في بناء الحلف السني؟ أم أنها ستختار الالتحاق بالتقارب الغربي الإيراني الأخير وتكون جزءا منه في إطار توزيع الأدوار وتقاسم الحصص في التعامل مع الملفات؟

 لكن هذا لا يمنع أن نقول إن تفاهم فيينا حمل معه استفسارا تركيا آخر ينتظر الإجابة والتوضيح؛ وهو معرفة ما إذا كانت إيران جاهزة حقاً لتغيير سياساتها الإقليمية هي الأخرى في الملفات السورية والعراقية واللبنانية.

لا بل إذا ما كانت القيادة الإيرانية اليوم ستنجح في إطلاق سياسة انفتاحية ليبرالية تتصالح حقاً مع الغرب فإن سياستها هذه تمر قبل ذلك عبر سياسة إصلاحية اجتماعية ثقافية فكرية شاملة في الداخل الإيراني تعزز من صلاحيات المؤسسات الديمقراطية على حساب المؤسسات الدينية، وفي مقدمتها مؤسسة الأب الروحي والديني الوصي على كل شيء في إيران وتكون مقدمة لتحول سياسي ودستوري إيراني بعد 34 عاما على الثورة. أم أن كل ما يجري هو مجرد حقبة انتقالية لتخفيف التوتر وامتصاص حالة التشنج تعود الأمور فيها إلى سابق عهدها ما إن تهدا الأمور ويعرف كل طرف استحالة إقناع الطرف الآخر بأي تحول أو تغيير حقيقي في المواقف والحسابات والمصالح؟

تركيا كما يردد مجموعة من المفكرين القوميين تعرف أن إيران لن تتخلى عن مشروعها النووي حتى ولو قبلت تجميد بعض نشاطاتها في السنوات المقبلة للخروج من أزمة الحظر والحصار الأممي المضروب حولها. وإن طهران عاجلا أم اجلا ستمتلك هذا السلاح الاستراتيجي تحت شعار موازنة إسرائيل في ذلك. لهذا فإن ما تدعو إليه هو تحريك المشروع النووي التركي بأسرع ما يكون، وإنجاز تقدم عملي على الأرض في السنوات الخمس المقبلة عبر التنسيق مع الحلفاء أو الأصدقاء أو المنافسين إذا ما تطلب الأمر ذلك. وهي هنا تستشهد بمواقف وتصريحات القيادات الأوروبية بعد توقيع اتفاقية فيينا، وعلى رأسها كلام الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الأخير الذي بدأ يتحدث عن فرص وسيناريوهات إقليمية أمنية وتجارية وسياسية جديدة في المنطقة، وعن تقاسم أدوار لا بد منها تشكل إيران تقاطع الطرق الرئيسي فيها.

قناعة تركيا تتمركز في صفوف النخب وهي أن لعبة تحريك المرايا التي تعكس أشعة الشمس في وضح النهار نحو الأعين لمنعها من الرؤية لن تكفي إيران وبعض العواصم الغربية لمنع أنقرة من البحث عن خيارات وبدائل جديدة إذا ما شعرت أن التفاهم الإيراني الغربي الجديد سيكون على حسابها، وأن الخطوة المقبلة هي إشراك إسرائيل فيه عبر الضغط باتجاه تأمين المصالحة بين طهران و"الشيطان الأصغر"، طالما أنها قبلت الجلوس والحوار والاتفاق مع واشنطن "الشيطان الأكبر".

أسباب القلق التركي الآن واستعداد أنقرة لبحث حماية خطوط الرجعة بينها إصرار الإدارة الأمريكية على رفض وعرقلة جهود الوساطة التركية عام 2010 بين طهران والغرب بينما هي اليوم تحمي الحوار مع إيران وتأخذه تحت ذراعيها لمدة 21 شهرا كاملا، وبينها مباحثات تستمر 17 يوما حول موائد الطعام السريع للوصول إلى نتيجة ما، مع أن تركيا طالبتها بأن تكون "غيورة" أيضا في التحرك الجدي لحل ملفات وقضايا إقليمية مزمنة من بينها الملف الفلسطيني والملف الكردي والعقدة الأرمنية، حتى لا تتحول إلى ورقة ضغط إقليمي ضدها في المستقبل.

قناعة أخرى في تركيا وهي أن ما جرى يعكس في جميع الأحوال حقيقة أخرى وهي وجود إيران ما قبل 14 تموز/ يوليو وإيران ما بعد 14 تموز في التاريخ الميلادي الذي سيشير إلى بروز أن إيران بنت شراكة جديدة مع الغرب لإعادة ترسيم الحدود والمصالح وخطوط التحرك في الشرق الأوسط. وهي سيناريوهات ليست جديدة على المنطقة ولا على شعوبها ودولها. إيران بالنسبة للإعلام التركي اليوم ستكون في مقعد قيادة "الجندرمة الإقليمية" الجديدة بعد خيبة أمل واشنطن وتراجع حظوظها في الرهان على تركيا ومصر والسعودية أن تحقق لها ما تريد.

تركيا قلقة لأن إيران بإيجاز ستكون أقوى إقليميا ودوليا بعد الآن. جميع الأبواب التجارية والاقتصادية والمالية ستفتح أمامها، كما أنها هي الأخرى ستشرع الأبواب أمام المنتظرين من شركات عالمية كبرى ستتسابق في تقديم المشاريع والعروض للحكومة الإيرانية. البعض في أنقرة يتساءل إذا ما كان يبالغ في تقديم المشهد الإيراني للمرحلة المقبلة على أنه روسيا الجديدة بعد مطلع التسعينات التي تحررت من قيود الاتحاد السوفياتي رغم أن الأيديولوجية الإيرانية ببعدها القومي وديني ما زالت على حالها.

ائتلاف حكومي تركي جديد سيأخذ بعين الاعتبار متطلبات المرحلة الإقليمية المقبلة. تحالف للعدالة والتنمية مع حزب الشعب الجمهوري اليساري العلماني الذي عارض كل سياسات الحكومة التركية عربيا وإقليميا أم اختيار الحركة القومية اليميني المحافظ المتشدد الذي سيفتح الطريق أمام تدخل عسكري مباشر في سوريا والعراق وسيقطع الطريق على سياسات ليبرالية انفتاحية في الداخل والخارج سيكون ملفزالعلاقات التركية الإيرانية على رأسها.

إيران قد تتراجع مؤقتا عن خيار القنبلة النووية لكنها ستؤسس للقنبلة الإقليمية الاستراتيجية السياسية والتجارية، ومفعولها لن يقل تأثيرا عن القنبلة الأخرى على الدول المنافسة لها في المنطقة وتركيا هي في مقدمتها حتما بنظر الجناح القومي التركي.

بين ما أغضب أنقرة حتما الدعوة الأخيرة التي أطلقت من واشنطن وموسكو مطالبة اللاعبين العرب والأتراك بالتنسيق مع إيران لحل ملف الأزمة السورية، وهي التي تجاهلت دعوة هذه البلدان لمتابعة المباحثات النووية في فيينا، مع أنها تصفها بالحلفاء والشركاء، وها هي اليوم تطالبها بتنفيذ الدور المطلوب منها ورغما عنها كما يظهر. إيران ستصبح أقوى مما هي عليه اليوم والغرب هو الذي يفتح الطريق أمامها، هل هي خدعة إسقاطها في المصيدة الإقليمية أم انتقام من أنقرة وعواصم عربية لا تتعاون و"تتفهم" الموقف الغربي في الشرق الأوسط عبر اختيار الشراكة الاستراتيجية مع إيران؟

إيران التي قالت لا للغرب أكثر من 3 عقود لماذا تقبل الآن التخلي عن مشروعها النووي مقابل فك الحصار عنها؟ هل هو مجرد تحرر تجاري واقتصادي أم حلقة من مشروع إقليمي متكامل إيراني غربي على حساب الكثيرين في المنطقة؟

هل الجميع ربح في إيران عبر هذا التحرك الذي أعطى طهران فرصة استرداد أنفاسها لعشر سنوات مقبلة أم أن علينا أن نستعد لمواجهة سياسية شعبية بين المؤسسة الدينية والقوى الليبرالية التي يمثلها روحاني والتي أغضبت المتشددين والقوميين الإيرانيين بسبب تعاونها مع الغرب وقدمت تنازلات أساسية في مشروع الثورة الإيرانية وشعار الوقوف إلى جانب المضطهدين مادة التحرك والانتشار والتدخل الاساسية في الدستور الإيراني؟

أصوات تتعالى أكثر فأكثر في الداخل التركي يقودها الرئيس التركي الأسبق عبد الله غل نفسه. نعم لمصالحة جديدة وعاجلة مع مصر. نعم لسياسة تركية جديدة مع الدول العربية. نعم لتفاهم تركي - خليجي ملح يؤسس لتوازن إقليمي مع القفزة الكبيرة التي سجلتها إيران في العامين الأخيرين في المنطقة. في المقابل هناك من يردد بصوت مرتفع أيضا أن البعض يبالغ في الحديث عن تراجع العلاقات الاستراتيجية بين أنقرة وواشنطن لأن تركيا مرتبطة بحلف شمال الأطلسي الذي يقيد حركتها في سياسات تتعارض مع مصالح الحلف، ولأن حجم تداخل المصالح معقد ومتشابك لدرجة استحالة فصله بمثل هذه السهولة التي قد تكون لسقوط الهرم بأكمله.

سخرية القدر أن يحمي أوباما عملية إنجاح المحادثات في فيينا ثم يعلن بعد ساعات على التوقيع ومن واشنطن أن بلاده لا تضمن أن تتحول إيران إلى دولة معتدلة وتتخلى عن دعمها لحزب الله وتترك النظام السوري. فلماذا يبعث الرئيس الأمريكي برسله إلى دول المنطقة وقياداتها وما الذي سيقوله لهم إذا؟ نتمنى أن لا يردد الرئيس الإيراني على مسامعنا أنه ضمن إبعاد إيران عن الملف النووي مقابل تحسين وضعها الإقليمي وجعلها شريكه الجديد وهو يعرف جيدا أنها شريكة للنظام في دمشق الذي قال إن الاتفاقية النووية منعطف في تاريخ إيران وعلاقاتها الدولية. شريك شريكي هو شريكي أيضا فمبروك للغرب هذه الشراكة الجديدة مع طهران والنظام في دمشق.

ردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية تعكس جملة من الحقائق محسومة النتائج والتي ستأخذ بها تركيا وكما بدا المشهد في نيسان/ أبريل المنصرم بعد تفاهم لوزان بين إيران والقوى الدولية: إن التفاهم الغربي - الإيراني هو مناورة  لا أكثر لعب جميع أبطالها أدوارهم باحتراف وبين أهدفها محاولة غربية لتحسين علاقاتها مع روسيا في ملفات معقدة إقليمية ودولية بينها الملفين السوري والأوكراني. وأن التفاهم الإيراني الغربي يشكل مقدمة لمصالحة إيرانية إسرائيلية عبر وساطة غربية لتقاسم النفوذ في الشرق الأوسط. إنه تفاهم يؤخر فقط قبول إيران في النادي النووي.

وإن ما جرى هو براغماتية إيرانية للخروج من معضلة مضى عليها أكثر من عشرين عاما وكلفتها خسائر وأضرار مادية ومعنوية كبيرة. وهو ليس اتفاق الملالي مع الغرب. وإن تركيا تدرك تماما أن التفاهم الإيراني الأمريكي سيتحول بسرعة فائقة إلى تفاهم إيراني إسرائيلي يزيد من عزلتها إقليميا خصوصا بعد خروجها عن "بيت الطاعة" الأمريكي في سوريا والعراق والقطيعة مع إسرائيل والتحرك على حسابها في شرق المتوسط وأغضابها واشنطن بخيار الصين لتكون شريكها في التسلح الاستراتيجي البعيد المدى واختيار روسيا في شراكة نقل الطاقة الغازية إلى أوروبا عبر أراضيها.

وإن حرب الانقضاض على الصقور في إيران قد تكون الخطوة المقبلة. ثم تركيب طاولة المساومة على أزمات سوريا والعراق ولبنان. الاتفاق في العلن هو "نووي" البعد لكنه في السر هو "لغوي" الطرح. الفارسية المعولمة قد تكون بيت القصيد هذه المرة. وإن المشهد من تركيا يبدو اليوم وكأن من أسقط احمدي نجاد في الانتخابات الأخيرة وأبعده عن السلطة ليس روحاني وحده بل المشروع الغربي في إيران والمنطقة.

من الأفضل التذكير مرة أخرى أن لا خيار آخر أمام  تركيا سوى المضي قدما في برنامج خاص للطاقة النووية يخضع لاتفاقية منع انتشار الأسلحة لأنه من الخطأ الاعتقاد بأن تركيا متقبلة لفكرة وجود "إيران نووية"، فتركيا تتفق مع حلفائها الغربيين على أن إيران يجب ألا تمتلك السلاح النووي، لأن ذلك يهدد مباشرة التوازنات الإقليمية ويعزز من حالة عدم الاستقرار في المنطقة، بل ويضر بطموحات تركيا للحفاظ على وضعها كقوة إقليمية رئيسية، علاوة على أن وجود "إيران نووية" أمر سيدفع في الغالب دول الخليج هي الأخرى إلى امتلاك التقنية النووية لتدخل المنطقة في سباق تسلح خطير يغير المشهد الإقليمي كاملا.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس