محمد زاهد جول – الخليج أونلاين

منذ أن كلّف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، بتشكيل حكومة مؤقتة تتولى قيادة البلاد لإجراء انتخابات جديدة من المقرر أن تجرى في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بدأت التحليلات تبحث في مستقبل الأحزاب السياسية التركية الأربعة التي خاضت انتخابات السابع من يونيو/حزيران الماضي في الانتخابات القادمة، وما يمكن أن يحققه كل حزب أو يخسره في الانتخابات المبكرة القادمة، وهنا لا بد من التذكير ببعض المسائل المتعلقة والمؤثرة على نتائج الانتخابات الجديدة، وبالأخص على حزب العدالة والتنمية.

1 ـ أن الانتخابات المبكرة لم تأت نتيجة قرار رئيس الجمهورية فقط، وإنما بسبب إفشال أحزاب المعارضة الثلاثة تشكيل حكومة ائتلافية، كان رئيس الجمهورية أردوغان يأمل ببزوغها في شمس السياسة التركية المعاصرة، بحسب ما أفاده دينيز بايكال، رئيس حزب الشعب الجمهوري السابق، إثر اجتماعه مع رئيس الجمهورية، رجب طيب أردوغان.

2 ـ أن الانتخابات المبكرة جاءت بعد مباحثات بين رئيس الجمهورية، أردوغان، مع رئيس مجلس النواب التركي، عصمت يلماظ، تناولت متعلقات المواد القانونية ذات الشأن خاصة، استناداً للمادتين 104 و116 من دستور البلاد، وذلك بعدما فشلت المفاوضات في تشكيل حكومة ائتلافية عقب مشاورات أجراها أحمد دواد أوغلو مع الأحزاب السياسية خلال المدة المحددة دستورياً (45 يوماً).

3 ـ أن تكليف أردوغان لرئيس حزب العدالة والتنمية، داود أغلو، بتشكيل حكومة مؤقتة لتصريف الأعمال لحين إجراء انتخابات مبكرة هو من صلاحيات رئيس الجمهورية، وبحكم ان حزب العدالة والتنمية هو أكبر الأحزاب في مجلس النواب، ووفقاً للدستور، يتخذ المجلس النيابي، أو رئيس الجمهورية، قرار إجراء الانتخابات المبكرة، في حين تحدد اللجنة العليا للانتخابات تاريخ إجرائها.

4 ـ أن الشعب التركي تابع عن كثب تشكيل الحكومة الائتلافية، وتعرف بنفسه على المعيقات التي وضعتها أحزاب المعارضة أمامها، وبالأخص الشروط التعجيزية لحزب الشعب الجمهوري ورئيسه كمال كلجدار اغلو، الذي رهن مواقفه للتأثيرات الخارجية بالتنسيق مع مواقف حزب الشعوب الديمقراطي، في حين كانت مواقف دولت باهجلي سلبية للغاية أمام الشعب التركي وأمام أعضاء حزبه، الذين يحملونه المسؤولية عن دخول وزراء من حزب الشعوب الديمقراطي في حكومة الانتخابات بوزيرين، وقد كانت أعلى درجات الاستنكار على مواقف دولت باهجلي هي موقف نائبه في رئاسة حزب الحركة القومية، السيد طوغرال توركيش، الذي قبل المشاركة في حكومة الائتلاف بدعوة من رئيس الوزراء داود أوغلو، مخالفاً بذلك تعليمات قائد حزبه دولت بهاجلي، مع عجز الأخير عن توجيه أي إجراء تأديبي لتوركيش بسبب مكانته في الحزب، وبحكم أن والده ألب أرسلان توركيش هو مؤسس حزب الحركة القومية، وله مكانة كبيرة لدى أعضاء الحزب وأنصاره.

5 ـ أن رئيس الوزراء التركي داود أوغلو طبق الدستور التركي بحذافيره فيما يخص الحكومة الانتخابية، ووجه دعوات لكل الأحزاب السياسية الأربعة، بحسب النسب التي يقررها المجلس النيابي التركي، وهو يدرك خطورة عدم قيامه بذلك حين أكد أنه سيتوجه إلى النواب أعضاء الأحزاب المعارضة أيضاً لطلب مشاركتهم في الحكومة، قائلاً: "لو قمت بتصرف عكس هذا فإنه سيكون انتهاكاً للدستور"، وهذا يعني أن حزب العدالة والتنمية ورئيسه داود أوغلو أظهر موقفاً إيجابياً يحسب لصالحه في الانتخابات الجديدة أولاً، وأنه أفقد باقي الأحزاب القدرة على الاعتراض على حكومته الانتخابية، فكان رجل دولة تعامل مع باقي الأحزاب السياسية المعارضة بموقف الواثق من نفسه، ومن قدرته على إدارة دفة الحكم في البلاد في أصعب أحوالها الداخلية وتحدياتها الخارجية.

6 ـ اظهر رئيس الوزراء، داود أوغلو، لقاءات ودية مع كل القوى الاجتماعية والعرقية والمذهبية الإيجابية في الساحة التركية، لإشعارها بانه رئيس وزراء كل الشعب التركي وليس لقسم منه فقط، وقال لهم: "إن تركيا تجمع بين مكونات الشعب"، وأكّد رئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، خلال استقباله وفداً من الطائفة العلوية في مقرّ رئاسة الوزراء بالعاصمة أنقرة، في الأيام الماضية "أنّ الجمهورية التركية ليست حكراً على طائفة دينية معينة، وليست ملكاً لعرق محدد، وأنّ الجميع متساوون في الحقوق" وقال: "إنّ سبب لقاءات الطوائف الدينية الموجودة في تركيا، هو ترسيخ روابط الأخوة التي تجمع بين مكونات الشعب التركي"، وإنّ اللقاء الذي عقده مع ممثلي الطائفة العلوية، تعتبر "نداء للشعب التركي من أجل السعي لترسيخ هذه الروابط".

7 ـ أن نجاح حكومة تصريف الأعمال الأولى في مرحلة تشكيل الحكومة الائتلافية في مدة (45) يوماً من الناحية الاقتصادية، وإبقاء عجلة الاقتصاد سائرة ولو بصعوبات طفيفة أعطى رئيس الوزراء ورئيس حزب العدالة والتنمية ميزة كبيرة في النجاح في الانتخابات المبكرة، فالعوائق السياسية والاقتصادية التي وضعت أمامه كانت كبيرة؛ ومنها قسم كبير تم تحضيره إعلامياً لإفشال جهوده، كل ذلك سيكون لمصلحة حزب العدالة والتنمية وإظهار أنه الحزب الأقدر على قيادة البلاد اقتصادياً في المرحلة القادمة، وهو ما أخذ حزب العدالة والتنمية يؤكده للناخب التركي، الذي وثق ويثق كثيراً بسياسات حزب العدالة والتنمية الاقتصادية، كما أعلن الحزب بأن من أهم الإجراءات التي سيتّخذها حزب العدالة والتنمية هي إزالة المخاوف بشأن التلاعب بالدولار، وقطع الطريق أمام من يحاولون التلاعب بالدولار؛ وذلك من خلال ضبط الحوالات، وزيادة الاستثمارات التي تسمح للاقتصاد بالاستقرار.

8 ـ سوف يعقد حزب العدالة والتنمية اجتماعه الدوري الخامس في الثاني عشر من هذا الشهر سبتمبر/أيلول، ولا شك أن الانتخابات الجديدة ستكون على سلم أولوياته في البحث، كما أن بحث أسباب التراجع الأخير سيكون دروساً مستفادة، ويمثل مراجعة ذاتية للنجاح والإخفاق، وقد تأكد لديه أن نتائج الانتخابات القادمة لا بد أن تكون مغايرة للسابقة، وإلا فإن البلاد قد تدخل نفس المنعطف، الذي فشلت فيه في تشكيل حكومة ائتلافية، فحزب العدالة والتنمية وهو لا يمانع من المشاركة في الحكومات الائتلافية، ولكنه سيجد صعوبة بالغة في تشكيل حكومة ائتلافية مع الأحزاب الأخرى مرة أخرى؛ بسبب ارتباطها بأجندة خاصة داخلية وخارجية، قد تكون المصلحة الوطنية ليست على سلم أولوياتها، أو لا تستطيع تقديمها على التزاماتها الخارجية فيما يخص وضع العراقيل أمام حزب العدالة والتنمية لمواصلة مسيرة البناء في تركيا، ومن ثم فإن على حزب العدالة والتنمية ألّا يعول على الحكومات الائتلافية في المستقبل، وقد ثبت له أن الأحزاب الأخرى ليست حرة في قرارها السياسي.

9 ـ تظهر جميع استطلاعات الرأي التي تجريها مؤسسات داخلية وخارجية أن حزب العدالة والتنمية سيحصل على نسبة أعلى من السابق لا تقل عن أربع درجات، وأن كل أحزاب المعارضة سوف تتعرض للتراجع بسبب أدائها السيىء في الأشهر القليلة الماضية، ولكن ذلك لا ينبغي أن يؤخذ على محمل الاطمئنان عند حزب العدالة والتنمية، وإنما على ضرورة المثابرة ومعالجة أخطاء الماضي كافة.

10 ـ أن المعالجة السياسية الحكيمة، والقوة العسكرية الشديدة التي واجهت بها الحكومة الأعمال الإرهابية لحزب العمال الكردستاني وتنظيم "الدولة الإسلامية" "داعش"، قد أكسب رئيس الجمهورية ورئيس حزب العدالة والتنمية، داود أوغلو، ثقة أكبر لدى الشعب التركي، فقد أثبت رئيس الجمهورية أنه قائد عملية السلام والمصالحة الوطنية بامتياز، وأنه قائد المعركة الذي لا يتهاون في حماية أمن تركيا، بغض النظر عن الجهة التي توجه لها التهديد، إن كانت تعيش في المدن أو الجبال، داخل تركيا أو خارجها، وأن يد الجيش التركي قادرة على توجيه ضربات قاسية ومؤلمة ومدمرة لكل من يوجه عملياته الإرهابية نحو تركيا، مما اضطر رئيس حزب الشعوب الديمقراطي إلى التراجع عن تصريحاته الأولى التي أيد فيها العمليات الإرهابية ولو بطريقة غير مباشرة، مثل عدم وصفه لها بالإرهاب، بل وطالب أمريكا والأوروبيين التدخل للتوسط لدى الحكومة التركية بوقف عملياتها العسكرية ضد مقرات حزب العمال الكردستاني الإرهابية في جبال قنديل، فعزم أردوغان وحسم داود أوغلو أفقدا أعداء تركيا صوابهم بقوة الرد التركي.

11 ـ أن ثبات الموقف التركي من ضعف الاستراتيجية الأمريكية في معالجة قضايا المنطقة قد ألزم أمريكا بتغيير موقفها من السياسة التركية، وبالأخص في القضيتين العراقية والسورية، فقد فرضت السياسة التركية على البنتاغون أن يعقد اتفاقاً مع الحكومة التركية يتم فيه تبادل المصالح وتفهم المواقف، فقد فرض أردوغان على أمريكا والبنتاغون تحديداً تغيير موقفه من السياسة التركية ومواقفها؛ لأن تركيا رفضت بإصرار المشاركة في الضربات الجوية لقوات التحالف حتى توافق أمريكا على الشروط التركية بضرورة إقامة المنطقة الآمنة لحماية الشعب السوري، وبضرورة وضع نهاية للمأساة السورية من خلال حل يحرر الشعب السوري من أسرة الأسد وفسادها ومظالمها، وهو ما تعمل له أمريكا من خلال جنيف3 بالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي، مع ترتيبات أخرى مع روسيا وإيران يمكن أن تلتقي على رحيل الأسد في النهاية.

12 ـ النقطة الأخيرة التي يمكن أن نشير إليها في هذا البحث هو توجهات الصوت الكردي، فقد كان الصوت الكردي من الأصوات الانتخابية المؤيدة لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التي فاز فيها في السابق، في حين كان الصوت الكردي في الانتخابات الأخيرة في السابع من يونيو/حزيران موجهاً في الغالب لحزب الشعوب الديمقراطي بهدف واحد فقط، وهو إيجاد هيئة سياسية رسمية معترف بها من المجلس النيابي التركي لتمثيل الأكراد في عملية السلام الداخلي بعيدة عن الأجندة الخارجية لحزب العمال الكردستاني، ولكن حزب الشعوب الديمقراطي بعد فوزه بثمانين نائباً لم يعمل للسلام، وإنما بدأ حياته السياسية بمناكفة رئيس الجمهورية والإساءة إلى الحكومة التركية أثناء تشكيل حكومة ائتلافية، وعندما أخذت قيادات قنديل تعمل لإفشال نتائج الانتخابات 7 يونيو/حزيران بهدف منع الأكراد من أخذ توجهاتهم السياسية من حزب الشعوب الديمقراطي فقط، لم يستطع ديمرطاش مواجهة قنديل والتعاون مع أوجلان لتأكيد قيادته السياسية، ولكنه بدل ذلك مال إلى موقف جبال قنديل ضد أوجلان، بل استعدى الدول الأوروبية وأمريكا على أردوغان والحكومة التركية، فخسر بذلك دوره المرجو من نجاحه السياسي الذي ساهم فيه حزب العدالة والتنمية نفسه.

ولذلك فإن السؤال المطروح اليوم بكثافة عن وجهة الصوت الكردي بعد أن ثبت له أن حزب الشعوب الديمقراطي الذي منحه صوته، لم يعمل لخدمة الناخب الذي انتخبه، وإنما بقي حزب الشعوب الديمقراطي رهين المواقف المتشددة لحزب العمال الكردستاني، ليس عند عبدالله أوجلان السجين، وإنما عند قيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، بل ربما شارك صلاح الدين ديمرطاش قيادة قنديل في تنحية عبد الله أوجلان عن قيادة سفينة المصالحة الداخلية وعملية السلام في تركيا، لذلك فإن من المرجح أن الناخب الكردي سيراجع نفسه كثيراً قبل أن يدلي بصوته، وأنه إذا وجد رسالة إيجابية من حزب العدالة والتنمية فإنه سوف يصوت له، وأما الأمر المؤكد فهو أن الناخبين الأتراك الذين أعطوا صوتهم لحزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات السابقة لن يكرروا ذلك، حتى لو جاءت التوصية من قادة الأحزاب بطريقة سرية كما فعل أعضاء حزب الشعب الجمهوري الذين صوتوا لحزب الشعوب الديمقراطي، بأوامر سرية من كلجدار أوغلو، ولكنه أفشل أمنياتهم وخيب ظنونهم.

إن ما يقارب المليون كردي ممّن كانوا يصوتون للعدالة والتنمية، أدلوا بأصواتهم خلال الانتخابات الأخيرة للشعوب الديمقراطي، من الممكن أن يعودوا إلى تأييد حزب العدالة والتنمية بعد عودة تركيا إلى ما قبل عملية السلام من الأعمال الارهابية التي يتبناها حزب العمال الكردستاني، ولذلك نقول مرة أخرى إن العامل المؤثر الأكبر في أصوات الأكراد في الانتخابات القادمة، في قسم كبير منها، سوف تتأثر بسياسات حزب العدالة والتنمية في إعادة التقارب بينه وبين الأكراد، وتبني االقضايا الكردية كجزء من قضايا الحزب الداخلية، وليس التعامل معها كقضايا حزب آخر معارض لحزب العدالة والتنمية، على أساس أن صراع حزب العدالة والتنمية هو مع الأعمال الإرهابية التي يقوم بها العناصر الإرهابية بأوامر من جبال قنديل فقط، وليست مع الأحزاب السياسية الكردية التي تنشد السلام للشعب الكردي والتركي، ومن باب أولى أن حزب العدالة والتنمية هو حزب الأكراد وحزب الأتراك وحزب العلويين والأرمن والشركس وغيرهم من أبناء القوميات التركية جميعها، فحزب العدالة والتنمية ينبغي أن يكون وأن يبقى حزب الأتراك جميعاً، ومن أجل الأتراك جميعاً، وأن يبقى سعيه للفوز بالأغلبية في المجلس النيابي وتشكيل الحكومة من أجل مستقبل تركيا كلها.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس