جلال سلمي - خاص ترك برس

يقوم بعض المستشرقين بطرح عدة أسئلة مُبهمة حول الدولة العثمانية لأحداث تفرقة غير محمودة بين الأتراك وغيرهم من القوميات الإسلامية ومن هذه الأسئلة المُبهمة "هل الدولة العثمانية كان بالفعل دولة إسلامية؟ إذا كانت  كذلك لماذا لم يذهب الأمراء والملوك العثمانيون للحج؟".

هذا السؤال لا يُطرح فقط من قبل المستشرقين بل يمكن أن يقوم بعض المسلمين بطرحه من باب النية الحسنة التي تسعى لمعرفة جواب هذا السؤال الذي يُحير الكثير من المسلمين، وكفريق ترك برس وفي إطار بحثنا عن جواب سؤال شافي لهذا السؤال توصلنا للدارسة الأكاديمية التاريخية الخاصة بالمؤرخ والبروفسور التركي محمد مقصود أوغلو والذي قام بنشر دراسته على الموقع التاريخي "بياز تاريخ" (التاريخ الأبيض) الخاص بالمؤرخين الأتراك[1].

ويوجز مقصود أوغلو في دراسته الجواب الخاص  بهذا السؤال من خلال تجميع لعدد من أراء علماء الدين والمؤرخين فيما يخص هذا الأمر، ويبدأ مقصود أوغلو طرحه بالقول؛ نعم؛ الحج هو ركن من الأركان الخمسة للدين الإسلامي، فبعد الشهادتين وإقامة الصلاة وصوم رمضان ودفع الزكاة وحج البيت لم استطاع إليه سبيلا، وفي حين أن الصلاة والصوم عبادات بدنية إلا أن الزكاة عبادة مالية، والحج عبادة مهمة تجمع بين البدن والمال، وأصبح لقب "حاج" لا يُفتخر به من قبل المسلمين فقط بل أن الأتراك والأجانب الذين يدخلون الإسلام فيما بعد يفتخرون جدًا بهذا اللقب.

ويطرح الدين الإسلامي بعض الشروط لمن يرغب بإقامة فريضة الحاج مثل؛ أن يكون الذاهب للحج بصحة جيدة، أن يكون الذاهب للحج حائز على تكاليف الحج ومصاريف أهله في فترة غيابه، أن تكون الطريق الذي يريد أن يسلكها الحاج آمنة، أما من ناحية الحالة الصحية وتكاليف الحج فلا يوجد أي مشكلة بخصوص هذين الأمرين من ناحية الأمراء العثمانيين، ولكن خلال فترة حكم العثمانيين كانت فريضة الحاج تستحوذ على زمن طويل من اجل الوصول إلى الأراضي المُقدسة وكانت الطرق غير آمنة مثل اليوم وبالرجوع إلى هذين السببين فإن إمكانية ذهاب الأمراء إلى الحاج كانت صعبة جدًا وكان يمكن أن يخلف ذهاب الأمراء العثمانيين إلى الحاج حالة عدم استقرار سياسي واجتماعي واقتصادي.

ويمكن طرح مثال واقعي وحديث عن حالة عدم الاستقرار التي يمكن أن تحدث في حالة غياب الملك أو الأمير عن مملكته؛ المثال هو انقلاب مُعمر القذافي على الملك السنوسي أثناء زيارته لتركيا عام 1969 وكان يمكن أن يحدث العديد من الانقلابات في حين غاب الأمراء العثمانيين عن مُلكهم وعاصمتهم "إسطنبول".

كما أن طريق الحاج إلى عام 1517 كانت تحت رعاية الدولة المملوكية وبعد قضاء السلطان العثماني سليم الأول على الدولة المملوكية في معركة مرج دابق بدأ الخطر البرتغالي والإسباني المُحدق يحيط ببلاد الجزيرة العربية وبدأت الحروب الشعواء بالاشتعال بين الغازي البرتغالي، الإسباني والجيش العثماني والجيوش الإسلامية المحلية وكان يصعب على السلاطين العثمانيين الذهاب للحاج في ظل السيطرة المملوكية أو في ظل الحروب الضروسة التي كانت تُخاض ضد الغازي البرتغالي والإسباني.

وبالفعل كانت الدولتان البرتغالية والإسبانية القوى المهيمنة عالميا ً في ذلك الحد وكانتا تنتظران أي فرصة لخروج الأمراء العثمانيون من إسطنبول أو ذهابهم لأي منطقة أخرى للانقضاض على إسطنبول وضمها لدولتهم أو الانقضاض على الأمراء العثمانيون وقتلهم في الطريق وبالتالي تسهيل عملية ضم إسطنبول بعد ذلك لعدم وجود رأس سلطة حاكم.

وتذكر المواثيق التاريخية بأن البرتغاليون قاموا عام 1517، أي في نفس العام الذي  ضم فيه يووز سليم الشام ومصر للحكم العثماني، بدخول البحر الأحمر ومن ثم هاجموا مدينة جدة وكانوا يهدفون إلى احتلال مكة وتقايضها بالقدس مع الدولة العثمانية، ولكن القائد الفذ لمكة الأمير نوماي دافع بكل شجاعة وعزيمة عن مكة واستطاع دحر المحتل البرتغالي وأفسد خططه الشيطانية.

ولم يغفل الأمراء العثمانيون عن فريضة الحج بشكل كامل بل قاموا بإرسال بديل أو وكيل لهم عن طريق التكفل بكافة تكاليف ذهابه واقامته في البلاد المقدسة، واستند الأمراء العثمانيون في هذه الطريق إلى العديد من الفتاوي الشرعية التي صدرت في ذلك العهد وبينت بأن يمكن لهم إرسال وكيل لتخفيف الضرارين وللحفاظ على الديار الإسلامية وأمنها واستقرارها.

المراجع:

[1] http://www.beyaztarih.com/makale/osmanli-padisahlarinin-hacc-meselesi

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!