إحسان الفقيه - خاص ترك برس

(واعلم أن تقديم الأصلح فالصالح مركوز في طبائع العباد، فلو خيَّرت الصبيَّ الصغير بين اللذيذ والألذ لأختار الألذ، ولو خُيِّر بين الحسن والأحسن لأختار الأحسن، لا يقدم الصالح على الأصلح إلا جاهل بفضل الأصلح، أو شقيّ متجاهل لا ينظر إلى ما بين المسرّتين من تفاوت).

عبارات نورانية خرجت على لسان الإمام العز بن عبد السلام، يؤكد خلالها على فقه الأولويات وتحقيق المصالح العليا، ثم يشير إلى مراعاة المصالح والمفاسد فيقول: (إذا تعارضت المصلحتان وتعذّر جمعهما فإن علم رجحان إحداهما قُدّمت).

ومن هنا نبدأ....

لا ريب أن كل تركي لا تفارق مخيلته أحداثُ 13 سنة مضت منذ تولي حزب العدالة والتنمية إدارة الدولة، ويرى ذلك الدوران المنتظم للعجلة التركية قبل أن توضع فيها العصا بعد الانتخابات الأخيرة، التي عرقلت نتائجها، فلا الحزب الحاكم تمكن من استئناف مسيرته بعد حصوله على نسبة لا تؤهله لتشكيل الحكومة منفردا، ولا الأحزاب تمكنت من تشكيل حكومة ائتلافية، وبقي الوضع رهن الانتخابات المبكرة المزمع عقدها بداية تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

قبل ذلك كان حزب العدالة والتنمية رغم كل أزمات تركيا الداخلية التي افتعلها الكيان الموازي أو حزب العمال الكردستاني، أو قوى المعارضة، كانت حكومة العدالة والتنمية، تقود السفينة ببراعة، فانتقلت تركيا من مرحلة إلى أخرى أكثر رُقيا، بل واحتلت مع مرور الوقت أهمية أرفع في الإقليم أو المجتمع الدولي عموما.

وتدخلت أيادٍ خارجية للعبث بالشأن التركي وخفض شعبية العدالة والتنمية، وزاد من فاعلية هذا التوجّه حصول حزب الشعوب على أصوات الأكراد برضا بعضهم تارة، وبسطوة حزب العمال الكردستاني وتهديداته لمن يتخلّف عن دعم حزب الشعوب تارة أخرى.

وبالرغم من فوزه بالمركز الأول لم يتمكن العدالة والتنمية من الحصول على نسبة تُمكّنه من تشكيل الحكومة بمفرده، وأخفقت محاولاته للتوافق مع الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومة ائتلافية تُخرج تركيا من ذلك النفق المظلم.

فتوقفت الحياة السياسية في تركيا تزامنا مع تعرض البلاد للعديد من الهجمات الإرهابية التي بدلا من أن تتوحد لها الصفوف، صارت تُستغل للتشهير بالحكومة وإبراز عجزها.

ودِدتُ لو وصل صوتي إلى كل تركي شريف، لأسأله وأتساءل معه، ونفكر سويا بصوت عالٍ:

برأيك كيف يخرج وطنك الذي تُحب من هذه الأزمة؟

الانتخابات المبكرة صارت هي الآلية الوحيدة لاستئناف المسيرة، فأين سيذهب صوتك أيها الشريف؟

* إن فوز العدالة والتنمية هو أمر محسوم، فشعبيته قد ارتفعت وفق استطلاعات الرأي على حساب حزب الشعوب الذي وقف موقفا سلبيا من العمليات الإرهابية التي نفذها العمال الكردستاني، ومعظم أصواته ستتوزع على العدالة والتنمية وحزب الشعب الديموقراطي.

 

فإن فاز العدالة والتنمية بالنسبة التي تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده فقد حسم الأمر، لكن ماذا لو فاز بنسبة أقل؟

 

* سنعود إلى المربع الأول والحالة الراهنة والتعثّر القائم، وستكون المحاولات الفاشلة من جديد لتشكيل حكومة ائتلافية، ونظل ندور في تلك الحلقة المفرغة.

أسألك أنت أيها الشريف، يا من ستمنح صوتك لغير الحزب الذي بات فوزه محسوما..

أيهما أحب إليك؟ حزبك والكيان الذي تحب، أم تركيا الأم؟

أيهما أولى لك؟ أن تصوت لحزبك وأنت تعرف النتيجة مسبقا، وتعلم أن مسيرة وطنك سوف تتعثر من جديد؟ أم تقدم المصالح العليا للوطن وتدعم الحزب المؤكَّد فوزه بغية استئناف المسيرة؟

* أيها التركي الشريف وطنك مستهدف من الداخل والخارج، المخابرات السورية والإيرانية تسعى لخلخلة الأمن الداخلي التركي..

وروسيا تدخلت عسكريا في سوريا لتوقف إنجازات السياسة الخارجية التركية التي ستجعلها اللاعب الأبرز في القضية السورية، حيث تعمل على إجهاض سعي تركيا لإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري، وهو ما ينعكس على الأمن القومي التركي.

* الانتخابات المبكرة واضحة المعالم، والخيارات فيها محدودة للغاية، ولا أجد لمواطن يقدم مصالح الوطن العليا سوى أن يمنح صوته لحزب العدالة والتنمية.

وأعلم أن هذا الكلام قد يثير سخرية السياسيين والحزبيين، لكنني أتوجه بحديثي البسيط الشعبي إلى المواطن التركي الذي يدرك حجم المعاناة حال تراجع العامل الاقتصادي أو الأمني، فهو أول من سيصطدم مباشرة بآثار التدهور وعدم الاستقرار (لا قدّر الله).

* الشعب التركي العظيم الذي سطر ملحمة عظيمة عبر التاريخ في الدفاع عن وطنه وأمته، حري به أن يُعلي مصلحة الجمهورية التركية على المصالح الحزبية الضيقة، وعلى الخلافات مع الحزب الحاكم الذي يقود المسيرة.

 

* دافعوا أيها الأتراك عن وطنكم المُستهدف، واستلهموا نضال أجدادكم وآبائكم.

تذكروا معي وأنا العربية القادمة من بلاد تجاور الحرمين ولا تعترف بسايكس بيكو وتُحبّ الجميع وتنتمي للجميع وتعشقُ رموز أُمّتها بل ودافعت عنهم وستُدافع  من قلبها، لا من أجل مصلحة ولا بُغية مكسب طالما قدّر الله لها أن تحيا وتقرأ لتكتب..

* تذكّروا أبطال معركة جناق قلعة، تذكروا فيها بطولات "سيد علي" كان مسؤولا عن المدفعية في "روملي"، تكسرت الرافعة التي تحمل القذائف من قِبل أسطول التحالف، فما كان منه إلا أن حمل على ظهره قذيفة وزنها 215 كيلو غراما، ووضعها في فوهة المدفع ليُغرق بها سفينة فرنسية تعبر المضيق إلى اسطنبول، وبعد المعركة طُلب من سيد حمل القذيفة التي يتجاوز وزنها الـ200 كيلو غراما من أجل تصويره فلم يستطع حملها، فصُنعت من أجل الصورة قذيفة خشبية. وقال علي سيد: "لو حصلت معركة أخرى لحملتها."

* تذكروا بطولات "نينه خاتون" البطلة الشعبية ابنة حي العزيزية بأرضروم، والذي استولى عليه الروس في الحرب الروسية التركية 1877، وقُتل شقيقها في صد الهجوم، فتركت منزلها وودّعت ابنتها الصغيرة ذات الأشهر الثلاثة، وحملت بندقية شقيقها وفأسا صغيرا، لتشارك الأهالي في قتال شرس ضد الروس بالأيدي والفؤوس والسكاكين بعد أن سقط المئات بالرصاص.

وبعد المعركة التي فرّ منها الروس، وجدوا (نينه خاتون) مصابة فاقدة الوعي مخضبة يداها بالدماء، ولا تزال تقبض على فأسها بشدة، لتعيش بعدها طويلا وتشهد مقتل زوجها وابنها يوسف في معركة جاليبولي.

 

هم أناس قدموا وغيرهم من أجل وطنهم، فأين موقعك أيها التركيّ الشريف؟ المعركة مستمرة بشكل أو بآخر، فمن لتركيا إن لم تكونوا أنتم؟

* هي الآن ملحمة انتخابية، بصوت الأتراك الشرفاء الذين يقدمون مصلحة وطنهم، يمنحونها من يكمل المسيرة ويجنب البلاد ويلات الركود والتعثّر.

هي أصوات الشرفاء.. وتعرف طريقها......

عن الكاتب

احسان الفقيه

كاتبة أردنية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس