جلال سلمي - خاص ترك برس

تعود بدايات الدعاية السوداء الروسية إلى عام 1941، حين نكث الألمان باتفاقية الصداقة المشتركة بينهم وبين روسيا، وغداة نكث الألمان لهذه الاتفاقية، بدأت جرائد الاتحاد السوفييتي، وخاصة جريدتي برافدا "الحقيقة" وكرازناي زفزداء "النجمة الحمراء"، بحياكة صور الدعاية السوداء ضد الجيش الألماني، وتُعد ماكينة الدعاية السوداء الروسية من أقدم المكائن في العالم.

واليوم وبعد نشوب أزمة بين تركيا وروسيا، نجمت عن إسقاط تركيا للطائرة الروسية المُنتهكة لسيادة أجوائها، أعادت وسائل الإعلام الروسية، بكافة أنواعها المقروءة والمسموعة والمرئية، الدعاية السوداء إلى رأس عملها لتستهدف بها تركيا وقيادتها وشعبها، وهذا ما تطرق إليه رئيس الوزراء التركي "أحمد داود أوغلو" في تصريح صحفي من العاصمة الأذربيجانية باكو بالأمس 3 كانون الأول/ ديسمبر 2015.

وأشار داود أوغلو خلال تصريحه إلى أن "وسائل الإعلام الروسية عادت من جديد لتنشيط الدعاية السوداء التي تستهدف الدول المخالفة لسياستها وبرنامجها، واليوم الدولة المُحتلة للدرجة الأولى على جدول هذا الاستهداف هي تركيا".

وأوضح داود أوغلو أن "لا أحد حول العالم يهتم بهذه الدعايات السوداء "الكاذبة" التي لا مكان لها من الصحة، وذلك لأن الجميع يعلم حقا ً بأنها دعايات سوداء لا مكان لها من الصحة".

ووصف رئيس الوزراء هذه الدعايات بـ"المُعيبة" التي لا تليق بدولتين تجمعهما علاقات سياسية واقتصادية تاريخية نوعية.

وذكر داود أوغلو أن مبالغة روسيا في حجم الدعايات السوداء المُستهدفة لتركيا على أنها دولة داعمة للإرهاب لن تعود على روسيا بأي نفع، لأن لا أحد في العالم يستطيع رسم صورة سوداء لتركيا التي يعلم الجميع مدى احترامها للمبادئ والأعراف والمواثيق والقيم الدولية.

ومن جانبه، أكد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" أن "جميع هذه الدعايات التي تقوم بها برافدا وكرزناي زفرداء وغيرهما من الصحف الحديثة التي انضمت إلى صفهما، لن تهز صورة تركيا إطلاقًا، لأن صورة تركيا لامعة وواضحة للجميع، ولكن على الأخرين الذين يديرون أعمالهم غير الأخلاقية في الخفاء أن يكونوا واضحين".

وأردف أردوغان معقبًا على القضية في تصريحاته الصحفية من قطر "نحن واضحون، وإلى الآن أناشد من يتهمنا بالتعاون مع داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية وأقول له: أثبت ذلك وسأستقيل من منصبي على الفور".

وفي سياق متصل، يرى الخبير الاستراتيجي "علي نهاد أوزجان"، الكاتب السياسي في صحيفة ملييت، في مقاله "بروباغندا"، أن: "لا أحد الآن يستطيع إنكار حجم التوتر الشديد الذي أصاب العلاقة التركية الروسية، عقب إسقاط الطائرة الروسية من قِبل قوات الدفاع الجوي التركية، وفيما تحاول تركيا تهدئة هذا التوتر وتخطيه، تنقل روسيا أبعاد التوتر إلى مجالات أخرى".

ويستطرد أوزجان بالقول "بينما تقوم روسيا بتضييق الخناق على البضائع التركية الواردة من تركيا إلى روسيا، تقوم أيضًا بتضييق الخناق على رجال الأعمال والطلاب وأصحاب المصالح الأتراك القادمين إليها، ومن آخر الحملات التي قامت بها روسيا من أجل تأجيج حجم التوت; توظيف الدعاية السوداء التي بدأت إبان الحرب العالمية الثانية، في صحفها لاستهداف تركيا وشعبها إعلاميًا، وبالتالي تأجيج الشعب الروسي والعالم على تركيا".

ويوضح أوزجان أن "الدعاية السياسية التي أطلقتها روسيا، بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية المُخترقة للأجواءها بسويعات، لها قطبين؛ قطب إيجابي يصور روسيا على أنها دولة أخلاقية تسعى لتنظيف العالم من البؤر الإرهابية، وقطب سلبي يصور تركيا على أنها الداعم الأكبر لداعش في المنطقة، والهدف من هذا القطب واضح وضوح الشمس، وهو تشويه الصورة التركية أمام العالم وبالتالي عزلها دبلوماسيًا وعسكريًا، وأيضًا المساهمة في قلب الشعب الروسي وحتى بعض فئات الشعب التركي على الحكومة التركية وقيادتها".

ومن جانبه، يشير الكاتب السياسي "برهان الدين دوران"، في مقاله بجريدة صباح "برافدا عادت إلى رأس عملها من جديد"، إلى أن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رجل استخبارات ويعلم الوسائل التي يمكن من خلالها، تأجيج الشعوب على حكومة أو جهة ما، ولكنه يجهل بأن الدولة التي يحاول استهدافها بهذه الأساليب هي تركيا التي أثبتت للعالم وفي أكثر من موقف بأنها أحد أكثر الدول المُعتبرة للمواثيق الدولية، لذا فإن جميع حملاته الإعلامية السوداء ستبوء بالفشل".

ويتابع دوران مبينًا أن "العالم أجمع اليوم يقف في كفة وروسيا لوحدها تقف في كفة، فكيف يمكن للعالم الذي رأى ما رأى من "الخداع" الروسي أن يصدق الترهات الروسية وينجر خلفها؟، هذا غير ممكن بطبيعة الحال، كان يمكن لبوتين حل الأزمة دبلوماسيًا، ولكن أبت شخصيته العسكرية "المُندفعة بالعواطف والمثاليات" ذلك، وهذا ما سيجعله يضيف خسارة إلى خسارته".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!