
ترك برس
طرأت حيوية وفعالية غير مألوفة في مباحثات الطاقة بين تركيا والدول المُصدرة للغاز الطبيعي، وذلك عقب إسقاط تركيا للطائرة الروسية المُخترقة لأجوائها، وظهور توقعات تشير إلى إمكانية قيام روسيا بقطع الغاز الطبيعي عن تركيا التي تستورد ما نسبته 55% منه من روسيا.
ويشير الباحث السياسي "صادق أوناي"، المحلل السياسي والاقتصادي، في مقاله "الأزمة الروسية والمباحثات التركية للطاقة"، إلى أنه "على الرغم من التحذيرات المتكررة للطائرة الروسية المُخترقة للأجواء التركية، إلا أن الطيار الروسي لم يكترث لها، واستمر في اختراق الأجواء التركي لأكثر من 17 ثانية، إسقاط الطائرة هي الواقعة التي أحدثت أزمة بين روسيا وتركيا، ومع مرور الوقت،يبدو أن الأزمة في طريقها إلى الأعمق".
ويؤكد أوناي أنه "كان يجدر على تركيا تنويع شركائها التجاريين والاقتصاديين قبل الأزمة التي نشبت بينها وبين روسيا عقب إسقاط الطائرة الروسية، وذلك لأن تركيا كانت ترى من روسيا شريك اقتصادي استراتيجي، ولكن بعد الأزمة، اتضح أن روسيا ليس الدولة التي يعول عليها في مجال التعاون الاستراتيجي، إذ قامت بالابتعاد عن العقلانية واتجهت نحو "الغطرسة" و"العربدة" الاقتصادية المباشرة والعسكرية الغير مباشرة من خلال استهداف المدنيين العزل في جبل التركمان".
ويضيف أوناي "بعد ما أظهرته روسيا من سلوكيات "غير عقلانية" أصبحت دولة غير جديرة بالثقة والشراكة بالنسبة لتركيا، رأينا الكثير من هذه الأحداث العارضة التي حدثت بين عدة دول حول العالم، ولكن لم نرى رد "غير عقلاني" بهذا الحد من أي دولة حول العالم".
ويرى أوناي أن "تركيا رأت أن بوتين الذي يحب دومًا أن يُظهر نفسه أمام شعبه على أنه البطل الفريد، يمكن أن يتمادي في غطرسته ولاعقلانيته ويفرض عقوبات على تركيا تشمل قطع الغاز الطبيعي بشكل كامل، لذا تحسبًا لهذا الاحتمال اتجهت تركيا لإتخاذ خطوات استباقية لتجنب أي أزمة يمكن أن تنتج عن انقطاع الغاز الروسي".
ومن جانبه، أوضح الخبير في مجال "أمن الطاقة" محيي الدين ضياء غوزلار، في مقاله "بوتين روسيا"، أن "روسيا غير قادرة في ظل الأزمات الاقتصادية القاسية التي تُعاني منها من قطع الغاز الطبيعي عن تركيا، ولكن هذا التوقع يمكن أن يصبح ركيك أمام شخصية بوتين "الاندفاعية"، ويصبح توقع قطع روسيا للغاز الطبيعي عن تركيا أمر ممكن حدوثه في كل لحظة".
ويردف غوزلار حديثه بالقول "التغيير الجيو سياسي الذي انتهجته تركيا لتوفير مصادر طاقة أكثر ثقةً وأمنًا من أكثر القرارات الصائبة التي اتخذتها تركيا منذ تأسيسها وحتى الآن، وذلك لأن أمن الطاقة يفرض على الدول غير المُنتجة لها تنويع مصدرها لضمان تدفقها، والتغيير الجيو سياسي الجديد الذي يستهدف التعاون مع عدة دول صديقة لتركيا على رأسها قطر وأذربيجان وإقليم شمال العراق والجزائر ونيجيريا وتركمانستان وغيرهما، يُعتبر خطوة جيدة، ولكن يجب أن يشمل أكبر عدد ممكن من الدول المُصدرة للغاز الطبيعي".
ويتابع غوزلار مبينًا أن "الوتر الجيوسياسي الذي تعزف عليه جميع الدول في وقتنا الحالي، ليس الموقع الجغرافي الاستراتيجي، بل مصادر الطاقة وتوفيرها، لا سيما بعد ازدياد حاجة الدول وخاصة الصناعية منها إلى كميات ضخمة من الغاز الطبيعي الذي يُستخدم بشكل أساسي في توفير الطاقة للقطاع الصناعي، وتركيا دولة ذات طقس قارص البرد وذات تقدم صناعي ملموس، لذلك هي بحاجة إلى كميات ضخمة من الغاز الطبيعي لسد احتياجاتها من الطاقة".
ويقول غوزلار إن "تركيا دولة ليست غنية بمصادر الغاز الطبيعي، لذا فإنها بحاجة إلى استيراد كميات ضخمة منه، وفي هذا الإطار يجب على تركيا تنويع وتعديد مصادرها من الغاز الطبيعي حتى لا تُصبح عُرضة للتبعية الاقتصادية لأي دولة من دول العالم، لأن الدول ذات التبعية الاقتصادية، عادة ما يتعرضون لضغوط سياسية من الدول المُصدرة لهم الغاز الطبيعي، وهذا ما يجعلهم تحت إطار تهديد جيوسياسي قاسي، لذا فإن أفضل حل لعدم التعرض لهذه الضغوط أو لهذا التهديد هو تنويع مصادر استيراد الغاز".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!