
ترك برس
استيقظ الشعب التركي صبيحة 12 أيلول/ سبتمبر 1980 على غير عادته، حيث خرج الأطفال إلى مدارسهم والعاملون والموظفون إلى أعمالهم ولكنهم تفاجئوا بوجود حظر تجول ينوه إلى وجود انقلاب عسكري أعلن حالة الطوارئ الشديدة.
في بادئ الأمر استبشر المواطنون في تركيا خيرًا بهذا الانقلاب، إذ اعتقدوا بأنه تدخل عسكري للجيش بهدف القضاء على حالة الفوضى التي كانت عارمة ومنتشرة ما بين 1971 و1980 بين اليمينيين واليساريين في تركيا، واعتقدوا بأن هذا الانقلاب سينهي على الفوضى من خلال اعتقال مفتعلي الفوضى فقط دون اعتقالات تعسفية أو أحكام قضائية قاسية تصل بعضها إلى الإعدام، ولكن لم يُعهد على التدخل العسكري الطيبة والحكمة، بل تبع جميع الانقلابات العسكرية حول العالم العديد من عمليات الاعتقالات التعسفية والأحكام القضائية الحديدية القاسية.
لم يمضي الكثير على الانقلاب العسكري القاسي، حتى تيقن المواطنون في تركيا أنهم أمام انقلاب عسكري بمثابة الكابوس المُزعج الذي سيقض مضاجعهم إلى سنوات طويلة، إذ علق قائد الانقلاب العسكري "كنعان إيفرين" العمل بالدستور وأعلن نيته عن إعداد دستور جديد، وتبين فيما بعد أن إيفرين يُخطط لجعل تركيا دولة تُدار من قبل الجيش بشكل تام، إذ تم توسيع رقعة الصلاحيات للمجلس العسكري الأعلى الذي أصبحت مهامه تشمل مراقبة أعمال الحكومات المُنتخبة ونقد وإلغاء قرارتها المُعارضة لقواعد "الكمالية" العلمانية التي أسست على دعائمها تركيا، أو التدخل العسكري المباشر في قلب الحكومات التي يُرى فيها خطر شديد على نظام الحكم العلماني في تركيا، وهذا ما حدث عام 1998 إذ انقلب الجيش، في ذلك العام، على حكومة حزب الرفاه المحافظ بقيادة "نجم الدين أربكان" لاتهامها بالانقلاب على الأسس العلمانية لتركيا.
وبالرجوع إلى النتائج المتعلقة بالانقلاب العسكري والتي يبينها الكاتب السياسي "أران أوز ترك"، الكاتب السياسي في صحيفة ملييت، في مقاله "نتائج انقلاب 1982"، يتضح بالفعل بأن هذا الانقلاب العسكري وما خلفه من عواقب وخيمة على الشعب التركي وجوانب حياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية والديمقراطية، أصبح بمثابة الكابوس الجِلف الذي ما زال يقض مضاجعهم إلى اليوم.
ويوضح أوزترك أن نتائج انقلاب 1982 العامة كانت بالشكل التالي:
ـ استبعاد مليون و 683 ألف شخص عن عملهم في الدولة.
ـ محاكمة 230 ألف شخص بمحاكمات تعسفية مابين إعدام ومؤبد، تم إعدام 517 شخص بعد هذه المحاكمات التعسفية.
ـ قُتل 300 شخص في ظروف غامضة.
ـ تم استخراج 14 ألف شخص من الجنسية التركية.
ـ انتقل 30 ألف شخص إلى الخارج بصفة "لاجئ سياسي".
ـ تم إغلاق 23 ألف و677 مؤسسة اجتماعية.
ـ تم فصل 3 آلاف و845 أكاديمي من عملهم.
ـ تم اعتقال 300 صحفي وحكم عليهم بالمؤبد.
ـ تم إغلاق كافة الجرائد لمدة 300 يوم.
ـ تم إعداد دستور عام 1982 وعُرض للاستفتاء الشعبي بتاريخ 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 1982، وكانت نتيجة الاستفتاء 91,37% نعم، 8,63% لا.
ويشير أوزترك إلى أن "هذه ثلة من النتائج الموجزة لهذا الانقلاب الدموي الذي طال بضيمه كافة فئات المجتمع التركي بلا استثناء، وهذا ما جعل كافة الشعب التركي ينقم على هذا الانقلاب والدستور المُعطل لمبدأ الديمقراطية والحكم الجمهوري، واليوم أكبر ما تعاني تركيا منه هو دستور 1982 الذي أصبح هناك حاجة مُلحة لتغييره، لإرساء دعائم ديمقراطية مدنية تواكب حجم التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي وصلت إليه تركيا في الآونة الأخيرة".
ومن الجدير بالذكر أن مبدأ تغيير الدستور العسكري ساري المفعول إلى الأن، أحد المبادئ الهامة الذي احتل رأس أولويات البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية قبيل انتخابات 1 نوفمبر 2015.
وكان قد أشار زعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء التركي "أحمد داود أوغلو" إلى أن "حكومته ستعمل على قدم وساق من أجل التوصل إلى التوافق مع أحد الأحزاب السياسية البرلمانية لتغيير الدستور العسكري الذي أصبح لا يتوافق مع تركيا التي أصبحت تنعم بمستوى مرموق من المبادئ الديمقراطية والمدنية".
وتنص المادة 175 من الدستور التركي على أن البرلمان التركي يستطيع تغيير الدستور ب 367 صوت، إذا وافق 367 نائب على تغيير الدستور يُعرض الدستور الجديد على رئيس الجمهورية وفي حين وافق الأخير يُعرض الدستور على الشعب، واليوم حزب العدالة والتنمية يملك 317، يُستثنى منها صوت رئيس البرلمان التابع لحزب العدالة والتنمية، لذا يتبقى لدى حزب العدالة والتنمية 316 صوت، وهذا ما يعني أن حزب العدالة والتنمية بحاجة إلى التوافق مع الأحزاب السياسية للتوصل إلى تغيير الدستور، وهذا ما أكد عليه داود أوغلو في أكثر من تصريح صحفي متعلق بذات الشأن، إذ أكد داود أوغلو أن "حزب العدالة والتنمية يسعى إلى تغيير الدستور بالتوافق مع جميع الأحزاب وليس حزب واحد فقط".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!