‏وفاء زيدان - خاص ترك برس

‏تتجلى لعبة الشطرنج بحذافيرها في ساحة العلاقات الخليجية الباكستانية، فعلى ضفاف نهر العرب أحجار كثيرة تستخدمها الدول الصديقة والعدوة لكن الفرق أن لا أدوار هنا بين اللاعبين فالوقت ضيق ولك ان تأخذ الخطوات التي تريد، والرابح هو من سيستطيع تحريك الحجر الصحيح بالوقت والمكان الصحيحين.

‏كان تفاقم الأحداث بين السعودية وإيران أشبه بكرة الثلج المتدحرجة على أرض منحدرة لا تزال تكبر وتكبر حتى وصلت أبواب باكستان الدولة التي تنظر دائما إلى التوتر بين إيران والسعودية بعين القلق والتوجس كيف لا واللوبي الإيراني متوغل في البلاد رغم أن نسبة الشيعة لا تتعدى الـ 10%  من سكانها، لكن ولاءهم لإيران ونفوذهم واضح في الإعلام والتعليم بينما تحمل باكستان إرث صداقة تاريخية مع السعودية تجعلها بين نارين بمعنى الكلمة، أولها نار الصداقة مع السعودية وثانيها نار الجوار مع إيران.

‏تلك النار شاهدنا لظاها في رد فعل الحكومة المتخبط تارة والحيادي تارة أخرى تجاه عاصفة الحزم ثم المشاركة المشروطة في التحالف الإسلامي بقيادة السعودية، فباكستان لا تستطيع اليوم أن تتخذ قرارا أو خطوة صغيرة قد تترجم على أنها معادية لايران فالـ900 كم التي تشاطرها معها في حدودها تجعل باكستان تحسب لها ألف مرة قبل أن تطأ قدمها البلاد العربية.

أما الإعلام جديده وقديمه في باكستان كان مرآة لذلك اللظى، حيث سارع محللون ومذيعون لإعطاء آرائهم حول ما دار بين الدولتين فتصاعدت حدة الكلام ما دفع هيئة التحكم في الإعلام في البلاد (بيمرا) أن تنشر بيانا على وجه السرعة تؤكد فيه على قواعد الحيادية وعدم استخدام ألفاظًا تجرح مشاعر الطوائف المتعددة. كل ذلك يلخص واقعًا واحدًا، أن الحرب الطائفية التي شنتها إيران على البلاد العربية وصل صداها وتظهر تجلياتها فورا في باكستان.

‏‏لكن النفوذ الخليجي وبالأخص السعودي اليوم لا زال حبيس دائرة مفرغة لا تتعدى علاقات تاريخية مع الجيش وشخصيات مهمة بالحكومة مثل نواز شريف، بينما ظلت بعيدة عن هموم الشعب والبرلمان والاقتصاد ومراكز الأبحاث والدراسات والجامعات والنخب، ولا تزال بانتظارها أحجارًا ذهبية على لوحة شطرنج العلاقة مع باكستان تستطيع هي وحدها ان تحركها لمصلحتها.

‏وقبل أن أعرّج على تلك الأحجار الذهبية علينا أن نلقي  نظرة على عجل على ما تقوم به إيران بالمقابل في ظل السبات الشتوي للحضور السعودي في باكستان.

استثمرت إيران بالتعليم ففتحت أبواب جامعاتها للطلبة الباكستانيين وأرسلت بدورها طلبة إيرانيين للدراسة بباكستان كما أن هناك الكثير من الأساتذة في الجامعات ممن تخرج من إيران ويحمل أفكارها، ما أدى إلى تنشئة جيل أقرب إلى إيران منه إلى العرب. أما الإعلام فيكفيك أن تشاهد محطات تلفزيونية باكستانية حتى يخيل إليك أن إيران هي من تدير الخطاب الإعلامي في البلاد فنفوذ الإعلاميين الشيعة متزايد فيه. أما مواقع التواصل الاجتماعي فكثيرا ما تعج بخطاب معادي للعرب وأقرب لإيران خصوصا في مواضيع تخص العلاقة بينهما. أما من جهة الأحزاب السياسية فإيران ركزت منذ البداية على حزب الشعب الباكستاني الحاكم في إقليم السند واليوم تخترق حزب الإنصاف بقيادة عمران خان حاكم إقليم بختونخوا. وأخيرا الاستثمار الاقتصادي فلم يسبق لإيران أن أعطت فلسًا للحكومة دون إظهار سبب واضح لذلك فهي إما تقدمه لها لبناء مشروع مثل مشروع خط الغاز بين باكستان وإيران أو تستثمره بنفسها، وآخر استثماراتها كان في إقليم السند ببناء 5 مستشفيات إيرانية يكفيك أن تنظر إليها لتشعرك بحجم استثمار إيران في البلاد.

‏ولست هنا بصدد رسم ما يدور في باكستان على أنه صراع طائفي بين شيعة وسنة، بل أقوم بوزن ثقل كل قوة على حدة حتى نستطيع أن نستخلص مفهوها عقلانيا بعيدا عن التحيزات والآراء المسبقة لدينا.

‏ننتقل الآن إلى السعودية والتي منذ تأسيس علاقتها بباكستان ظلت تعنى باتفاقات عسكرية ودعم مادي يُسلم فورًا للحكومة ولا يرى نوره الشعب. لكن الوقت قد حان لتقلب الحسابات ويعاد تخطيط العلاقة بشكل أكثر دقة وشمولية لبناء علاقات قوية وأمدية مع باكستان.

‏الحجر الذهبي الأول هو الاستثمار بالتعليم فعلى السعودية أن تبدأ مشروع التبادل الثقافي مع باكستان حتى تتيح الفرصة للشعبين أن يطلعوا على وجهة نظر بعضهما بعضا وآرائهما بدلا من أن تترجمه لهم إيران حسب لغتها.

‏أما الحجر الثاني فهو الإعلام، فعلى السعودية دعم مذيعين معروفين بقربهم لها وتعزيز التواصل معهم حتى تثري معلوماتهم ومفهومهم للوضع بالمنطقة أما فيما يتعلق بالاعلام الجديد فكلنا يعلم كم ينشط السعوديون في هذا المجال وهم باستطاعتهم أن يبدؤوا حملات كالتي أنشؤوها بعد إعدام النمر لتحسين صورة السعودية في العالم.

‏أما على الأرض فالسعودية تستطيع الاستثمار في بلوشستان، الإقليم الفقير والذي يشهد احتقانا ضد الحكومة لتجاهلها إياه واستغلالها ثروته دون أن ينالهم منها شيئا. البلوش هم ذو أصل عربي وأقرب للعرب في التفكير والهوى فإن استطاعت السعودية أن تقابل التعاون الباكستاني بالاستثمار في بلوشستان مباشرة دون تسليم مبلغ للحكومة فورا ستستطيع السعودية أن تقرب منها هذا الإقليم المجاور مباشرة لإيران وبذلك تستطيع السعودية اللعب في الحديقة الخلفية لإيران ومن خاصرتها التي تؤلمها، وبنفس الوقت سيرى أخيرًا الباكستانيون الاستثمارات السعودية في بلادهم وهذا له دور أساسي في تحسين صورتها بالبلاد. إذًا فالقوة الخشنة التي تتجلى بعلاقات السعودية مع الجيش والحكومة بباكستان لا تكفي لكسب صديق حقيقي بل أن القوة الناعمة هي الأساس في بناء صداقة حقيقية مع الحكومة والشعب وعلى السعودية أن تسارع في تدارك خطئها فإيران لا تضيع وقتًا وسبات السعودية في باكستان طال.

عن الكاتب

‏وفاء زيدان

‏باحثة في معهد الدراسات السياسية الباكستانية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس