إبراهيم كاراغول – صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

يجري في هذه الأثناء جر المنطقة خطوة بخطوة ودولة تلو الأخرى باتجاه الحرب، ففي الزمن الذي تشهد فيه سوريا حربًا لا يبدو لها أي مخرج في الأفق، تتحول الأرض السورية لجبهة لحل النزاعات العالمية وتصفية الحسابات ونشهد توسع الأزمة السعودية الإيرانية لتتحول إلى أزمة شاملة وعلى مستوى دولي.

ليطلقوا الأسماء كما يشاؤون على هذه الأزمة، وليقولوا حرب قوى أو فتنة  مذهبية أو حتى صراع إرهابي؛ فهذه الزوبعة الحارقة تحولنا جميعا مع مرور الأيام إلى رهائن، هذه الأزمة التي لا تؤثر فقط على بلدان بعينها وإنما يمتد لظاها ليشمل كل المنطقة ويحولها إلى فخ كبير قد يمتد أثره للمئة العام القادمة.

مئة عام من الحصار مقابل مئة عام من المقاومة

أتممنا مئة عام من الحصار والحروب والاحتلال، لكن نتيجة المئة عام هذه ما زالت مستمرة، أما تصفية الحسابات الناتجة عنها فهي خطوة مهمة على طريق "مئة عام من الحرية والخلاص". هذه الطريق نراها تسحبنا إلى مركزها بسرعة عالية مدمرة. فهي تخرب وتدمر "الجزر" المقاومة في المنطقة، وتسمم أذهاننا وتسقط على أعيننا غشاء من الغفلة. وعلى الرغم من أن نظرة كل دولة من دول المنطقة إلى الأزمة تختلف بناءً على توجيهات "اللاعبين الكبار" إلا أن كلًا من هذه الدول تظن أن الأفكار والحقائق التي تمتلكها عن الأزمة هي الحقيقة وتتصرف بناءً عليها.

هنا، ومن خلال استخدام العبارات التي تلعب على أوتار المشاعر والمصطلحات التي تضغط على الأعصاب لتوضيح مدى خطورة الوضع  للتنبية والإشارة إلى حقيقة المخاوف التي سنواجهها في الأعوام المقبلة نحن في الحقيقة نوجه النداءات إلى اتخاذ الخطوات الأولى على طريق "مئة عام من الحرية". فإذا لم نعِ مدى الخطر الذي نواجهه اليوم فإننا سنتوجه مع المنطقة كلها إلى حافة الهاوية لنواجه الانتحار وجها لوجه.

مواجه مع الإعصار لا مع الإرهابيين

ليست المواجهات المستمرة في جنوب شرق تركيا في الحقيقة صراعًا مع الإرهاب وإنما هي صراع مع احتلال، وجواب تقدمه تركيا على محاولة جر الحرب السورية إلى أراضيها.  ويتوجب علينا أن نقرأ تجاوب الساسة الأتراك مع مشاكل المنطقة من هذا المنطلق.

يجب أن نعلم أننا في مواجهتنا لهذه التدخلات متعددة الجنسيات إنما نواجهه صورة أخرى خلف المسألة الكردية وأكبر منها. فالجبهة والتحالف المضاد لتركيا المكون في شمال سوريا من جهة ومحاولات إثارة النزاعات والاحتلال في الداخل هما وجهان لعملة واحدة وتأثيرها لا يشمل سوريا فقط وإنما له علاقة بما يحصل على الساحة السعودية.

هذه التفاعلات السياسية اليومية تسببت في خسائر فادحة للبلد وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فإننا سنخرج "بفاتورة كبيرة" قد نعجز عن دفعها. وبالتالي يجب أن نسحب بساط القوة من تحت أقدام أولئك السياسيين الذين يقبلون على الألاعيب السياسية. لأن الأزمة التي تعيشها المنطقة أكثر عمقا وأكثر تأثيرا مما درسوه في كتبهم أو مما يمكنهم تصوره، فواضح جدا المآل الذي ستضحي إليه تركيا إذا ما اتبعت توصياتهم التي تنم عن عدم استيعاب للجغرافيا. فما الأحداث التي تجري في "سيلوبي" و"جيزرة" إلا جزء مما يحدث على الصفحة السورية.

ليست فتنة مذهبية وإنما خدعة!

أما أحداث اليمن فما هي إلا جزء لا يتجزأ من أحداث المنطقة وامتداد لها. التدخل العسكري (الانقلاب) في مصر هو في الحقيقة تحضير للأرضية اللازمة لحرب المنطقة وتمت بتدخل جنسيات مختلفة كل منها له مساعيه الخاصة وهو كذلك جزء من أحداث المنطقة، انتقال الروس على يد طهران إلى الساحة السورية هو كذلك جزء من أحداث المنطقة أو بكلمات أصح هو مرحلة جديدة من التدخلات متعددة الجنسيات في المنطقة.

في النهاية، الأزمة السعودية الإيرانية والتي يلفها الغموض هي الهدف النهائي لمخططات الحرب في المنطقة وهي الانفجار الأخير في الحرب. ليتم تقديمها لنا كصراع من أجل الهوية أو من أجل المذهب لن يُبقي أيًا من الدول خارج الحلبة.

كنا قد تحدثنا في البارحة عن الخريطة التوسعية الإيرانية، وقد أشرنا إلى أن إيران هددت وبشكل مباشر السعودية خاصة ودول الخليج عامة. مما قد يتسبب بسنوات من عدم الاستقرار في الخليج. بعض الدول ارتأت أنه لا بد من تحويل القابلية السيكولوجية لـ"حرب داخلية إسلامية" عقب الحرب الباردة إلى حقيقة لتنتج عنها مواجهة بعض الدول للتهديدات الإيرانية  ثم نقطة النهاية تصادم السعودية مع إيران.

فإيران قد جذبت الأنظار بأعمالها التي تعزلها عن العالم السني وتثير الضغينة عند الدول السنية، خصوصا محاولتها استغلال الاختلاف المذهبي لتحقيق أطماعها الجيوسياسية، فاليوم وبعد أن بانت الحقيقة على الساحة السورية لا يمكن أن تكون السعودية ودول الخليج لم تدرك التهديدات الإيرانية بعد.

العمى الاستراتيجي عند المملكة العربية السعودية

لكن المملكة العربية السعودية اليوم هي ضحية وقربان خطئ استراتيجي كانت قد اقترفته أيديها. فدعمها المادي وتمويلها للانقلاب العسكري الذي أطاح بالإخوان المسلمين في مصر من جهة، وخطواتها السياسية الحريصة على قتل كل مؤثر سياسي ولاعب حقيقي في المنطقة الممتدة من السودان إلى سوريا  من جهة أخرى جعلت من المملكة القربان الأول لهذه السياسة الخاطئة. وقد حكمت على نفسها بالانعزال في مواجهة التهديدات الإيرانية وهو بمثابة عمى وانتحار سياسي.

وبالتالي الأمر الوحيد الذي ما زال بإمكان الرياض القيام به هو تلطيف العلاقات مع الإخوان المسلمين، والكف عن رؤيتهم كتهديد لها ومشاركتها الفعلية بحل الأزمة في مصر. وبالتالي لن تقوم هذه القوة الأكثر ديناميكية في المنطقة باتخاذ النظام الملكي السعودي هدفا لها. فتحدي الرياض للإخوان وقراءتها لهم على أنهم تهديد وخطر كان خاطئًا والنتيجة الحقيقية أن التهديد والخطر الحقيقي ينبع من إيران وليس من الإخوان.

لا بد من اتحاد رباعي عاجل

تنقسم المنطقة إلى معسكرين، فالمحور الإيراني – الروسي على وشك التضحية بالعلاقات السنية/ العربية في سبيل تحضيره لحرب ومعركة أكثر اتساعا وقوة. كل من تركيا، ومصر، والسعودية وباكستان قادرة على التخفيف من حدة هذه الأزمة. ولهذا الهدف لا بد من تلطيف علاقة السعودية بالإخوان، ومن ثم علاقة مصر بالإخوان، ثم تخفيف التوتر القائم بين مصر وتركيا.

كل من تركيا والسعودية قادرة على إيجاد الحل السياسي المناسب لقضية محمد مرسي والكوادر الإخوانية القابعة في السجون المصرية. ويمكن لها أن تأخذ أوراق القضية إلى رأس القائمة، وأن تبطل قرارات الإعدام فيما سيكون إشارة على الطريق الصحيح، فمن الممكن إطلاق سراح هؤلاء الأفراد بل يجب أن يتم إطلاق سراحهم، ويمكن أن تستقبل تركيا على أراضيها كلًا من مرسي ورفقائه. وما أتحدث عنه هو أمر قابل للنقاش بين تركيا والمملكة.

إذا ما حدث هذا، فإن أهمية التهديدات الإيرانية لدول الخليج والسعودية سوف تقل وتتلاشى. تقف طهران لهذا السبب ضد أي تقارب بين الدول الأربعة هذه، ولن تألو جهدًا في الحيلولة دون ذلك. إن العودة إلى سياسة الفُرس التوسعية واستخدام الفروقات المذهبية كخريطة لهذه التوسعات حتى وإن صُبغت بصبغة الأزمة الطائفية والاختلاف المذهبي هو في الحقيقة تحقيق للأحلام الإمبرطورية عند طهران. هذا الأمر سيكون نقطة على إيران وليس لصالحها، لأن التهديدات الموجهة اليوم إلى السعودية ودول الخليج ستكون في الغد موجهة لباكستان وتركيا.

ليأتي محمد مرسي إلى تركيا

أقول وأكرر، يجب على الرياض أن تكف عن رؤية الإخوان المسلمين كتهديد لها وخطر عليها، ويجب كذلك أن تمارس ضغوطاتها على النظام المصري لإطلاق سراح قادة الإخوان المسلمين. ويجب على تركيا أن تلعب دورًا في هذه الحلول، حتى أن على تركيا أن تستضيف قادة الإخوان المسلمين أمثال محمد مرسي. ثم بعد ذلك لنرى تلطيفًا للأجواء في العلاقات التركية المصرية. ويجب على باكستان أن لا تتوانى عن تقديم جهودها في كل ذلك. هذا الحل هو في الحقيقة وقفة ضد السياسة الإيرانية ومحاولة لتخفيف التوتر في المنطقة، لنشهد عندها تساهلًا من قبل النظام الإيراني ونشهد تلطيفًا في العلاقات الإيرانية.

إذا لم يتم هذا الأمر، فإن الحرب السورية سوف تتوسع وتمتد لتشمل كل المنطقة، لتتحول المنطقة من جنوب شرقي تركيا إلى خليج البصرة ومن البحر الأحمر إلى شمال أفريقيا إلى منطقة على فوهة البركان قابلة للانفجار في كل لحظة ولتتحول إلى منطقة صراعات لا يتوقف فيها التوتر ولو للحظة.

على خلفية التهديدات الإيرنية للسعودية وتحت تأثير التنبيهات السعودية، شهدت كل دول المنطقة حالة من الصحوة، لنجد أن الفجوة بين الدول العربية السنية من جهة وإيران من جهة أخرى قد اتسعت اكثر، لتلغي أي احتمال سوى لمزيد من العداء. ستشهد كذلك المنطقة الممتدة من باكستان إلى اليمن حالة من صراع الهوية تنتج عنها انفجارات بين الفينة والأخرى. الحل الذي تحدثت عنه هو الحل الوحيد للحيلولة دون وقوع الحرب. وربما يكون التحرك في الغد متأخرًا جدًا.

يجب على إيران أن تنسحب فورًا من سوريا، ويجب أن يطلق سراح مرسي وتستضيفه تركيا. هذه الدول الأربعة إذا رغبت في ذلك ستنجح وسوف تحول دون حرب تمتد لمئة عام جديدة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس