
جلال سلمي - خاص ترك برس
تورد وسائل الإعلام بين الفينة والأخرى أن حزب العدالة والتنمية عازم خلال دورته البرلمانية الحالية على تغيير الدستور التركي الذي تم إعداده عام 1982 من قبل الجيش بعد انقلابه على العملية الديمقراطية عام 1980.
ويُذكر أن المادة 175 من الدستور التركي الساري تنص على أن البرلمان التركي يستطيع تغيير الدستور من خلال 367 صوت، فإذا وافق 367 نائب على تغيير الدستور تُعرض مسودة الدستور الجديد على رئيس الجمهورية، وفي حال وافق الأخير يُعرض الدستور على الشعب للاستفتاء.
واستنادًا إلى هذه المادة وبالرجوع إلى عدد النواب الذين حظي بهم حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة التي جرت في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، يُلاحظ أن حزب العدالة والتنمية لا يملك سوى 317 مقعد برلماني، وباستثناء رئيس البرلمان التابع لحزب العدالة والتنمية يصبح عدد نواب حزب العدالة والتنمية الذين سيستخدمون أصواتهم للموافقة على تغيير الدستور 316 نائب، وهذا ما يدلل على حاجة حزب العدالة والتنمية إلى التوافق مع الأحزاب السياسية البرلمانية الأخرى من أجل إتمام عملية تغيير الدستور التي يؤكد عزمه على إتمامها خلال الفترة الجارية.
وفي إطار المشاورات الحثيثة التي يُجريها حزب العدالة والتنمية مع الأحزاب السياسية الأخرى من أجل التوصل إلى أرضية توافقية، يُشير الباحث السياسي "نازيه أنور كورو"، في مقاله "اتفاق الأحزاب السياسية التركية ما بين الممكن والمستحيل"، نُشرت على الصفحة الرسمية لمركز أنقرة للدراسات الاستراتيجية، إلى أن حزب العدالة والتنمية بزعامة رئيس الوزراء "أحمد داود أوغلو" يبدو عازمًا وبكل إصرار لتغيير الدستور الانقلابي في أسرع وقت ممكن أو قبل الانتهاء الفترة البرلمانية الحالية التي تقارب على الانتهاء في تشرين الثاني 2019.
ويبين كورو أن ما يظهر عزم داود أوغلو وحزبه على تغيير الدستور في الدورة الحالية، اللقاء الدورية والمُكثفة التي أجراها ويُجريها داود أوغلو مع قادة الأحزاب السياسية الأخرى، وخاصة حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية، على هامش اجتماعات البرلمان، ومن الأمثلة على تلك الاجتماعات اجتماع داود أوغلو مع زعيم حزب الشعب الجمهوري "كمال كيليجدار أوغلو" في 30 ديسمبر المنصرم وأيضا ً التقائه لزعيم حزب الحركة القومية "دولت باهجلي" في 4 كانون الثاني/ يناير الجاري.
ويوضح الصحفي "أوندار جاكير" أن الاجتماعات التي جرت بين زعماء الأحزاب السياسية بشأن تغيير الدستور، مرت وسط أجواء توافقية إيجابية تُؤكد على رغبة جميع الأحزاب السياسية على تغيير الدستور الذي وصفه داود أوغلو في أحد تصريحاته بالانقلابي "الدموي".
ويتحدث جاكير، في تقريره الصحفي "توافق مُحتمل"، نُشر على موقع "بوليتام"، عن تفاؤل الأطراف السياسية عن التوصل إلى اتفاق مُشترك من أجل إعداد مسودة دستور جديد شاملة لكافة الحقوق المدنية التي ينتظر المواطنون الأتراك نيلها، وينبع حرص الأحزاب السياسية التركية على التوافق من كون أن وعد تغيير الدستور هو الوعد الانتخابي المشترك بينهما، وهذا ما يجعل توافق هذه الأحزاب أمرًا مُحتملًا.
واعتمادًا على القاموس التاريخي لتوافق الأحزاب السياسية في تركيا، من أجل تحقيق مصالح مشتركة، يتضح أن هناك العديد من الأمثلة التاريخية التي تدل على إمكانية توافق الأحزاب السياسية، وأن ذلك الأمر ليس بالأمر المستحيل على الساحة السياسية، ويمكن استنباط بعض الأمثلة من القاموس المعني على الشكل الآتي:
ـ اتفاق حزب الرفاه وحزب العمل القومي وحزب الإصلاح الديمقراطي عام بتاريخ 29 نوفمبر 1987، من أجل تقديم عريضة قوية للمحكمة الدستورية لرفع الحظر السياسي الذي فرضه الانقلاب على بعض القادة السياسيين البارزين.
ـ اتفاق حزب الوطن الأم وحزب الاتحاد الكبير عام 1995، من أجل المحافظة على كيان قوي للأحزاب اليمينية المعتدلة داخل البرلمان.
ـ اتفاق الحزب الشعبي الديمقراطي الاجتماعي مع حزب العمل الشعبي عام 1987 لتشكيل جبهة يسارية تُقدم عريضة اعتراض قوية للمحكمة الدستورية لرفع الحظر عن حزب الشعب الجمهوري الذي تم حظره عقب عام 1980.
يمكن إيجاد العديد من الأمثلة على اتفاق الأحزاب السياسية التركية على مدى التاريخ، الأمر الذي يُؤكد أن الأحزاب السياسية الحالية يمكنها الاتفاق والتحاور من أجل إعادة مسودة دستور جديد، على العكس من الادعاءات التي ترى ذلك غير ممكن في الساحة التركية.
وبناءً على تقييمات المحللين والصحفيين الأتراك، يتضح بأن الأحزاب السياسية على مقربة من الاتفاق الودي الخاص بتغيير الدستور الحالي، لا سيما في ظل أن جميع الأحزاب السياسية التركية وقياداتها النشطة على الساحة السياسية في الفترة الحالية، تم تجميد عملها بناء ً على هذا الدستور، لذا فإن هذا الدستور يُعتبر غادر للأحزاب السياسية الحالية وقيادتها، وهذا ما يجعل بينهم عامل مشترك للتوافق وتغيير الدستور بشكل جاد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!