محمد عادل فارس - خاص ترك برس

يقولون: لكل امرئ من اسمه نصيب.

وإذا جادلنا في صحة انطباق هذا القول على أي إنسان، فلسنا نجادل في أن نجم الدين أربكان كان نجمًا بكل ما تعنيه صفة "النجومية".

ولأن حياته كانت حافلة بالمعاني الطيبة، والتجارب الثرة، والنجاحات الباهرة فإننا سنكتفي بأن نورد ومضات من حياته في سطور، ثم نقف عند نظريته في التغيير.

***

- ولد – رحمه الله – في 29 من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1926م في مدينة سينوب على ساحل البحر الأسود.

- درس الهندسة الميكانيكية ونال شهادة البكالوريوس في إسطنبول عام 1942م، ثم شهادة الدكتوراه من جامعة آخن الألمانية، عام 1956م في اختصاص هندسة المحركات ونال لقب بروفيسور عام 1965م.

- عمل في ألمانيا رئيسًا لمهندسي الأبحاث في مصانع محركات "كلوفز – هومبولدت – دويتز" بمدينة كولن. ووصل إلى ابتكارات لتطوير محركات الدبابات.

- عاد إلى تركية وصار أستاذًا في جامعة إسطنبول، وعضواً في حزب العدالة برئاسة سليمان ديميريل، وكان أربكان من بين مجموعة بدأت تتنامى في حزب العدالة، وهو ما جعل ديميريل يعمل على إقصاء هذه المجموعة، فرفض إدراج اسم أربكان على قوائم الحزب الانتخابية سنة 1969م، وعندئذ رشّح نفسه مستقلًا، فأصبح نائبًا عن مدينة قونية المعروفة بأنها معقل إسلامي.

- أسس في تركية مصنع "المحرك الفضي" الذي ينتج، منذ عام 1960، ثلاثين ألف محرك ديزل سنويًا!.

- أنشأ حزب "النظام الوطني" وهو أول حزب ذي هوية إسلامية منذ سقوط دولة الخلافة سنة 1924م، وهو أول حزب، منذ سقوط الخلافة، يجرؤ على إعلان هويّته الإسلامية، فقد جاء في بيانه التأسيسي: "أما اليوم فإن أمتنا العظيمة التي هي امتداد لأولئك الفاتحين الذين قهروا الجيوش الصليبية قبل ألف عام، وفتحوا إسطنبول قبل 500 عام، وقرعوا أبواب فيينا قبل 400 عام، وخاضوا حرب الاستقلال قبل 50 عامًا... هذه الأمة العريقة تحاول اليوم أن تنهض من كبوتها وتجدد عهدها مع حزبها الأصيل: النظام الوطني الذي سيعيد لأمتنا مجدها التليد، الأمة التي تملك رصيداً هائلاً من الأخلاق والفضائل، فضلًا عن رصيدها التاريخي ورصيدها الحاضر المتمثل في الشباب الواعي المؤمن بقضيته وقضية وطنه". وقد لاقى الحزب قبولًا شعبيًا كبيرًا، وخاصة من صغار التجار والحرفيين والرجال المتدينين... فتوسّع الحزب سريعًا وبدأ يشكّل تهديدًا جماهيريًا للأحزاب العلمانية.

- ثم أصبح رئيسًا لاتحاد النقابات التجارية، ثم عضوًا في مجلس النواب.

- حُلّ حزبه بموجب قرار قضائي بعد تسعة أشهر من تشكيله، على إثر الانقلاب العسكري الثاني في 12 آذار/ مارس 1970م وذلك بتهمة دعايته للشريعة الإسلامية، وهو ما يخالف الدستور العلماني للدولة.

- أسس بعدئذ "حزب السلامة الوطني" في 11 تشرين الأول 1972م وفاز بخمسين مقعدًا نيابيًا. وشارك في حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري سنة 1974م. وفي انقلاب الجيش على السلطة في 12 أيلول/ سبتمبر 1980م حُظر حزب السلامة.

- تولى منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة بولند أجاويد، وذلك حين تشكّل ائتلاف من حزب العدالة والحزب الجمهوري وحزب السلامة.

- عمل في مراحل متعددة على إغلاق محافل الماسونية، وقطع العلاقات مع إسرائيل.

- وفي عام 1983 أسس رفقاء أربكان حزب الرفاه، ثم انضم أربكان إلى الحزب رسميًا في 1987 وأصبح رئيسًا له. ودخل الحزب الانتخابات البرلمانية لعام 1991 وفاز بـ 62 نائبًا، كما فاز برئاسة ست من البلديات الكبرى.

- انتُخب في حزيران/ يونيو عام 1996م رئيسًا لوزراء تركيا بمشاركة حزب الطريق المستقيم (استمر في ذلك نحو سنة ونصف) وشكل مجموعة "الثمانية" وهي تضم ثمانية من أكبر الدول الإسلامية.

- نجح في إقامة 70 مصنعًا خلال سنتين، وافتتاح 30 مدرسة دينية لتخريج الأئمة والخطباء، تضم ما يزيد على 50 ألف تلميذ.

- حظرت القيادة العلمانية حزب الرفاه سنة 1997م، وأحيل أربكان إلى القضاء ومنع من مزاولة النشاط السياسي فأسس (من خلال تلامذته) من جديد حزب الفضيلة برئاسة رجائي طوقان في كانون الأول/ ديسمبر 1998م، وفاز الحزب بـ 115 مقعدًا لانتخابات نيسان/ أبريل 1999م. ثم صدر حكم بإلغاء الحزب في حزيران 2001م.

- وعندما تعرض حزبه للحل قام فأنشأ حزباً جديداً هو حزب السعادة عام 2003، بينما توجه الجيل الشاب من تلاميذ أربكان إلى تشكيل حزب العدالة والتنمية.

- اتهمه العلمانيون بتهم شتى وحكموا عليه بالسجن سنتين.

- تلامذته عبد الله غُل (دكتوراه في تطوّر العلاقات الاقتصادية، من جامعة لندن. أصبح رئيسًا للجمهورية من 28/8/2007 إلى 10/8/2014) ورجب طيب أردوغان (الذي أصبح رئيسًا للوزراء ثم رئيسًا للجمهورية) وغيرهما، اختلفوا معه، لكنهم اتبعوا نظريته، وتمكنوا من تجنب بعض المطبات التي وقع بها ومكّن للعلمانيين أن يقصوه.

- توفي - رحمه الله – في أنقرة في 24 من ربيع الأول 1432هـ الموافق لـ 27 من شباط/ فبراير 2011م.

نظرية أربكان

أربكان رجل باع نفسه لله، أراد نصرة دين الله، وكان يواجه واقعًا غاية في الصعوبة، وضعاً علمانيًا متطرفًا في علمانيته، يحميه جيش يُعدّ نفسه حارسًا أمينًا لهذه العلمانية، وقد تمكّن هذا الوضع منذ سقوط دولة الخلافة على يد أتاتورك سنة 1924م من أن يُبعد الإسلام عن معظم مظاهر الدولة والمجتمع، وربى أجيالًا لا تكاد تعرف من الإسلام إلا اسمه، وإلا بعض شعائره، بل إن معظم أبناء هذه الأجيال بعيدون كل البعد عن هذه الشعائر. ويركز هذا الجيش على انتقاء أفراد القوات المسلحة من الناس المنسلخين عن الإسلام، ثم يراقبهم مراقبة دقيقة ليضمن بعدهم عن الدين، بل عداءهم له!.

في هذه الأجواء وضع النجم أربكان نظريته لأسلمة المجتمع، حتى لُقّب بأبي الإسلام السياسي. هذه النظرية التي تعتمد على ركيزتين:

الأولى: استثمار قوانين البلاد وما تتيحه من "ديمقراطية"، للإفادة من هامش الحرية، والاحتكام إلى القوانين، إلى أقصى حد ممكن، لتسريب ما يمكن تسريبه من حقوق للإسلام والمسلمين، مع الخضوع لسلبيات النظام الذي يقصي الدين عن التشريع، ويتيح الفرصة لكل أنواع الموبقات.

وحجته في ذلك أن هذه السلبيات قائمة بوجود نظرية أربكان هذه وبغيابها، بينما استثمار تلك الأوضاع لاكتساب بعض الحقوق المهدورة... لم يكن ليتحقق لولا هذه النظرية.

وبموجب ذلك انتقل عدد كبير جداً من شباب تركية وشاباتها من الفسق والفجور إلى التدين والالتزام. ولا مجال هنا للتفصيلات.

الثانية: أن يكون القائمون على تحقيق هذه النظرية ملتزمين بأخلاق الإسلام أيما التزام، فهم يخلصون في خدمة المجتمع، لا يمدون أيديهم إلى الأموال العامة بسرقة أو رشوة، يقدّمون من أنفسهم نماذج رائعة للمسلم النظيف المستقيم، فإذا كان أحدهم في موقع المسؤولية فلابد أن يظهر أثر وجوده وفرةً في الخدمات، وعفّة عن أكل المال بالباطل، وصيانة لمرافق ذلك الموقع.

فبموجب الركيزة الأولى وجد الشباب والفتيات الملتزمون بالعبادات والأخلاق وحفظ القرآن والإقبال على العلم الشرعي...

وبموجب الركيزة الثانية نال أربكان والعاملون معه ثقة الناس حين حفظوا أموال البلديات التي تولوا إدارتها، وخفضوا من ديون الدولة التي ترهقها.

ونتيجة هذه الثقة صار المحسوبون على "الأحزاب ذوات الأصول الإسلامية" ينالون أصوات فئات واسعة من المجتمع في الانتخابات، فينتخبهم المتدينون والعلمانيون، لما يرون من استقامتهم ومن تنميتهم لمؤسسات الدولة واقتصادها.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس