وهاب جوشكون – يني يوزييل - ترجمة وتحرير ترك برس

يعني الحديث عن استقلال إقليم كردستان العراق ضمنيا الحديث عن صفحة جديدة في أجندة الشرق الأوسط، ولكن لا ورود بلا أشواك إذ أن أمورًا كثيرة ستؤثر بهذا الاستقلال وتتأثر وتتغير مع إعلانه، وكبداية دعوني أذكر خمسة من الأمور التي سيكون لها أثر كبير على الاستقلال:

أولا: الضائقة الاقتصادية. إن عدم التوصل إلى توافق اقتصادي مع الحكومة المركزية أمر مثير للقلق إذ أن أسعار البترول في تدنّ مستمر. هذا الانخفاض سيؤدي إلى تراجع الدخل العام للحكومة لتصل إلى مرحلة تعجز فيها عن دفع رواتب الموظفين ويصبح انقطاع الكهرباء أمرًا متوقعًا لكثرة تكراره، وستتوقف أعمال المقاولات والبناء في المنطقة وسيتأخر بذلك إنشاء البنية التحتية. أضف إلى ذلك أن إقليم كردستان تعرض لموجه هجرة كبيرة إذ أن مئات الألوف من العراقيين والسوريين الفارين من بطش داعش قد لجؤوا إلى إقليم كردستان العراق لينتعش اقتصاده وفي الوقت نفسه لتشهد القوة الشرائية تراجعًا كبيرًا أدى إلى نفور عام من الإدارة الإقليمية وإلى خروج مسيرات ومظاهرات جابت شوارع الإقليم.

المسألة الثانية هي الأمن. فداعش المفعمة بالنشاط ما زالت تمثل تهديدا خطيرا. فمهاجمة قوات داعش لمدينة أربيل جلبت إلى الأذهان تساؤلات عن قدرة الإقليم على حماية حدوده والدفاع عن ترابه كما أنها رفعت المخاوف الأمنية إلى أعلى مستوى. فمع الأسف إن الإقليم وحتى هذه اللحظة لا يملك مكونات الجيش الحديث، إذ أن إدارة الإقليم لم تتدراك أوجه القصور ولم تستطع أن تغطي العيوب في هيكليتها العسكرية. عند الحديث عن القوات المسلحة في الإقليم لا بد من الإشارة إلى أن البشمركة تنقسم إلى قسمين رئيسين هما،  بشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني وبشمركة الاتحاد الوطني الكردستاني. بهذه الميليشيات فقط ودون جيش نظامي قوي لن تستطيع كردستان العراق الصمود ولو ليوم واحد في الشرق الأوسط.

المطالبة بدولة للاكراد هو تخلف ورجعية

ثالثا: عدم توافق الاحزاب الكردية على طبيعة وكينونة الاستقلال. الحديث يدور هنا عن أجندات مختلفة فحزب العمال الكردستاني يقف ضد الدولة المستقلة بكل ما أوتي من قوة، وعلى حد تعبير جميل باييك فإن "المطالبة بدولة كردية هو تخلف ورجعية"، فيما يرى تنظيم غوران أن الوقت لم يحن بعد للمطالبة بالاستقلال. الاتحاد الوطني الكردستاني بدوره يتخذ موقف المعارض للاستقلال، أما الحزب الديمقراطي الكردستاني فهو أكثرها تحمسا للدولة المستقلة. هذا الاختلاف على طبيعة الاستقلال وعدم التوصل إلى تعريف تجمع عليه كل الأطراف والأحزاب الكردية يُبعد المسافة عن الاستقلال.

رابعا: العامل الإيراني، طهران التي ترى أن "استقلال كردستان يعادل إنشاء إسرائيل ثانية في الشرق الأوسط" لن تقبل بأي شكل من الأشكال بمثل هذا الجار ولن تعترف أبدا بهذه الدولة. فإيران تقف في صف وحدة التراب العراقي والسوري وترى في استقلال كردستان تهديدا لمصالحها في المنطقة. ففيما يتحدث برزاني موصيا بتقسيم العراق وإنشاء دولة كردية هناك في سبيل حماية العراق والمحافظة عليها، توجه إيران حديثها له وللأكراد من خلفه بأن الأكراد هم أكثر من المتضررين من مثل هذه الخطط  ومن أحلام الاستقلال ، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن الكثير من الأحزاب الكردية تشاركها الرأي.

بطاقة الاستقلال

أخيرا: تأثير حسابات القوى العالمية على الاستقلال. أو بعبارة أخرى لا وجود حقيقي للنظام في العراق وسوريا  اليوم وما زلنا نجهل خريطة السلطات الجديدة التي سترسم للمنطقة، فالحدود أوهن من بيت العنكبوت والمستقبل محفوف بالظلام  والغموض ورؤية أي من الأطراف للمستقبل بوضوح أمر غير ممكن ولذلك نرى ان القوى العظمى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا تمتنع عن أي خطوة من شأنها أن تؤثر على السلطات الموجودة، بل إنها تعمل على مبدأ "أهون الشر" وتسعى للمحافظة على الأنظمة الموجودة وتثبيتها على عرش السلطة. بهذه النقطة لا بد من التذكير بأن كل الاتحادات والأحلاف والمواقف السياسية  الموجودة على الساحة الآن هي مؤقتة وقابلة للتغيير.

كل هذه الأمور تشير إلى أن الاستقلال ليس بالأمر الهين الذين من الممكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها، فالإدارة الإقليمية لكردستان العراق قد تسعى ومن باب فتح الطريق تحسبًا للمستقبل إلى إجراء استفتاء شعبي، لكنها لن تأخذ هذا الاستفتاء على محمل الجد ولو كانت غالبية الأصوات مع الاستقلال. وستلتزم الحيطة والحذر ولن تترك ما في اليد رغبة بما على الشجرة، ولن تراهن بالمضمون في سبيل مستقبل مجهول لكنها وبلا شك تنتظر تحقيق أحد أمرين من هذا الاستفتاء:

أحدهما، أن تستطيع الإرادة الشعبية تخطي اختلاف وجهات النظر الحزبية لترسم إطارًا جديدًا للسياسة الكردية العراقية. أما الأمر الآخر، أن تمسك بورقة الاستقلال هذه على طاولة العلاقات الدولية مخاطبة العالم في أن الموانع التي تعيق الاستقلال قد زالت  ولا مجال لتفادي اعتراضات الأكراد.

الكثير من الحجارة والعقبات على طريق الاستقلال ولا بد من تنظيفها.

عن الكاتب

وهاب جوشكون

كاتب في صحيفة "يني يوزييل"


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس