جلال سلمي - خاص ترك برس

28 شباط/ فبراير؛ تاريخ يُعيد إلى أذهان الشعب التركي آثار ذكرى أليمة، ذكرى الانقلاب العسكري على الديمقراطية، وما أعقبه من أعمال عنف واعتقالات وسحق بحق المعارضين له ولو بكلمة.

وقع انقلاب 28 فبراير بعد اجتماع هيئة الأمن القومي التركية التي أصدرت قرارًا يقضي بضرورة استقالة رئيس الوزراء آنذاك "نجم الدين أربكان" لاتهامه "بأسلمة" الدولة ومحاربة العلمانية التي على أساسها تم تأسيس الجمهورية التركية، وكما حدث في انقلاب 1980، من جديد احتل الجيش ودباباته شوارع وأروقة المدن التركية، لوضع الحكومة تحت الأمر الواقع وإجبارها على الاستقالة.

وأطلقت هيئة الأركان العسكرية على عملية الانقلاب اسم "انقلاب ما بعد حداثة" أو اسم "الانقلاب ضد الرجعية"، وأصدرت العديد من القرارات السياسية والقاونونية والاجتماعية المحاربة للديمقراطية وللطبقة المحافظة التي تشكل ما نسبته 70% من الشعب التركي، ومن أهم هذه القرارات:

ـ حظر ارتداء الحجاب في الأماكن الحكومية، وحتى داخل المستشفيات.

ـ حظر عمل المحجبات في المؤسسات الحكومية.

ـ فصل الطالبات المحجبات من الجامعات، ووضع شرط خلع الحجاب أساسًا لعودتهم إلى فصول الدراسة.

ـ حظر إقامة المهرجانات ذات الطابع الديني.

ـ حظر الأحزاب السياسية ذات الطابع المحافظ.

وفي سياق الاطلاع على شهادة أحد شهود العيان المعاصرين للانقلاب والمتضررين منه، التقت وكالة الأناضول التركية مع المواطن "دوران أوزدامير" الذي كان موظفًا في بلدية سنجان ومذيعًا في راديو محلي خلال أحداث الانقلاب العسكري الظالم، لتقديم له الفرصة للإدلاء بشهادته على ما تعرض له جراء الانقلاب.

وشرع أوزدامير في حديثه الخاص لوكالة الأناضول بالقول إنه كان عريفًا لمهرجان "ليلة القدس" الذي يُعد أحد الأسباب الرئيسية للانقلاب، مضيفًا أن هذا المهرجان تم تنظيمه خلال شهر رمضان في ناحية "سنجان" التابعة لأنقرة، وحضره رئيس الوزراء آنذاك "نجم الدين أربكان" مع ثلة من زعماء الجماعات الدينية، وهذا ما رآه الجيش حربًا علنية على "العلمانية".

وأشار أوزدامير إلى أنه أعد مسرحية المهرجان التي أحدثت صدىً واعتراضًا قويًا داخل أروقة هيئة الأركان العسكرية، على عجل، مؤكدًا أنه لم يكن يتوقع إطلاقًا أن تتسبب هذه المسرحية القصيرة بهذا القدر من الاستياء لدى قادة الجيش، لكونها موضوعية وتنقل واقع الانتفاضة الفلسطينية التي شاهدها العالم أجمع.

وادعى أوزدامير أن الجيش لم يشعل لهيب الانقلاب بسبب مهرجان القدس فقط، مبينًا أن نية الانقلاب كانت مبيتة وأن الانقلاب تحصيل حاصل، لقيام أربكان برفع حظر الحجاب عن طالبات المدارس والجامعات ولإصداره قرارات المساهمة في إعطاء الحرية للطبقة المحافظة التي نُهكت حقوقها لعقود من الزمن.

واستدل أوزدامير في ادعائه على تزاحم وسائل الإعلام التي أتت لتغطية المهرجان، مؤكدًا أن هذا العدد من وسائل الإعلام، خاصة تلك المناهضة للتيار المحافظ في تركيا، لم يشهده أي مهرجان من هذه النوعية، ولكن تقاسم الأدوار مع الجيش أوجب عليهم الحضور وتغطية المهرجان تحت عنوان "انتفاضة الشريعة".

وأوضح أوزدامير أنه تعجب كثيرًا عندما قرأ هذا العنوان، مشيرًا إلى أن بعض وسائل الإعلام أرادت من خلال هذا العنوان إحداث تحريض شعبي وعسكري على حكومة أربكان، وتصوير ما يحدث من مهرجانات بسيطة تهدف إلى مناصرة المظلوم، على أنها انتفاضات ضد العلمانية والجمهورية التركية.

وتابع أوزدامير مبينًا أن الأحداث المفتعلة لإيجاد عوامل تستدعي الانقلاب بذريعة محاربة حكومة أربكان للعلمانية توالت، حيث في صباح ليلة المهرجان، حدثت مشادة كلامية بين منظمي المهرجان ومراسلة تلفزيون "ستار"، ونقلتها وسائل الإعلام المغرضة على أنها حادثة ضرب "أنصار الحكم الشرعي" لمرأة علمانية لا ترتدي الحجاب كما يريدون!، ومن ثم في اليوم التالي نظم حزب الشعب الجمهوري سلسلة بشرية في كافة شوارع المدن الكُبرى وتناولوا الطعام أمام المارة عمدًا ليظهروا عدم صيامهم وعدم احترامهم لمعتقدات المواطنين المحافظين، آملين في حدوث مشادة كلامية أو شجار حاد بينهم وبين أحد أفراد الطبقة المحافظة، ليشيعوا ذلك على أنه هجوم "رجعي" صريح على الحريات العامة، ولكن أفراد الطبقة المحافظة كانوا مدركين لهدف تلك السلسلة ولم يتعرضوا لها.

وأفاد أوزدامير أنه عندما رأى الدبابات تسير في ميادين وشوارع أنقرة خارجة من منطقة "سنجان" بالتحديد، أدرك أن هذه الأحداث المتوالية كلها، ما هي إلا إرهاصات لعملية انقلاب مبيتة كانت بحاجة لبعض الذرائع لإشعالها، منوّهًا إلى أن انطلاق الدبابات من المواقع العسكرية الموجودة في منطقة "سنجان" وتمركز بعضها بالقرب من موقع المهرجان، أوحى لأفراد حزب الرفاه كلهم، حزب حكومة أربكان آنذاك، بأن المسرحية الحقيقية في محاربة حقهم الشرعي في قيادة الحكومة قد بدأت فعليًا.

وأكد أوزدامير أنه تعرض للاعتقال في نفس اليوم الذي أعلن فيه الجيش عن انقلابه، مُلمحًا إلى أنه تعرض للطرد من وظيفته في بلدية سنجان وسُجن بتهمة الإخلال بالنظام العام للدولة لمدة 3 أعوام، وانتقل مع لفيف من المعتقلين الآخرين الذين كان من ضمنهم حتى الأطفال الذين مثلوا دور أطفال فلسطين في المسرح، إلى أحد سجون سنجان، مبينًا أنه كان هنالك العديد من المعتقلين تعسفيًا، دون أي مرجع قانوني، وتم اعتقالهم لمجرد وجود لحية تزيّن وجوههم أو لارتدائهم سروالًا طويلًا، أو لاتّسامهم بسمات أخرى كانت تقترن بالتيار المحافظ.

وخلص أوزدامير إلى أن هذا الانقلاب كان الانقلاب الأخير في تركيا، ولكن ذكراه موجعة ومؤلمة لكل من تعرض لظلمه وشدته، لا سيما المعتقلين الذين اعتقلوا دون الاستناد إلى أي قرينة قانونية وحُرموا من رؤية أطفالهم وعائلاتهم لمدة طويلة، والطالبات اللواتي حُرمن من حق الدراسة في المدارس والجامعات، مشيرًا إلى أن تركيا تعيش اليوم في أزهى عصور الديمقراطية، خاصة في ظل استرجاع الأكثرية الفكرية بها لحقوقها التي سُلبت منذ تأسيس الجمهورية التركية وحتى استلام حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!