الجزء الثاني من دراسة "العلاقات المغاربية التركية بين تحديات الراهن وآفاق المستقبل"

د. زبير خلف الله - خاص ترك برس

تحدثنا في القسم الأول عن المنطقة المغاربية كوحدة وكيكان واحد في علاقته مع تركيا رغم أنها منطقة تتشكل من خمس دول تختلف درجة علاقاتها مع تركيا من دولة إلى أخرى وذلك لكون منطقة المغرب العربي على الرغم من تشكلها السياسي المقسم الى دويلات تفصل بينها حدود وربما خلافات عميقة الا أن هذه المنطقة تمثل امتدادا جغرافيا مترابطا تصل مساحتها الكلية إلى  5.782.140 كلم مربع1، وتقع على شريط ساحلي يصل طوله الى قرابة 6505  كلم2 ابتداء من الحدود الليبية المصرية الى الحدود الموريتانية السنيغالية.

كما يشرف هذا الشريط الساحلي على البحر المتوسط وعلى المحيط الأطلسي ويتميز بمناخ طبيعي متميز ورائع ، إضافة الى الثروة الغابية الموجودة في المناطق الوسطى للمنطقة المغاربية خصوصا بين تونس والجزائر والمغرب الأقصى، كذلك نجد ان المناطق الجنوبية للمنطقة المغاربية صحراوية تحتوي على غابات النخيل والواحات المتناثرة هنا وهناك مما يمنح هذا الامتداد الجغرافي للمنطقة المغاربية أهمية كبرى وثراء لا سيما أنه يتموقع بين البحر المتوسط شرقا وشمالا وعلى المحيط الاطلسي غربا وعلى الصحراء جنوبا. وهذا التنوع الجغرافي هو الذي يكسب المنطقة أهمية استراتيجية كبرى تجعلها هدفا لعيون كل الدول والحضارات الأخرى عبر التاريخ.

تحدثنا عن أهمية البعد الجغرافي للمنطقة المغاربية لأنه عامل محدد في العمق الاستراتيجي لهذه المنطقة وأهميتها في التوازنات الاقليمية والدولية، ولأنها تجمع بين كل القارات الثلاث وتحوز على ثروات طبيعية غنية جدا مما يجعلها محل رهانات كبيرة بين دول المنطقة  من بينها تركيا التي باتت منذ 2002 السنة التي وصل فيها حزب العدالة والتنمية الى سدة الحكم وحكمها لتركيا على مدار ثلاثة عشر ترغب في العودة الى منطقة شمال افريقيا بقوة وترسيخ وجودها الاقتصادي والاستراتيجي هناك .

عرفت العلاقات المغاربية التركية تطورا مهما خصوصا على المستوى الاقتصادي خلال العشرية الأخيرة ويعود ذلك في البداية الى سياسة الانفتاح لسياسة تركيا الخارجية ووجود إرادة سياسية هادفة ترمي الى إعادة تركيا الى الساحة العربية والاسلامية. هذا الانفتاح التركي قابلته الدول المغاربية بخطوة إيجابية لتطوير العلاقات معها محاولة منها للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها هذه الدول جراء سياساتها الخاطئة وربط مصير هذه الدول بدول أوروبا التي تعصف بها أزمات إقتصادية أثرت بشكل مباشر على هذه الدول المغاربية3.

من جهة أخرى وجدت تركيا الناهضة والتي حققت نجاحات اقتصادية كبيرة صنفت الثانية عالميا من حيث النمو الاقتصادي الفرصة سانحة لتقوية العلاقات مع دول المغرب العربي الثرية بمواردها الطبيعية والطاقات البشرية وموقعها الاستراتيجي على البحر المتوسط وجنوب أوروبا وشمال إفريقيا.  وقد فاق حجم التعاملات الاقتصادية بين دول المنطقة ككل مع تركيا قرابة 20 مليار دولار امريكي تركز منها اكثر من 10 مليار دولار مع ليبيا والباقي موزع على بقية الدول المغاربية4.

لقد نظرت تركيا الى هذه المنطقة بطريقة غير متوازنة ورأت أنها سوق استهلاكية كبرى يمكن لتركيا أن تؤمن لها حاجياتها وتغرقها بالسلع التركية وتطوير نسبة الصادرات الى هذه المنطقة. وبقدر ماكانت نية تركيا الجديدة حسنة في عهد حزب العدالة والتنمية في تعاملها مع منطقة المغرب العربي الا انها لم تكن تسعى بشكل جدي في التعامل مع هذه المنطقة على أنها كيان جغرافي موحد يمكن دعمه ومساعدته نحو التوحد وتشكيل إقليم سياسي جديد وقوة سياسية متحدة سياسيا، و قادرة على التأثير في طبيعة التوازنات الاقليمية والدولية في منطقة البحر الابيض المتوسط وشمال القارة الافريقية5.

إلى جانب هذا تعاملت تركيا مع دول منطقة المغرب العربي بطريقة غير متوزانة فمثلا كان لديها تركيز كبير على ليبيا في عهد نظام معمر القذافي باعتبار أن ليبيا كانت دولة تعتمد بشكل مباشر على الاستيراد والاستهلاك من السوق الخارجية، وقد نجحت تركيا فعلا في اختراق السوق الليبية وإغراقها ببضائعها في ظل تنافس كبير مع بعض الدول الاوروبية والاسيوية كالصين وفرنسا إيطاليا وروسيا الى درجة أن حجم الصادرات التركية الى ليبيا تجاوز 10 مليار دولار في حين كانت تعاملها مع تونس أو مع الجزائر  أو المغرب أو مريتانيا ضعيفا جدا لم يرتق الى المستوى المطلوب لتفعيل شراكة حقيقية عميقة مع هذه الدول6.

في المقابل كان حجم الصادرات لدول المغرب العربي إلى تركيا ضعيفا جدا، ولم يصل الى ثلث الصادرات التركية، وربما يعود هذا الى الضعف الانتاجي لدى هذه الدول، ووجود هيمنة أوروبية على اقتصادياتها خصوصا إذا وجدنا أن أكثر من 80 % مثلا من الاقتصاد التونسي ظل مرتبطا مباشرة بفرنسا وببعض الدول الاوربية الأخرى، كما أن الجزائر ظل نفطها حكرا على الشركات الفرنسية وبأسعار زهيدة جدا.

حينما ندقق في العلاقات المغاربية التركية على المستوى الاقتصادي في المرحلة الراهنة نجدها تعيش حالة اللاتوازن، حيث أن تركيا لم تتعامل مع هذه المنطقة وفق نظرية الوحدة الجغرافية المترابطة والتي تمثل بعدا جيوستراتيجيا مهما يجب دعمه وتخليصه من أي هيمنة للقوى الاستعمارية التي ظلت تنهب ثروات هذه المنطقة وحولت شعوبها الى شعوب استهلاكية لا تملك اقتصادا قويا ولا بنية اقتصادية حيوية تطورها وتجعل منها منطقة جذب للاستثمار وللرخاء المحلي والإقليمي والدولي7.

وظلت تركيا الجديدة بقيادة أردوغان تتعامل مع تلك الأنظمة وفق معيار المصلحة الإقتصادية وما يمكن أن تحصل عليه من هذه الدول المغاربية دون أن تسعى إلى أن تصبح عاملا مؤثرا في طرح مشاريع استثمارية كبرى في كافة القطاعات ترجع بالنفع على شعوب تلك المنطقة وتخفض من حدة الهيمنة الغربية التي تحالفت مع أنظمة الدول المغاربية وأجهضت كل مشروع تغييري تحرري . لم يكن لتركيا أي تأثير في المنطقة من الناحية السياسية والاستراتيجية فقد اكتفت فقط بمصالحها وأنشطتها الاقتصادية.   

على الرغم من أن تركيا الحديثة حققت نجاحات متقدمة داخل تركيا على كافة المجالات الا أن سياستها الخارجية ظلت تتعامل مع بلدان العالم العربي بشكل عام والمنطقة المغاربية بشكل خاص على أنها عامل مساعد فقط لتطوير مشروع تركيا الجديدة، ولم تنخرط تركيا الى حدود 2011 في مايسمى بالسياق الحضاري الشامل الذي يساهم في إحداث تغيير جوهري هادئ في المنطقة العربية وفي المنطقة المغاربية. وظل هذا الوضع قائما كما هو عليه إلى أن انطلقت أحداث الربيع العربي  في تونس وانتقلت الى بقية الدول العربية الأخرى وباتت هناك ملامح تغيير جذري في المنطقة المغاربية والعربية8.


1 موقع موسوعة ويكيبيديا الموسوعة الحرة، مادة المغرب العربي

2 موقع موسوعة ويكيبيديا الموسوعة الحرة، مادة المغرب العربي

3 http://www.ordaf.org/wp-content/uploads/2014/05/Türkiye-Kuzey-Afrika-İlişkileri-Raporu.pdf

4 http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20120701/Con20120701514101.htm

5 Ankara Üniversitesi Afrika Çalışmaları Dergisi Cilt 1 , Sayı 2 , s.65-76,Bahar 2012

6 http://www.panapress.com/حجم-العقود-الموقعة-بين-وتركيا-تبلغ-10-مليارات-دولار--12-324469-53-lang1-index.html

7 Ankara Üniversitesi Afrika Çalışmaları Dergisi Cilt 1 , Sayı 2 , s.80-89,Bahar 2012

8 http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=24042015&id=1d81d056-...

عن الكاتب

د. زبير خلف الله

كاتب - المركز العربي التركي للتفكير الحضاري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس