ولاء خضير - خاص ترك برس

تمر ذكرى يوم 16 حزيران/ يونيو 1950م، بمزيجٍ من الأسى والفرحة على الشعب التركي، يتذكر بها مَنع أتاتورك رفع الأذان باللغة العربية لمدة 18 سنة في تركيا، وكيف نجح رئيس الوزراء عدنان مندريس، الملقب بـ"شهيد الآذان"، والذي تم إعدامه لاحقاً، بإقرار عودة الأذان باللغة العربية!. فما هي مجريات وتفاصيل الأحداث في تلك الفترة.

كان لأول مرة، وفي الفترة الثانية من الحكم الدستوري الجديد في البلاد، تم عرض تغيير الأذان إلى اللغة التركية، وطُرح على جدول أعمال حكومة أتاتورك العلمانية عام 1918م، وذلك بعد أن طلب الشاعر ضياء كوك ألب ذلك في أحد أبياته الشعرية، وكان الشاعر ضياء كوك آلب من أشد المنادين بتتريك القرآن.

وفي سنة 1938م، عملت الدولة على مشروع منع الأذان بشكل رسمي، وتم تشكيل لجنة من كبار الباحثين في كلية الشريعة الإسلامية للعمل على هذا المشروع.

ومن بين الاقتراحات التي وضعتها الهيئة على طاولة النقاش، إلقاء الخطب والأدعية باللغة التركية، استعمال آلات موسيقية ومقاطع صوتية متقدمة لرفع الأذان، وتعويض الخطب التقليدية بتوجيهات دينية، فتمت بعد ذلك الموافقة على مطلب واحد من هذه المطالب.

وفي كانون الأول/ ديسمبر عام 1931م، زادت الرغبة في تغيير الأذان من العربية إلى التركية، فطلب أتاتورك في ذلك الوقت لقاء كبار رجال الدولة، والمسؤولين، وبعد أن تمت إجازة هذا المشروع من رجال الدين، أدخل الى التطبيق.

وتُرجم الأذان إلى اللغة التركية، وفتح منذ ذلك الوقت باب النقاش لتاريخ معين، وفي النهاية تم الإتفاق على أن يطبق القرار في شهر رمضان الكريم.

ولأول مرة في تركيا، يوم 29 كانون الثاني/ يناير 1932م، رَفع الاذان الشيخ حافظ رباط على مآذن جامع الفاتح في إسطنبول.

الكلمة الوحيدة التي لم تترجم في الأذان، كانت كلمة الفلاّح، حيث يقابلها كأقرب معنى لها في اللغة التركية، كلمة "الخّلاص"، وهو ما جعل رجال الدين يخافون أن يتم استغلالها في أغراض أخرى، فأبقِي عليها كما هي في اللغة العربية.

كانت هكذا البداية، وكان هنا سعي مستمر إلى جعل الاذان يُرفع في كل تركيا باللغة التركية، وبعد هذه الخطوة، وفي تاريخ 18 تموز/ يوليو 1932م، تم نشر قرار عام من وزارة الأوقاف الدينية وهو"الأذان سيرفع باللغة التركية في كل المساجد".

وفي حين تولى رئيس الوزراء عصمت إينونو حينها مهمة منع رفع الأذان باللغة العربية، وضمن هذا الإطار، ولجعل الأمر غاية في الأهمية، تم في عهد أتاتورك تجريم قراءة الأذان باللغة العربية بشكل رسمي.

ولشدة جدية الدولة العلمانية حيال هذا الموضوع، وعند دخول الجيش التركي إلى مدينة هاتاي شمال سوريا، كان من أول أعمال قائد الجيش التركي منع الأذان باللغة العربية.

لغة الأذان التي لم يتم تغيرها في دول أوروبا المسيحية، غيرتها أنقرة حينها، وبقانون رسمي من الدولة، وفي عام 1941م، وضعت عقوبة لمن يرفع الأذان باللغة العربية وغرامة مالية، وحكم بالسجن، وذلك في فترة حكم عصمت إينونو، الذي نطق بهذا القرار "من الآن الأذان باللغة العربية هو جريمة".

وبحسب هذا القانون يمكن للمؤذن أن يؤذن بلغة اخرى، يمكن أن يؤذن بالفرنسية، والإنجليزية، أو حتى الصينية، ليس هناك قانون ضد ذلك، إلإ أن العربية جريمة.

ولأجل العودة للاستماع للغة العربية في الأذان، كان على الشعب التركي أن ينتظر 18 عاما، حتى جاءت انتخابات عام 1950م، حيث دخل الحزب الديمقراطي سنة برئاسة عدنان مندرس، ببرنامج  يتضمن أول إجراءاته، عودة الأذان باللغة العربية، والسماح للأتراك بالحج، وإعادة إنشاء وتدريس الدين الإسلامية بالمدارس، وإلغاء تدخل الدولة في لباس المرأة، ولكن هذا لم يكن سهلًا، فقرار منع الأذان باللغة العربية اتُخذ في عهد "أتاتورك".

وكانت نتائج الانتخابات صادمة، فقد فاز الحزب الديمقراطي بثلاثمائة وثمانية عشر مقعدا، وتسلم عدنان مندريس مقاليد الحكم رئيسا للوزراء، وجلال بايار -رئيس الحزب- رئيسا للجمهورية، وشرع لتوه ينفذ وعوده التي بذلها للشعب في أثناء الانتخابات.

وكانت من أهم منشوارت حزب الاتحاد الديمقراطي "يا أصدقاء إن مثل هذا القرار لن يُعذب روح أتاتورك، بعد أن نصادق عليه". كما قال وزير الصحة والشؤون الاجتماعية  حينها نهاد رشاد، "لأجل إنتصار أمتنا، علينا أن نعلم أن علينا أن نترك قرارات أتاتورك الخاطئة، وإلا عاد الأمر علينا بالسوء".

وفي الأخير اقتنع رئيس الوزراء جلال بايار بإلغاء المنع عن الاذان بالعربية، ومباشرة كلف الحزب الديمقراطي نوابه بهذا القرار.

وهو يوم 16 حزيران/ يونيو من عام 1950م، تتمكن الحزب الديمقراطي من إقراره، ولم يستطيع الحزب الجمهوري الوقوف أمامهم.

ورغم كل الصعوبات تمكن حينها حزب الاتحاد الديمقراطي من إلقاء كلمه مفادها "إن رفع قانون تجريم الأذان باللغة العربية لن يسبب مشكلات لتركيا"، وفي النهاية ألغي المنع.

وكما استجاب مندريس لمطالب الشعب، فسمح بتعليم اللغة العربية، وقراءة القرآن وتدريسه في جميع المدارس حتى الثانوية، وإنشاء عشرة آلاف مسجد، وسمح بإصدار مجلات وكتب تدعو إلى التمسك بالإسلام والسير على هديه.

إلا أن القوى العلمانية المعادية للإسلام وقفت لمندريس بالمرصاد، وقام الجيش التركي بأول انقلاب عسكري خلال العهد الجمهوري.

ففي صباح 27 أيار/ مايو عام 1960، أوقف الجنرال العسكري جمال جو رسل نشاط الحزب الديمقراطي، واعتقل رئيس الوزراء عدنان مندريس، ورئيس الجمهورية جلال بايار، مع عدد من الوزراء، وأرسلوا إلى سجن في جزيرة يصي أدا.

وبعد محاكمة صورية، تم سجن رئيس الجمهورية مدى الحياة، فيما حكم بالإعدام على عدنان مندريس، ووزير خارجيته فطين رشدي زورلو، ووزير ماليته حسن بلاتقان، وكان السبب المباشر الذي قاد مندريس ومن معه إلى حبل المشنقة، اتهامهم بإعتزام قلب النظام العلماني، وتأسيس دولة دينية - إسلامية - .

ورغم ان مندريس لم يعلن في أي من الإجراءات أنه كان إسلاميا، أو مؤيدا للإسلاميين، بل على العكس من ذلك، وضع تركيا في قلب العالم الغربي، حينما انضمت تركيا في عهده إلى حلف شمالي الأطلسي، إلا أن ذلك لم يشفع له، وكانت كلمته الأخيرة قبل إعدامه، "في تلك اللحظة التي أنا فيها على وشك مفارقة الحياة، أتمنى السعادة الأبدية للدولة والأمة".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!