عقبة الرَّمَّة - خاص ترك برس

يا إلهي، لقد نسيت الشموع ودستة البالونات الملونة وقالب الحلوى و43 شمعة.. لكن لا مشكلة.. فنسيان لوازم الاحتفال لا يمنعنا من الاحتفال، ولم لا؟.. فلنفرح جميعًا، ولنصفق لشعب المملكة المتحدة الشقيق، الذي قرّر 52٪ من أبنائه وبناته، أن يخرجوا مع 48٪ البقية، إلى خارج منظومة الاتحاد الأوروبي..

سأفرح كثيرًا، لأنني أعرف بأن مثل هذا الخبر يؤكد وجهة نظر، تقول بأن الاتحاد الأوروبي لا ينبغي أن يكون مسيحيًا خالصًا، وأن الدول المسيحية قد لا تصمد فيه، كما أن الدول المسلمة لم تعد حراماً عليه.. يا إلهي.. ما هذه الكلمات الكبيرة التي أبوح بها.؟ الاتحاد الأوروبي مسيحي؟.. لا ليس مسيحياً، أنا أمزح فقط.. لكن معلومة صغيرة قبل انتهاء المزحة.. كل الدول التي في الاتحاد ذات غالبية سكانية مسيحية…"البوسنة والهرسك" و"كوسوفو" دول ذات غالبية مسلمة موجودة في أوروبا، لكن لا مكان لها في الاتحاد، كما هو حال تركيا بالضبط.!

أحتفل اليوم، لأن رئيس الوزراء البريطاني المستقيل مؤخراً ديفيد كاميرون.. هُزم للمرة الثانية على التوالي لهذا العام. الأولى، حدثت مع انتخاب مدينة لندن لـ "صادق خان" أول عمدة مسلم في تاريخها، رغم المحاولات المستميتة لـ "كاميرون" في حث اللندنيين على التصويت لصالح "زاك غولد سميث" الرجل فاحش الثراء وابن أبيه المدلل. والثانية جاءت مع تصويت البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي.. أنا أحتفل لأن "كاميرون" دعم فكرة "الإسلامو فوبيا" وسوق لها، وقاد حملة شرسة لنشرها في المجتمع.. لكنه اليوم يدفع الثمن..

لكن لنتوقف دقيقة صمت.. فرحي الشديد لا يساوي شيئًا أمام فرحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.. الذي سيجد الفرصة سانحة لطرح ملف بلاده بقوة لدخول الاتحاد.. ولم لا؟ أليس ديفيد كاميرون من قال: "تركيا ستدخل الاتحاد الأوروبي سنة 3000"؟ قبل أيام قليلة فقط من تصويت شعب بلاده على الخروج من الاتحاد.! يا ويحي.. ديفيد وقع في فخ أعماله.. أخيراً جاء الرد التركي.. على لسان أردوغان: "يبدو أنك لم تستطع الصمود لـ3 أيام".!

يا إلهي.. (الفقرة القادمة لأستاذ الثقافة القومية) لم الفرح؟.. هؤلاء حطموا الوحدة الأوروبية التي كانت أنموذجًا لمثقفينا على مرّ عقود..! أذكر جيدًا قبل 7 سنوات أن محاضرة كاملة ذهبت للحديث عن الاتحاد الأوروبي، كأنموذج لاتحاد "كونفيدرالي" يمكن لنا كعرب أن نمتثله… لكن مهلاً، ولأنني لا أحب المصطلحات المعقدة.. فإليكم التالي: كونفيدرالي تعني رابطة بين دول مستقلة وذات سيادة (لها علمها وشعارها ونشيدها الوطني وتمثيلها الدبلوماسي وجيشها....ألخ) هذه الدول تفوض بعض الصلاحيات لهيئات مشتركة (اقتصادية، قضائية، مالية..الخ)، قد تزيل هذه الدول الحدود فيما بينها، وقد تتبنى عملة خاصة بها.. الخ.. يبدو أن أستاذ الثقافة القومية حسد الاتحاد الأوروبي، فهو بالأمس خسر أول دولةٍ من عضويته، وذلك منذ إنشاء نواته مع توقيع اتفاقية روما عام 1957.

اللهم لا شماتة، والاتحاد على العين والرأس وكفى الله أوروبا شرّ الحسّاد، لكن دعونا نلبس عباءة المؤامرة لخمس دقائق.. أليس "فرانسوا جورج بيكو" البريطاني هو من اقتسم الكعكة العثمانية مع "مارك سايكس" الفرنسي، بمباركة روسيا القيصرية، قبل 100عام بالضبط؟. يا لها من مصادفة أن يحدث الشرخ الأول في الاتحاد الأوروبي بعد مئة عام من تقسيم الأراضي العثمانية على يد بريطانيا وفرنسا في اتفاقية "سايكس-بيكو" الشهيرة. مصادفة أليس كذلك؟

وبما أن القدر قد ينال منك بعد قرن من الزمن، فماذا لو حدث أن حلّ وريثو الإمبراطورية العثمانية "المفكَّكَة" محلّ وريثي الاستعمار البريطاني "المفكِّك" في الاتحاد الأوروبي.؟ إذا فهل من شيء في الدنيا يمكن له أن يسعد فؤاد رجب طيب أردوغان أكثر من سماع نبأ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟.. لماذا؟ لأنها الفرصة المناسبة لتحقيق الوعد الذي أطلقه حزبه أمام الشعب بالانضمام للاتحاد الأوروبي في رؤية عام  2023.

إنني لا أفرح لأنني تركي (وأنا لست تركيًا)، ولا لأنني مسلم. هذه أمور لا تجعلني فرحاً فجأة.. لأنها غالباً تأتي مع الولادة.. إنما أفرح لأنني لاجئ سوري.. وهو الإنجاز العظيم الذي قدمته خلال 26 عامًا من العمر.. هذا اللاجئ التعيس الذي لا يجد الكثير من الحقوق خارج القارة الأوروبية، قد يصل تلك القارة قريباً.. هذه المرة بلا قارب متهالك، أو مخاطرة بالموت في سبيل ذلك.. قد يصل هذا اللاجئ إن وصلت تركيا إلى هناك.. سيكون أمامه الكثير والكثير من المفاجآت السارة.. لأن دخول تركيا فلك الاتحاد الأوروبي يعني أن معاملة اللاجئ السوري في تركيا ستتم وفق شروط واعتبارات أوروبية.. يا سلام.. وهل سأكون لوحدي؟؟ .. لا لا.. فمعي 3 ملايين لاجئ سوري ينتظرون أملاً ما.. قد يشق طريقه إليهم من غير ناحية الوطن… فلا تنسوا دستة البالونات وقطعة الحلوى الكبيرة.. فمعي الملايين سيحتفلون..

عن الكاتب

عقبة الرَّمَّة

صحفي سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس