إسماعيل ياشا - عربي 21

الاتفاقية التي أعادت العلاقات التركية الإسرائيلية الدبلوماسية بعد قطيعة استمرت ست سنوات، أثارت جدلا واسعا في تركيا حول التزام إسرائيل بالشروط الثلاثة التي كانت أنقرة تشترطها لتطبيع علاقاتها مع تل أبيب، واشتد النقاش بالتحديد حول الشرط الثالث المتعلق برفع الحصار المفروض على قطاع غزة.

ولأول مرة منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في البلاد، انتقد الإسلاميون قرار الحكومة التركية بشدة، وأعربت هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية التركية (IHH) عن رفضها للاتفاقية واعتبرتها اعترافا رسميا بحصار غزة. وقالت إن الاتفاقية التي تمنح تركيا بعض التسهيلات لإيصال المساعدات الإنسانية عبر ميناء أشدود لا تنهي الحصار، مشددة على حق سكان القطاع في التمتع بحرية التنقل.

المعارضة التركية بدورها انتقدت الاتفاقية التي أبرمت لعودة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى سابق عهدها، كما أنها انتقدت بوادر ترميم العلاقات التركية الروسية، إلا أن تلك المعارضة ذاتها كانت تنتقد حتى اليوم تدهور علاقات تركيا مع إسرائيل وروسيا، وبالتالي ليست لانتقاداتها مصداقية في الشارع التركي الذي يؤيد إنهاء الأزمة مع روسيا، وكذلك مع إسرائيل للحفاظ على مصالح البلاد.

التطبيع مع الكيان الصهيوني بأي حال أمر مرفوض، إلا أن هناك تفسيرات عديدة في تركيا لترميم العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب. ويقول محللون إن عودة العلاقات الدبلوماسية لا تعني بالضرورة التحالف مع إسرائيل، لافتين إلى وجود أزمات بين دول قد تصل إلى مستوى العداوة على الرغم من استمرار العلاقات الدبلوماسية بينها، مثل إيران وبعض الدول العربية. ولعل أبرز مثال لذلك هو العلاقات الإيرانية الإماراتية مع أن إيران تحتل ثلاث جزر إماراتية في الخليج العربي. كما أنهم يشيرون إلى تحالف بعض الدول مع تل أبيب خلف الستار وتنامي علاقاتها مع الكيان الصهيوني بعيدا عن الإعلام ودون وجود علاقات دبلوماسية بينها وبين إسرائيل.

أما بخصوص الشرط الثالث المتعلق برفع الحصار فيؤكد محللون أن الحصار على قطاع غزة لا تفرضه إسرائيل وحدها، وأن مصر لو فتحت الحدود ومعبر رفح فلن يكون هناك حصار، ما يعني أن الحصار على القطاع يفرضه "الصهاينة الإسرائيلون" و"الصهاينة العرب" معا. ويقولون إن تركيا بذلت كل ما بوسعها لرفع الحصار الإسرائيلي ولكنها لم تنجح إلا في فتح ثغرة ليتنفس من خلالها سكان غزة، بانتظار أن يسعى الإخوة العرب إلى رفع الحصار العربي الذي يفرضه على القطاع "الصهاينة العرب" الذين هم "أشد كفرا ونفاقا وغدرا"، على حد تعبيرهم.

كان من أهداف الحصار على قطاع غزة تشديد الخناق على سكانه حتى تسوء حياتهم اليومية لدرجة لا تطاق بهدف دفعهم إلى التمرد على حركة حماس التي تحكم القطاع. وألقت قوات الأمن في غزة القبض على أعضاء خلية مرتبطة بالخارج كانت تخطط لإثارة الفوضى. ولا شك في أن إنهاء كثير من الأزمات وتحسين مستوى المعيشة في القطاع سوف يسهم في إفشال مثل هذه المؤامرات التي تقف وراءها قوى لا تخفي انزعاجها من أن يشمل الاتفاق التركي الإسرائيلي تخفيف الحصار.

الاتفاق التركي الإسرائيلي لم ينه الحصار، ولكنه فتح ثغرة كبيرة في جداره. وعلى تركيا الآن استغلال تلك الثغرة لإعادة الإعمار وإنهاء مشاكل الكهرباء والمياه والبطالة من خلال مشاريع مختلفة، بالإضافة إلى إيصال مساعدات إنسانية لتحسين مستوى معيشة سكان القطاع المحاصرين.

تركيا بخطواتها الأخيرة لم تفتح ثغرة فقط في جدار الحصار المفروض على قطاع غزة، بل فتحت ثغرة أخرى في جدار الحصار الذي أرادت قوى عالمية ودولية فرضه عليها لإبعاد أنقرة عن ملفات الشرق الأوسط وتوريطها في أزمات مع قوى كثيرة. ويمكن أن نقرأ رسالة أردوغان إلى بوتين في ذات الإطار.

الخطوات الأخيرة التي فرضت نفسها على تركيا تمنح في الوقت نفسه فرصة ثمينة لأنقرة لإفشال مخطط إنشاء "دولة حزب العمال الكردستاني" في شمال سوريا. وأكبر خطر يهدد حاليا أمن تركيا واستقرارها هو الكيان الإرهابي الذي يتشكل في شمال سوريا تحت غطاء الولايات المتحدة والدول الغربية. ومتى استغلت تركيا الأجواء التي يتوقع أن يخلقها إنهاء الأزمة مع روسيا وعودة العلاقات التركية الإسرائيلية، في إنهاء هذا الخطر فحين ذلك يمكن القول بأن الخطوات الأخيرة التي تقدمت بها أنقرة ناجحة.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس