
ترك برس
"عندما رأيت السيد أردوغان يتحدث عبر الهاتف مخاطبًا شعبه، أيقنت بأن محاولة الانقلاب ستبوء بالفشل"، هكذا عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن نظرته للشعب التركي ورئيسه أثناء زيارة الأخيرة لروسيا في إطار محاولة إعادة توطيد العلاقات المتدهورة نتيجة إسقاط تركيا لطائرة روسية حربية اخترقت أجواءها في الرابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم.
وفي هذا السياق، رأى الخبير السياسي الروسي ألكسندر سوتنيتشانكو بأن محاولة الانقلاب وما تبعها من تطورات تشكل فرصة ذهبية لإعادة العلاقات الروسية التركية كما كانت، مبينًا أن حل الأزمات السياسية العالقة في سوريا والعراق وغيرها من دول الشرق الأوسط، لا يمكن أن يتم إلا من خلال التوافق الإيراني التركي الروسي.
وبالرجوع إلى العلاقات التركية الروسية ما قبل الربيع العربي، يبيّن سوتنيتشانكو أن العلاقات الروسية التركية وصلت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، بحيث مثلت روسيا الشريك التجاري الثاني لتركيا، وكان الهدف هو الصعود إلى مرتبة الشريك التجاري الأول.
أما على الصعيد السياسي، فيشير سوتنيتشانكو إلى أن الطرفين دائمًا ما يختلفان ويتعنتان في القضايا السياسية، فعلى سبيل المثال، عرض أردوغان عام 2008 مشروعًا للسلام في منطقة القوقاز تحت اسم "منتدى الاتفاق والاستقرار في القوقاز" ولكن بوتين رفضه رفضًا قاطعًا دون الاطلاع على أبعاده وتفاصيله.
وبحسب ما يوضحه سوتينتشانكو، فإن اختلاف الطرفين في القضايا السياسية الإقليمية والدولية وعدم إبدائهما النية الجادة في التشاور والتوصل إلى مساحات مشتركة، تتولد عنها حالة استيعاب خطأ لبعضهما البعض، مما يؤثر سلبًا على علاقاتهما الاقتصادية والثقافية.
ووفقًا لما يورده سوتينتشانكو في مقاله على موقع الجزيرة ترك "15 يوليو تعرض فرصة ذهبية للعلاقات التركية الروسية"، فقد أدت حادثة إسقاط الطائرة إلى تضخم حالة الاستيعاب الخاطئ بين الطرفين، إذ قيمت روسيا الحادثة على أنها تحدٍ بارز من تركيا لها، وعزفت عن التواصل الدبلوماسي الذي كانت عليه مع تركيا، لتستغل وسائل الإعلام تلك الحادثة كفرصة لجعل تركيا العدو السياسي الأول، وكيف للوبي اليهودي والأرمن والغربي أن يترك هذه الفرصة دون استغلالها حق الاستغلال في تأجيج المزيد من الصراع عبر وسائل الإعلام وعدة وسائل أخرى، مرتكزين على نظرية أن تركيا هي العدو التاريخي والأزلي لروسيا، وما تم تحقيقه من تعاون استراتيجي مؤقت كان بمثابة الخطيئة التي يجب تجاوزها بأسرع وقت ممكن.
ويضيف سوتينتشانكو أن روسيا تعرضت لأزمة اقتصادية فيما يتعلق بالخضروات والفواكه التي انقطعت عن القدوم من مصدرها الأساسي "تركيا" بالنسبة لروسيا، أما تركيا فقد خسرت الكثير من إيقاف عملية التصدير وتوقف التبادل السياحي بينها وبين روسيا التي تمثل المورد الثاني للسياح بالنسبة لتركيا بعد ألمانيا.
وإضافة إلى نقاط التعاون بين الدولتين، يؤكد سوتينتشانكو على أن تخطي تركيا للحصار الغربي المفروض على روسيا منذ عام 2014، واتجاهها لإبرام المزيد من اتفاقيات التعاون أنقذ روسيا من عزلة دولية محتّمة وفتح لها أبواب اقتصادية متنوعة، أهمها باب تزويد أوروبا الشرقية بالغاز الطبيعي عبر خط السيل التركي.
وعن الفرصة التي عرضتها محاولة الانقلاب الفاشلة، ينوّه سوتينتشانكو إلى أن المحاولة الفاشلة زادت من قوة أردوغان التي أصبحت قوة لا محدودة على الصعيدين الداخلي والخارجي، موضحًا أن جميع الأحزاب السياسية التركية الآن ملتزمة الصمت حيال سياسة أردوغان وحكومته تخوفًا من الوقوع ضحية لخطر الاتهام بدعم محاولة الانقلاب، وهذا ما سيدفع أردوغان إلى اتباع سياسة قوية يحددها حسب رؤيته دون إعارة معارضة الأحزاب السياسية الأهمية الكبيرة.
ويوضح سوتينتشانكو أن أنقرة رأت وبكل وضوح الدور الأمريكي في محاولة الانقلاب، وأيقنت أن قتل المسلمين لبعضهم البعض ما هو إلا وقود لترسيخ سيادة أمريكا على العالم وحفظ أمن إسرائيل في المنطقة، لذا فإن أنقرة ستختار منذ الآن سبيل العلاقات القوية مع روسيا، بغية تخفيف حدة النزاعات السياسية المذهبية في المنطقة، والتي لا تصب إطلاقًا في صالح المسلمين.
وحول المسألة السورية، يقول سوتينتشانكو إن روسيا وتركيا تشتركان في قضية معارضة تقسيم سوريا إلى دويلات صغيرة، وهذا يعني بأن روسيا ستخفف دعمها لحزب الاتحاد الديمقراطي وستكبح جماحه في التقدم نحو المناطق العربية، ولكن على صعيد آخر ستطلب روسيا من تركيا تخفيف دعمها لقوى المعارضة السورية.
ويختم سوتينتشانكو بالإشارة إلى أنه يعتقد بأن الحل الأمثل للأزمة السورية هو الاتحاد الثلاثي المكون من تركيا وروسيا وإيران، مبررًا ذلك بكون تلك الدولة تعد العامل الأقوى في الأزمة السورية، وتتبع سياسات مستقلة قوية يمكن لها أن تحول دون استمرار الأزمة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!