ياسر سعد الدين - خاص ترك برس

تمر السعودية والأمة بوقت عصيب وتقف أمام منعطفات حاسمة فالبراكين تتقاذف حممها والذئاب كشرت أنيابها ليصبح الحديث عن احتلال مكة عسكريا وابتزاز دول الخليج ماليا وسياسيا أمرا مألوفا ومتكررا، فيما فسحة الاختيارات تنكمش وتضيق. فإما قبول التحدي والبحث عن أسباب القوة والتوحد ورد الرياح الصفراء والأعاصير الجدباء وإما الانهيار والاندثار، ولن تغني عنا أوهاما دبلوماسية أثبتت عوارها، ولا إعلام التزلف والتطبيل والذي هو أقرب للإعداء منه للإصدقاء، ولا دس الروؤس بالتراب.

تم خداع دول عربية من خلال دبلوماسية أمريكية ماكرة وخبيثة وغيرها، فوقفت مع الحملة الأمريكية ضد العراق إعلاميا ولوجستيا وتمويليا، لينتهي العراق بيد إيران ولتتشكل فيه ومنه عشرات الميليشيات الطائفية الحاقدة والتي تتوعد سنة العراق والسعودية والمنطقة بالثبور وعظائم الأمور بذريعة محاربة الإرهاب والوهابية والثأر من أحفاد قتلة الحسين. وفي مصر تم تمويل إنقلاب السيسي ودعمه إعلاميا وسياسيا واقتصاديا لتدخل مصر مرحلة من التخبط والفشل ولتتحول من نصير للسعودية ولدول المنطقة لحليف لإيران وروسيا والأسد ولجميع المتربصين بالسعودية والمنطقة الدوائر.

وفي الوقت الذي كانت إيران تجمع شيعة العالم وتياراته من باكستان وأفغانستان والعراق ولبنان وغيرهم، كانت دول سنية كبرى منشغلة وما زال إعلامها بمحاربة تيارات الإسلام السياسي –الحليف الأوثق للسعودية- وتدمير حصوننا الداخلية والمناعية حصنا بعد آخر.

وتكرر الأمر في اليمن، فكان إقصاء الإصلاح الهدف الأسمى والأولوية القصوى بل تم دعم الحوثيين ليواجهوا الإصلاح فلما أشتد ساعدهم رموا السعودية وهددوها وما زالوا يتوعدونها. المشهد في المنطقة -وما يحصل من تغييرات سكانية وجغرافية بالعراق وسوريا ومهزلة داعش ومسرحيته والتي تستهدف تدمير مدن السنة وتهجيرهم وتحويلهم لقضية إنسانية مؤلمة- يبدو مؤامرة إيرانية دولية لإعادة رسم خريطة المنطقة على حساب المكون الأساسي فيها: العرب السنة.

وحتى يكتمل الخناق ويشتد الحصار جاء قانون جاستا سيفا مسلطا على السعودية لمزيد من الاستنزاف والابتزاز!! إيران تصرح بأن مئات الآلاف من الباسيج سيقاتلون في سوريا وأن الحشد الشعبي سيتوجه إلى هناك بعد أن ينتهي من تدمير الموصل وذبح وتهجير أهلها. فأين ستكون وجهة هذا الجراد الأصفر إذا أستتب له الأمر في سوريا؟ ومع وجود الخلايا النائمة المدربة والمنتشرة في دول الخليج، ومع الانتشار الكثيف للأعلام والحشود الطائفية على الحدود العراقية الكويتية، ومع الخطر الحوثي واسلحته الصواريخية المختلفة، يبدو الخطر ماحقا والتهديد وشيكا.

السعودية الدولة العربية السنية الأكبر في المنطقة بين خيارين إما أن تقود معركة النهوض والتغيير وإما أن تنتظر دورها –لا قدر الله- باستهدافها من الحقد الطائفي الصفوي ورياحه الصفراء المشبعة بروح الانتقام والتشفي. الوقت يضيق والخيارات تتقلص وما نستطيعه اليوم قد نعجر عنه غدا وبالتالي فلا بد من تحرك عاجل واستثنائي يتناسب مع شدة التهديدات وتسارع وتيرة الأخطار. على السعودية أن تقود العالم العربي والإسلامي وبشكل جدي وصارم في مواجهة التآمر الدولي الصفوي على بلادنا وشعوبنا ومقدراتنا بالتنسيق مع تركيا وقطر وباكستان وأية دولة عربية وإسلامية جادة في ذلك بعيدا عن تحالفات صاخبة إعلاميا وجوفاء واقعيا وعمليا.

هذه بعض الخطوات التي يمكن دراستها وتطبيقها لنتحول من حالة ترقب الخطر لحالة من الهجوم لدرئه ودفع غوائله:

• دعوة علماء الأمة إلى مؤتمر جامع في المسجد الحرام بمكة المكرمة لتدارس الأخطار المحدقة بالأمة وإصدار موقف شرعي صريح حول ما يجري بعيدا عن الضغوط السياسية والإعلامية.

• إعلان النفير العام على مستوى المملكة والأمة والبدء في التدريب العسكري للشباب والرجال وعسكرة مجتمعاتنا والتي بدأ الترف والحياة الأستهلاكية ينخر في عظامها.

• إطلاق سراح الدعاة المخلصين وإفساح المنابر الإعلامية لهم والتصالح مع التيار الإسلامي، فهولاء هم الأقدر على الحشد والأصدق في العطاء والتضحية فداء للإمة ومقدساتها.

• محاسبة الإعلام "الليبرالي" وإن كان ليس له من الليبرالية نصيب، ومساءلته عن مواقفه الداعمة لخصوم الأمة في العراق ومصر. والانتقال إلى إعلام الحشد والتوعية والتحريض على الدفاع عن مقدسات الأمة وحياض الوطن.

• وقف جميع الحفلات الفنية والبطولات الرياضية وجميع مظاهر البذخ والترف والتحام القيادة مع الشعب في حياة عسكرية تتسم بالتقشف والشظف مما سيرفع المعنويات ويشحذ الهمم على جميع المستويات.

• دعم ثوار سوريا والعمل مع تركيا على تشكيل جيشين وطنيين: سوري وعراقي من العسكريين المحترفين والنازحين والمهجرين من ديارهم لتحرير بلادهم من إرهاب داعش وإرهاب الميلشيات الطائفية والاحتلال الفارسي الوحشي.

هذه بعض المقترحات والتي يمكن لمفكري الأمة وعلمائها وسياسييها أن يضيفوا إليها الكثير. مثل هذه المواقف بتقديري سوف تقضي على خطر الإرهاب الداخلي وستحرر عقول كثير من الشباب المغرر بهم ليعودا إلى أمتهم فيقاتلوا دفاعا عنها عوضا أن يكونوا حطب مشاريع تستهدف الأمة فيما دولهم تمول مضطرة تصفيتهم والقضاء عليهم.

إن الأمر جد لا هزل فيه، فالخطر داهم وزحف القرامطة وحقدهم لا يفرق بين شعوب وأنظمة، والاعتماد على الوعود الدبلوماسية لم يعد مجديا، فالأمريكيون من شجع العراق على غزو الكويت ليدمروه والمنطقة. وبعد عقود من التحالف والعلاقات الوثيقة تم الغدر بدول "صديقة" بصفقة أمريكية-إيرانية كانت وما تزال نتائجها كارثية على المنطقة عموما وعلى السنة بشكل خاص. وما بين عزة الدنيا والأخرة ومجد يسجله التاريخ بحروف من نور وبين النقيض لا قدر، مواقف حاسمة وعواصف حازمة!!

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس