ترك برس

على الرغم من أن العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا تعود إلى فجر الحرب الباردة في خمسينيات القرن الماضي، فقد تدهورت العلاقات بين أكبر جيشين في حلف الأطلسي بسرعة كبيرة، ووصل ذلك إلى حد أن روسيا تقدم في الوقت الحالي أغلب الدعم الجوي للجيش التركي الذي يقود معركة ضد تنظيم داعش في بلدة الباب السورية، وليست الولايات المتحدة.

ويجمع المراقبون على أن الأسباب الكامنة وراء تدهور العلاقات بين الحليفين ترجع  إلى الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للميليشيات الكردية الانفصالية في شمال سوريا، ورفض واشنطن الاستجابة للمطالب التركية المتكررة  بتسليم فتح الله غولن المتهم بتدبير محاولة الانقلاب الساقط، والمقيم في الولايات المتحدة.

ويرى المحلل الاقتصادي البريطاني جورج مارشال أن التعديلات الدستورية التركية التي ستخول الرئيس صلاحيات واسعة، ستمكن الرئيس، رجب طيب أردوغان من تمرير العديد من المشروعات الضخمة التي تحتاج إلى رؤوس أموال ومتعهدين قادرين على توفير مليارات الدولارات، وهنا سيكون أردوغان قادرا على استخدام سلطاته الجديدة للاستفادة من علاقة جديدة مع الصين وإتاحة المجال للشركات الصينية لتصدير رؤوس الأموال والتكنولوجيا إلى تركيا.

وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة تشاينا ديلي الشهر الماضي أن شركة زد تي إيه الصينية العملاقة للهواتف الذكية اشترت 48.8% من شركة الاتصالات التركية تورك تيليكوم، كما استحوذ بنك الصناعة والتجارة الصيني على حصة تبلغ 75.5% من تكستيل بنك التركي مقابل 315 مليون دولار، وهناك مفاوضات مع مستثمرين صينيين لشراء عدد من البنوك التركية.

ويشير مارشال إلى أن الاستثمار الأجنبي الصيني المباشر في تركيا يمكن أن يزيد زيادة ملحوظة في السنوات المقبلة. ووفقا لوزارة التجارة الصينية بلغت قيمة الاستثمارات الصينية المباشرة في تركيا في عام 2016 أكثر من 642 مليون دولار، وهي مجرد بداية حيث إن الصين تواصل العمل في كثير من مشاريع البنية التحتية في تركيا.

وبحسب مارشال فإن المجموعة الاقتصادية في حزب العدالة والتنمية تسعى إلى تحويل التدفقات التجارية من أجل استيراد بضائع من الصين لتغذية الإنتاج الصناعي التركي بسعر رخيص. وخلال السنوات الماضية تمكنت الصين من تجاوز ألمانيا لتصير المصدر الرئيس للواردات التركية، وتذكر سجلات وزارة الاقتصاد التركية أن هناك 786 شركة صينية تعمل في تركيا.

وعلى الرغم من تضاعف إجمالي حجم التجارة بين البلدين عشرين مرة عن معدلاته السابقة، فإن الخلل في الميزان التجاري استمر لصالح الصين مع تجاوز نمو الواردات التركية من الصين على نمو صادراتها إلى حد كبير. وفي حين زادت الصادرات التركية إلى الصين بنسبة 1.6% فقط خلال السنوات الست الماضية، زادت الصادرات الصينية بنسبة 9.7% في المتوسط .

الطريق إلى تعميق العلاقات التجارية بين البلدين قد يصطدم  بالخلاف بين الحكومتين بشأن أقلية الأويغور الصينية التي تربطها علاقات تاريخية وعرقية مع تركيا. فبكين تتهم الأويغور، ومعظمهم من المسلمين، بالرغبة في الانفصال عنها وبضلوعهم في أعمال إرهابية. ومن جانبها، تحافظ تركيا على سياسة الترحيب تجاه المهاجرين الأويغور وتنتقد معاملة الصين لهم. وقد بلغ الخلاف ذروته في عام 2009 بعد أعمال الشغب التي وقعت في مقاطعة شينجيانغ الصينية، مما أدى إلى رد فعل قاس من أردوغان رئيس الوزراء في حينه. وقد هدأت هذه التوترات، وتعهّد الرئيسان شي وأردوغان بتعميق التعاون بينهما في مكافحة الإرهاب.

وفي هذا السياق ينوه مارشال إلى أن مزايا التحالف الاقتصادي الجديد بين تركيا والصين ستجعل البلدين يتجاوزان هذه العقبة السياسية، ويستمران في طريق التعاون، وسيمكن المحور التركي الصيني الرئيس أردوغان من تقليل اعتماده على الولايات المتحدة.

وهنا يبرز السؤال عن موقف الولايات المتحدة من توثيق العلاقات الاقتصادية بين تركيا والصين. يقول مايكل سينج المدير الإداري لمعهد واشنطن، لا ينبغي للولايات المتحدة أن  ترى في توسع العلاقات الصينية - التركية تهديدا بحد ذاته. وفي الواقع، هناك سبب يدعو واشنطن إلى الترحيب بمثل هذا التوسع إذا كان ذلك يسهم في ازردهار تركيا اقتصاديا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!