مركز إدراك للدراسات والاستشارات

أرغم الصراع القائم في سوريا وتوسع نفوذ تنظيم الدولة في العراق والشام الولاياتِ المتحدة الأمريكية على إعادة تقييم استراتيجيتها في الشرق الأوسط، والتعاون مع العديد من الجهات غير الحكومية المسلحة في المنطقة. وفي هذا الإطار اضطرت الولايات المتحدة إلى العمل مع حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب التابعة له في سوريا.

ونتيجة لذلك أثار هذا التوجه حفيظة الحلفاء الإقليميين وعلى رأسهم تركيا ومراقبو الأمن الوطني. وفي هذا السياق اتهمت بعض الجهات الولايات المتحدة بأنها على صلة بحزب العمال الكردستاني وجناحه المتشدد قوات الدفاع الشعبي الكردستاني.

وفي تلك الأثناء صنفت الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والاتحاد الأوروبي حزب العمال الكردستاني وقوات الدفاع الشعبي الكردستاني ضمن قائمة المنظمات الإرهابية؛ نتيجة لتمردهما على الدولة التركية منذ عقود طويلة.

وتصر تركيا على أن حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي وإحدى الجهات الإيرانية التابعة له وهو حزب الحياة الحرة الكردستاني وجناحه العسكري في الشرق، الذي يعرف باسم وحدات حماية شرقي كردستان، هي منظمات تنتمي لنفس المنظمة الأم، مدعية أن الاختلاف في التسميات ما هو إلا محاولة منهم لطمس الدور الذي يضطلع به حزب العمال الكردستاني في سوريا وإيران.

 وعلى عكس ما هو متوقع، يدرك المسؤولون الأمريكيون العلاقة القديمة التي تجمع هذه اللائحة من الأحزاب بعضها ببعض. بيد أنها تصنف حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردي على أنهما حزبان مختلفان بموجب القانون الأمريكي.

وبالرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية قد صنفت حزب الحياة الحرة الكردستاني على أنه تنظيم إرهابي لأنه امتداد لحزب العمال الكردستاني، إلا أن الوضع المتأزم في سوريا استدعى قبولها بالتعاون العسكري مع هذه المنظمات.

فضلاً عن هذه النقطة الخلافية، فإن للتعاون العسكري مع هذه المنظمات أهميةً استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة5.  ومن ثم فمن الضروري أن نفهم أولاً العلاقة القائمة بين حزب العمال الكردستاني والجماعات الإقليمية التابعة له، قبل أن نتطرق لعلاقة الولايات المتحدة بهذه المنظمات.

هذا التقرير سيحلل طبيعة العلاقة القائمة بين حزب الحياة الحرة الكردستاني وقوات الدفاع الشعبي الكردستاني ووحدات حماية الشعب؛ وذلك بغية تحديد مستويات التعاون بينها، وكيف تطورت هذه العلاقة مع مرور الوقت. وسيبرهن هذا التقرير أن كلاً من حزب الحياة الحرة الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي ليسا إلا امتداداً لحزب العمال الكردستاني، بعدما طرد هذا الأخير من سوريا في سنة 1998.

 والجدير بالذكر أنه قد وقعت تغيرات كبيرة في بيانات “قتل في المعركة”، التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بإنشاء حزب الحياة الحرة الكردستاني وبداية الصراع بينه وبين إيران، وتزايد وتيرة العنف في تركيا، والصراع السوري، بالإضافة إلى وقف إطلاق النار بين تركيا وحزب العمال الكردستاني.

وتشير هذه التغيرات إلى أن العلاقة بين حزب العمال الكردستاني وأتباعه نشأت تحت عباءة الوحدة الاستراتيجية والعملياتية، التي تعمل بالتوازي مع مستوى معين من الحكم الذاتي التكتيكي لهذه المنظمات.

وتظهر بيانات الوفيات التي وُجدت في صفوف الجيش “قتل في المعركة” بالتوافق مع عديد من الأدلة، أنه من السذاجة أن نميز بين الأفراد التابعين لحزب العمال الكردستاني والجهات الأخرى الموالية له؛ نظراً لأن أغلبهم يتنقلون بين نفس الوحدات والجبهات؛ بغية تلبية الاحتياجات التنظيمية والاستراتيجية لحزب العمال الكردستاني.

 ومن اللافت للنظر أن الجهات التابعة لحزب العمال الكردستاني لا تعمل فقط على مساعدته في إنشاء منظمات إقليمية أخرى، بل هي أيضاً جزء لا يتجزأ من جهازه الاستراتيجي إذ تشرف مباشرة على قيادة بعض الوحدات المهمة.

وكان الصراع السوري والإيراني بمنزلة جبهات عسكرية استغلتها هذه المنظمات لشن حملات إقليمية موحدة؛ بهدف الظفر بحكم ذاتي للأكراد.  ولعل أبرز المتورطين في هذه الحملات هو حزب العمال الكردستاني.

ومن المرجح أن حزب العمال الكردستاني ليس له فروع حقيقية، بل ثلاث جبهات وثلاث تسميات مختلفة لتلك الجبهات. وفي الوقت نفسه تتمتع هذه الجبهات الثلاثة بنفس القيادات والإيديولوجيات، وحتى نفس التاريخ الإرهابي.

وعلى غرار الأحزاب الكردية الكبرى الأخرى، حزب العمال الكردستاني لا يمكن اعتباره منظمة متجانسة. ففي أعقاب القبض على مؤسس حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، في سنة 1999، ظهرت مراكز ثقل جديدة في الحزب؛ فمن جهة يقود الحزب الموالون لأوجلان، ومن جهة أخرى بقية قيادات الحزب في جبل قنديل والعراق.

ومن الملفت للنظر أن أوجلان واصل مهامه زعيماً للحزب  من موقعه في السجن، وهذا في حد ذاته موضوع متشعب ويستحق البحث فيه.

وفي هذه المادة سأعرض التناقض الصارخ في الدور القيادي لأوجلان إثر سنة 1999 وبقية القيادات الأخرى في جبل قنديل. وجدير بالذكر أن هناك تنافساً بين مختلف القيادات والأجيال داخل حزب العمال الكردستاني. في المقابل لن يتطرق التقرير للقيادة الشخصية لهذا الحزب، كما أنه لن يصنف حزب الحياة الحرة، وحزب الاتحاد الديمقراطي، وحزب العمال الكردستاني على أنها منظمة واحدة متجانسة. بل على العكس؛ يطمح الباحثون القائمون على هذا التقرير إلى بناء فهم وظيفي واضح للعلاقة القائمة بين حزب العمال الكردستاني والجهات التابعة له، وسيبين التقرير أيضاً التفاعل بين هذه الجماعات ومدى وحدتها.

 ويناقش هذا التقرير علاقات القيادات في هذه الأحزاب، ويسلط الضوء على أجواء القطيعة فيما بينها والهيئة القيادية المنقسمة في جبل قنديل.

إن التحليل الذي سيقدمه هذا التقرير لن يتخطى حدود شرح البيانات من حصيلة الأشخاص الذين قتلوا في المعارك “قتل في المعركة”، وذلك بالتوازي مع التحليل الذي قدمته كل من وزارة الخزانة الأمريكية عن حزب الحياة الحرة، ومجموعة الأزمات الدولية عن وحدات حماية الشعب، والمقابلات التي أجريت مع كبار المسؤولين العسكريين الأتراك، والمقالات التي نشرت من قبل الصحفيين الذين عاينوا الأوضاع في جبل قنديل.  بالإضافة إلى بعض الأدلة الأخرى والتي ستذكر لاحقاً في التقرير.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!