مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس

قال الرئيس التركي الطيب أردوغان : ( يقولون أردوغان يبني مجدا لنفسه !.

قلت: أردوغان ليس مخلدا، أردوغان فاني !.أردوغان لا يضمن أن يبقى ل 16 نيسان/أبريل المقبل !).

هكذا كان رد الرئيس التركي على من يروج  بأن التعديلات الدستورية التي سيستفتى فيها الشعب التركي نسيان المقبل هدفها تحقيق أحلام الطيب أردوغان في استمرار في السلطة، والسيطرة على مؤسسات الدولة.

إن قادة العدالة والتنمية التركي برهنوا طيلة 15 عاما أنهم من الساسة الوطنيين الذين تنطبق عليهم قولة المفكر والسياسي شكيب أرسلان: ( الوطني يفكر بالأجيال القادمة، أما السياسي فيفكر بالانتخابات القادمة).

وأدلة هذا الأمر كثيرة، أقوها الرؤية الاستراتجية لنهضة تركيا "2023 -2053 2071" والتي اعتمدها حزب العدالة التنمية منذ وصول للحكم، والتي تسعى للوصول بتركيا إلى مصاف الدولة المتقدمة على جميع الأصعدة، هذه الرؤية لا تستهدف تحقيق مصالح المواطن التركي في الحاضر، بل لتحقيق مصالح الأجيال القادمة من الأتراك .

هذه الرؤية الاستراتجية وما نتج عنها من مشاريع كبرى وإنجازات تنموية عظيمة لم يكن هدفها غرض انتخابي أو غاية سياسة تجعل العدالة والتنمية يستمر في السلطة لسنوات طويلة، إنما كانت تستهدف إكرام الشعب التركي وإخراجه من حال الهوان والذل التي عاشتها لعقود من حكم سلطة الانقلابات، وتحكم المؤسسة العسكرية في جميع مفاصل الدولة التركية.

صحيح أن العدالة التنمية التركي حقق نجاحات انتخابية كثيرة ومتنوعة، حيث فاز في الانتخابات التشريعية عام 2002- 2003 -2007 -2011-2015، وفي الانتخابات البلدية 2004- 2009-2011 واستفتاءين 2010 -2014، و في الانتخابات رئاسية عام 2014.

الفوز في هذه الاستحقاقات كانت نتيجة طبيعية للإنجازات المتتالية التي عرفتها تركيا منذ أكثر من عقد، لكنها لم تكن هدفا في حد ذاته للحزب وقادته،  لأن الشعب التركي نظر للعدالة والتنمية على أنه الأمل والحزب المخلص من مما وصلت إليه تركيا، "تركيا الأزمات والنكسات" ، والحزب لم يخيب ظن الأتراك وكان في مستوى الأماني والتطلعات.

هذه الثقة التي منحها الشعب التركي للحزب كانت نتيجة يأس من واقع حالك، لخصه الكاتب التركي "ماركار أسيان" في مقاله "روح 2002 ورؤية 2023"  بالعبارات التالية : ( في الثمانينات كنت طفلاً وفي التسعينات أصبحت شاباً، كانت لا توافق شخصيتي كل من صفات اليأس والهزيمة والتشاؤم، ولكن كنت أرى تلك المواصفات هي الرائجة في بلدي وأحزن كثيراً لأجل ذلك، الأكثرية القاهرة هي التي كانت تحمل قناعة أن "بلدنا خالية من الرجال ولن يتغير وضعها "، لقد كنت أحزن حزناً شديداً تجاه هذه القناعة، ليست تلال القمامات هي الوحيدة التي ملأت الشوارع في ذلك الوقت بل مشاعر اليأس وقلة الثقة كانت أيضاً هي المسيطرة على النفوس..كنا لا نستطيع أن نرفع رأسنا بسبب كثرة الازمات الاقتصادية، وأما الشعب فإنهم كانوا يحاولون رمي أنفسهم إلى الخارج بأية طريقة كانت و بالأخص الشباب).

اليوم خرجت تركيا من حال "الأزمات والنكسات" وانتقلت إلى مصاف الدول المتقدمة والتي تحقق الاكتفاء الذاتي في غالب المجالات التي يمكنها تحقيقه فيه، بفضل الانجازات والمشاريع الكبرى التي حققتها الحكومة التركية طيلة 15 عاما.

فكان دائما يكافئ من الشعب التركي بأغلبية مريحة في جميع الاستحقاقات الديمقراطية التي خاضها،  قال "ماركار أسيان":(حزب العدالة قدم أعمال عظيمة واستطاع تغيير رؤية دولة بأكملها، لم يخسر أي شيء من قيمته واستطاع المحافظة على أساسه السياسي رغم كل المداخلات المبذولة ضده، ظل واقفاً على رجليه رغم كل الصعاب،  ونتيجة ذلك أنه أصبح إرادة الشعب والصندوق والانتخابات هو صاحب الدور الحازم في هذا البلد).

إنجازات العدالة والتنمية أنقذت دولة وشعبا وحضارة حكمت العالم بقيمها ومبادئها الرفيعة، وكانت تجربة ناجحة لحزب سياسي يحافظ على قيمه الإسلامية وهوية الحضارية واللغوية ، مع الانفتاح على العالم واستفاد من مخرجات الحضارات الأخرى، وحتى عام 2023 واكتمال الجزء الأول من الرؤية الاستراتيجية الثلاثية، لاشك أن  التجربة التركية ستصبح "أنموذج" يقتدى به عربيا وإسلاميا وعالميا، كباقي النماذج الناجحة التي عرفها العالم في العقود الأخيرة.

لقد حقق العدالة والتنمية ما يسعى له كل حزب سياسي وقادته، بحماية  مصالح الأتراك الأنية، والعمل على حفظ مصالح ومستقبل الأجيال القادمة، وتسليمها وطنا قويا ذا زعامة ونهضة.

فإنجازات العدالة والتنمية لا تستهدف مطامع انتخابية ومصالح اقتصادية ضيقة، وإنما خدمة وطن وحضارة ودين وأمة تستحق كل هذه التضحيات والإنجازات.

تجربة العدالة والتنمية في الحكم تجربة ناجحة مليئة بالنجاحات والانجازات وأقوى هذه الانجازات هي ربط الحاضر بالمستقبل، وربط أجيال اليوم - اباء وأجداد الأجيال القادمة- بهويتهم وتاريخهم، وفتح الطريق أمامهم من أجل الاستمرار على طريق السلف الأوائل، مع تسليم  هذه الأجيال وطنا ناهضا قويا.

 تركيا اليوم تستحق لقب الدولة الناجحة، دولة كما تمنها السلطان محمد الفاتح رحمه الله تعالى حينما قال : ""أن الدولة التي لاتخدم مواطنيها ليست دولة"".

عن الكاتب

مولاي علي الأمغاري

باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب، ومهتم بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس