يكاترينا تشولكوفسكايا - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

تشهد العلاقات التركية الروسية العديد من التطورات، حيث أن الأجواء بين هذين البلدين أصبحت مشحونة ببعض المواضيع الشائكة والحساسة. ومن أحد المواضيع المهمة التي طفت، مؤخرا، على سطح العلاقات التركية الروسية هي قضية القرم.

ففي يوم 18 آذار/ مارس، نشرت وزارة الخارجية التركية بيانا حول الذكرى الثالثة لاستفتاء القرم. وقد جاء في نص هذا البيان التالي: "لقد مرّت ثلاث سنوات منذ ضم الاتحاد الروسي جمهورية القرم المستقلة في أوكرانيا، بعد إجراء استفتاء غير شرعي، عُقد يوم 16 آذار/ مارس سنة 2014. ونحن نؤكد من جديد أننا لا نعترف بضمّ القرم إلى روسيا، نظرا ما يمثّله من انتهاك واضح للقانون الدولي."

كما أكّدت أنقرة، في هذا البيان، دعمها لسلامة ووحدة أراضي أوكرانيا قائلة إن "تركيا ستواصل متابعة الوضع في شبه جزيرة القرم عن كثب، والدفاع عن حقوق ومصالح أتراك تتار القرم، الذين يمثلون عنصرا أساسيا في بناء مجتمع شبه جزيرة القرم". وقبل أيام قليلة من إصدار تركيا لهذا البيان، زار رئيس الوزراء الأوكراني، فلاديمير غروسمان تركيا، يوم 14 آذار/ مارس.

وخلال زيارته، التقى غروسمان برئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، ورئيس البرلمان التركي، إسماعيل كهرمان. فضلا عن ذلك، استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غروسمان، وناقش معه العديد من القضايا الاقتصادية والسياسية المهمة، علاوة على أنهما تطرقا إلى مشكلة القرم، وتتار القرم. ومرة أخرى، أعربت السلطات التركية عن تأييدها الكامل لهذه الجماعة الإثنية.

وليس من قبيل الصدفة، أن يرافق رئيس الوزراء الأوكراني الزعيم السابق للجمعية الوطنية لتتار القرم، مصطفى سيميلف، الذي يشغل في الوقت الحالي، منصب نائب للبرلمان الأوكراني. وفي الواقع، يُعرف سيميلف على الساحة السياسية التركية، باسم مصطفى عبد الكريم كيريموجلو "ابن القرم". وقد حضر سيميلف مع غروسمان افتتاح معرض للصور في أنقرة، حول ترحيل القرم التتار من شبه جزيرة القرم، خلال حكم الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين.

وخلال مراسم افتتاح هذا المعرض، ألقى نائب رئيس البرلمان التركي،  أحمد أيدين، كلمة قال فيها إن "تركيا ستواصل رفع مشكلة شبه جزيرة القرم إلى الساحة الدولية". وأضاف أن "موقفنا الرسمي من القرم وتتار القرم واضح، ولن يتغير تحت أي ظرف من الظروف". وفي الحقيقة، جاء بيان وزارة الخارجية وزيارة الوفد الأوكراني بعد الزيارة التي أدّاها الوفد التركي، الذي قاده أردوغان، إلى موسكو، يوم 11 آذار.

وكانت نتائج هذه المحادثات التركية الروسية غامضة بعض الشيء، نظرا لأن السلطات التركية غادرت العاصمة الروسية مع عدد من الاتفاقيات الموقعة. ولكنها عادت، في نفس الوقت، إلى تركيا وفي جعبتها بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، بعد أن أسقطت تركيا طائرة روسية، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، بالإضافة إلى أنها لم تتلق أي  توضيح  أو قرار يُعنى بموضوع الأكراد السوريين.

عموما، ترى أنقرة أن أعمال موسكو في القرم  تعتبر انتهاكا للقانون الدولي وغير مشروعة. ومع ذلك، يعتبر موقف تركيا من شبه جزيرة القرم أقل حدّة من موقف أوروبا والولايات المتحدة تجاه هذه القضية. ففي سنة 2014، رفضت الحكومة التركية فرض عقوبات على موسكو، حتى إنها وقّعت مع موسكو على اتفاقية خط أنابيب الغاز التركي، في شهر كانون الأول/ ديسمبر، خلال زيارة أدّاها بوتين إلى تركيا.

من جهة أخرى، تُنصّب أنقرة نفسها الحامي الرئيسي لتتار القرم الذين يمثلون مجموعة عرقية تركية كانت تقيم، منذ القديم في شبه جزيرة القرم. وبعد سنة 2014، غادر بعضهم شبه جزيرة القرم وانتقلوا إلى أوكرانيا في حين، ظلّ آخرون في شبه الجزيرة وتمكّنوا من الحصول على جوازات سفر روسية.

وفي الحقيقة، تسعى تركيا إلى البقاء على صلة مع تتار القرم. ولذلك، كانت السلطات التركية غالبا ما تجتمع مع قادتهم، بما في ذلك سيميلف. وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر، أعلنت وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) تأسيس مركز القرم للتتار الثقافي، في العاصمة الأوكرانية، كييف.

يتركز الشتات الكبير لتتار شبه جزيرة القرم في تركيا، فضلا عن أنه يلعب دورا كبيرا على الساحة السياسية التركية. ووفقا للعالم التركي من معهد الدراسات الشرقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، "كيريل فيرتييف"، فإن هناك أكثر من ثلاث ملايين من تتار القرم، أو أتراك لهم جذور تترية قرمية، في تركيا.

وأحيانا، يحاول تتار القرم الأتراك جذب الانتباه إلى قضية القرم من خلال تنظيم مظاهرات مناهضة لروسيا، كان آخرها يوم 25 فبراير/ شباط في أنقرة، عندما احتج العشرات أمام السفارة الروسية، ووضعوا إكليلا من الزهور خارج مبنى السفارة. والجدير بالذكر أن هذه المظاهرة نُظمت من قبل مجلس تتار القرم.

في هذا السياق، صرّح رئيس مجلس الإدارة، تونجر كالكان، أن "تتار القرم لن يتراجعوا أبدا ولن يستسلموا". وقال ناشط آخر، يُدعى غوركم أكبولوت، إن روسيا "قامت بغزو شبه جزيرة القرم وخرق القوانين الدولية وحقوق الإنسان". أما في 25 شباط، استضافت كييف محفلا دوليا لمدة يومين، بعنوان "شبه جزيرة القرم تحت الاحتلال: بسبب أوكرانيا والعالم". وأشار سفير تركيا لدى أوكرانيا، يونيت تيزيل، خلال هذه المناسبة الدولية إلى أن "تركيا سوف تواصل دعمها لتتار القرم، الذين يسكنون في شبه جزيرة القرم".

وفي يوم 27 شباط، قال كبير مستشاري الرئيس التركي، إلينور تشيفيك، إن تركيا تعرف أن تتار القرم يواجهون ضغوطا كبيرة وهي تحاول نقل هذه الرسالة إلى السلطات الروسية. وردًا على ذلك، قال زور سميرنوف، رئيس لجنة الشؤون العرقية والمواطنين المبعدين في شبه جزيرة القرم، إنه "ليس هناك ما يدعو للقلق".

علاوة على ذلك، دعا سميرنوف السلطات التركية لمشاهدة كيفية معاملة تتار القرم في شبه الجزيرة. كما ذكر سميرنوف أن بوتين وقّع، خلال سنة 2014، مرسوما بشأن إعادة تأهيل تتار القرم يهدف إلى "استعادة العدالة التاريخية، وإلغاء عمليات الترحيل غير القانونية [للمجموعات التترية]، ووضع حد لانتهاكات حقوقهم".

على الرغم من الخطوات الروسية والتركية السريعة والمتبادلة من أجل إعادة تطبيع العلاقات، بين موسكو وأنقرة، لا يبدو أن أنقرة تسعى إلى ربط علاقات وطيدة مع تتار القرم الذين يعيشون، اليوم، في شبه جزيرة القرم الروسية، حيث أنها تراهم مجرّد دمًى موالية لروسيا، وبدلا من ذلك هي تدعم تتار القرم الذين غادروا شبه الجزيرة.

وفي هذا الصدد، قال فيرتييف خلال حوار أجراه مع  موقع "المونيتور" إن "تتار القرم يعدون بمثابة نقطة الخلاف الروسية التركية، ولا أحد يعلم، إلى حدّ الآن، كيف سيتم استخدام هذه القضية في المستقبل". في المقابل، كان الخبير التركي في روسيا وأوراسيا، "كريم هاس"، أكثر إيجابية فيما يتعلق بمدى تأثر العلاقات الروسية التركية بمصير تتار القرم، حيث قال إن "تركيا يمكن أن تكون شريكا هاما لروسيا، ما من شأنه أن يساعدها على تطوير شبه جزيرة القرم".

في المقابل، ما يحصل على الساحة الإقليمية يُظهر أن تركيا لا تبدو، في الوقت الراهن، شريكا لروسيا. سواء كان ذلك عن طريق الصدفة أو بطريقة متعمّدة، أعلنت تركيا بعد يوم من مغادرة أردوغان موسكو، أنها "ستقطع خدمات العبّارات" مع شبه جزيرة القرم. وقبل أسبوعين، قامت بوقف تسليم البضائع التركية، والمواد الغذائية إلى شبه الجزيرة، دون أي سبب يُذكر.

وعلى الرغم من أن هذه الخطوة أربكت الجانب الروسي، إلا أنها لاقت استحسان أوكرانيا، حيث أن غروسمان وصف قرار تركيا بأنه "إشارة لبداية صداقة بين أوكرانيا وتركيا". بالإضافة إلى ذلك، خلال الاجتماع الذي عُقد مع غروسمان، قال رئيس الوزراء التركي، يلدرم إن "تتار القرم يمثّلون جسرًا للصداقة بين تركيا وأوكرانيا".

ولكن يلعب تتار القرم في روسيا، دورا مختلفا جدا فهم يشبهون البراكين الخامدة، التي توقّف نشاطها البركاني تمامًا منذ فترة زمنية طويلة، ولكنه يمكن أن يثور في أي وقت، واعتمادا على الظروف الخارجية. وفي الحقيقة، يمكن أن تتأجج نار هذا البركان في الوقت الراهن، بسبب الوضع المتغيّر باستمرار في سوريا، خاصة إذا اقترحت روسيا حصول الأكراد السوريين على الاستقلال الذاتي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس