د. سمير صالحة - خاص ترك برس

كتابات يتزايد عددها في بعض وسائل الإعلام العربي، سنّنت الأقلام فيها لمهاجمة تركيا وقياداتها والحراك السياسي والدستوري الحاصل في هذه الأيام. بعض هذه الأقلام نعرفها وتعرفنا جيدا ونحن تعودنا عليها، فهي تستفيق من سباتها بين الحين والآخر لتحلل "بموضوعية" الشأن الداخلي التركي بناء على مصادر معلومات "موثوقة" تعتمد عليها من داخل تركيا وخارجها. بينها من يقدم نفسه على أنه ليبرالي وآخر يساري وثالث قومي ورابع إسلامي معتدل. هذا الحماس الكبير عندهم للكتابة حول تركيا سيتزايد طبعا كلما اقترب تاريخ 16 نيسان/ أبريل موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي سيذهب المواطن التركي لقول رأيه فيها بين التأييد والرفض. قرروا هم أن يكونوا أول المستفتين ومن يقول كلمته في المسألة. لا مشكلة في ذلك. المشكلة هي أن ما يقولونه موجه إلى القارىء العربي، بينما النصائح والإرشادات وكذلك التطاول والإهانات في كتاباتهم تعني الأتراك وقياداتهم، فيما هم أي الأتراك لا يعرفون أي شيء عنها.

يحاولون أن يقنعوا القارىء العربي باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمشاركة السياسية التي ينظرون فيها أن حزب العدالة والتنمية والحكومة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان يقودون الشعب التركي نحو الهاوية بسبب هذه التعديلات الدستورية التي ستبعد تركيا عن مسارها الديمقراطي، وتؤدي إلى القطيعة الكاملة مع أوروبا، وتقود السياسة التركية الإقليمية إلى طريق مسدود. لكن البعض لم يتمالك نفسه فأخذ يهدد وهو يعتقد أنه يحذر وتبنى لغة السخرية الممزوجة بالإهانة وهو يتحدث عن القيادات السياسية التركية ورموزها. تركنا وجها لوجه في مسألة التعامل والتعقيب على كتابات بعض أصحابها هم أصدقاء وزملاء وإخوة فكان الله في العون.

الرئيس التركي يقول لأوروبا "طالما واصلتم وصفي بالديكتاتور سوف أستمر بوصفكم بالنازية والفاشية". هم يقولون لنا ولقرائهم "نحن العرب من سيدفع ثمن تصعيد أردوغان". هدفهم الأول إبراز "دكتاتورية أردوغان" رغما عن الشارع والناخب والمواطن التركي، ويبدو أنهم ينسون ما قاله أردوغان أكثر من مرة حول جمهوريات الموز. وهدفهم الآخر هو إقناع الرئيس التركي بأن يقبل بفكرة الدكتاتورية التي لا تعني لهم الكثير على ما يبدو وأن يرضخ لما يقوله ويردده بعض الأوروبيين الذين تعودوا على أن يطلقوا هم التوصيفات ونقبل نحن بها. ألن ينتظروا قرار الشعب التركي بعد 3 أسابيع لنتأكد إذا ما كان هو الآخر يوافقهم على آرائهم؟

المعادلة عندهم في غاية البساطة: كرامتنا باتت تحت رحمة أموال الغرب وجزء من مصالحه السياسية والتاريخية والدينية، فليسلم أردوغان بهذه الحقيقة لأنه هو الخاسر الأخير سواء قبل ذلك أم لم يقبل.

ويرد أردوغان: "يقول العرب في مثل شعبي جميل "من دقّ دُق"، ونقول لأوروبا إننا نتصرف معكم بنفس المعاملة التي تتصرفون بها معنا". أغضبتهم على ما يبدو استعارة الرئيس التركي لهذا القول العربي وهو يرد من خلاله على هولندا وألمانيا وسويسرا الذين فتحوا الطريق واسعا أمام معارضي الاستفتاء والتعديلات الدستورية  فسارعوا لتحذير الشعب التركي "من مخطط أردوغان وأحلامه التي ستقود البلاد نحو الكارثة".

بين ما تلمح إليه هذه الأقلام: أوروبا لا يمكن مقاومتها نحن نعرفها جيدا وعدت خلال الحرب العالمية الاولى بعض المتعاونين معها بالاستقلال والحرية من الحكم العثماني فكانت خارطة سايكس بيكو والانتداب ومشاريع التفتيت بديلا لوعود الوحدة. أردوغان يرد بأنه يعلم أن نعوت النازية والفاشية تُزعج الدول الأوروبية ولهذا السبب يستخدمها، وأنه مستعد لدفع الثمن "إما أن تأخذني إسطنبول وإما أكون أنا من يأخذها" كما قال السلطان محمد الفاتح على أبواب القسطنطينية، فيتحرك آلاف الشباب في مهرجان شعبي يتكرر يوميا في هذه الآونة ليرد على رئيسه "الشهادة أيضا بين الخيارات في الإسلام". ربما تجاوزت هذه الأقلام مسألة الشهادة واستبدلتها بإهانة من يقف إلى جانب أردوغان ويدعمه في العالم الإسلامي إرضاء لمن ساهم في نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان وساهم في بناء العدالة والمساواة في دول المنطقة من الجناح الغربي؟

يختار أردوغان أماكن مهرجاناته وندواته بكل دقة وعناية. كل تجمع له رسائله. مرة يتحدث عن الإنجازات الاقتصادية "تركيا متمسكة بالجلوس بين الدول العشر الكبرى"، ومرة أخرى عن التحولات في الخطط والبرامج التعليمية "34 جامعة قبل 15 سنة مثلا، و150 جامعة اليوم"، ومرة ثالثة عن المشاريع الإنمائية العملاقة، ورابعة عن قرارات تضييق الخناق على المؤسسات التي احتكرت السلطة والقرار لعقود في تركيا تحت غطاء الذود عن العلمانية. هو يتحدث عن المواجهة المكلفة في موضوع الحجاب مثلا. "الحجاب تم إطلاق سراحه... المحجبة تزاول مهنة التعليم والمحاماة والطبابة وتدخل بحجابها إلى بيوت الضباط التي كانت مغلقة في وجهها".

أردوغان يقول أيضا: "باسم حرية الرأي والتعبير هم صوبوا المسدس نحو رأسي في سويسرا"، وهذه الأقلام ترى أم معركة تركيا مع الغرب خاسرة وأنه هو الذي سيتراجع ويعتذر لأن تركيا تحتاج أوروبا أكثر مما تحتاجها هي. رد الرئيس التركي قد يعني الجانبين معا "هم يعيشون في عصر الجاهلية".

استدعى الاتحاد الأوروبي السفير التركي في بروكسل لطلب توضيحات حول تصريحات لأردوغان اعتبرت أنها تحتوي على تهديد مباشر لأمن المواطنين الأوروبيين، وجدد أردوغان التأكيد على أن "صبر تركيا له حدود حيال المواقف العدائية الصادرة عن دول أوروبية فلا يمكن قبول إساءات لبلادنا وشعبنا ودبلوماسيينا ووزرائنا". هذه الأقلام لم تتعود على مواجهات من هذا النوع مع الغرب ربما. التاريخ التركي حافل بمثل هذه المواقف لا تخافوا أوروبا. بعض الشجاعة والحماس قد يحملهما لكم مسلسل أرطوغرول مثلا إذا ما أصغيتم لرجب طيب أردوغان؟

قال وزير المال الألماني وولفغانغ شويبله إن الرئيس التركي الذي اتهم المستشارة أنغيلا ميركل "بانتهاج أساليب نازية" ضد الأتراك في ألمانيا يعيد اندماج هؤلاء الأتراك هناك سنوات إلى الوراء.

هذه الأقلام يخيفها أردوغان أكثر برده على الوزير الألماني "أنتم فاشيون... أنتم هكذا. إذا رسمتم الصلبان المعقوفة على جدران مساجدنا ولم تحاسبوا عنها أحداً فإنكم لا تستطيعون أن تنزعوا عنكم هذه الوصمة". قد يكون هناك ثمنٌ يُدفع لكن أردوغان يقول: إن "كفني على كتفي."

قناعة جهاز الاستخبارات الألماني ولجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان الإنكليزي هي أن أشخاصًا من جماعة غولن محتملًا شاركوا في المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، لكن قناعة أن تنظيم الجماعة هو الذي يقف وراء المحاولة لم تكتمل.

هم لم يقتنعوا لأن قيادات الجماعة ورموزها في عواصمهم يحتاجون إليها ولن يتخلوا عن شجرة مثمرة من هذا النوع في مشروع استهداف الداخل التركي واضعافه وتفتيته لكن قناعة أصحاب هذه الأقلام هي أن ما يقوله أردوغان ويفعله يطيح بمسار العملية الديمقراطية في تركيا. أيهما أقرب إلى العقل والمنطق والواقع؟

هم يقولون إن ما يقوم به أردوغان يتعارض مع المعايير الأوروبية ويهدد مسار العلاقات ومسألة العضوية التركية في الاتحاد الأوروبي. وأردوغان يقول: "انتظروا لما بعد الاستفتاء لأن احتمال إجراء استفتاء آخر على موضوع مصير الرغبة التركية في الالتحاق بهذه المنظومة قضية غير مستبعدة. فالفكرة لم تعد تجذب الأتراك كما كان الوضع قبل 20 عاما مثلا. نحن أعطيناهم ما يريدون في الاتفاقية الجمركية التي عملت باتجاه واحد لصالحهم ماليا وتجاريا واقتصاديا، وهم أعطونا وعودا فقط تماما كما فعلوا في اتفاقية اللجوء الموقعة في آذار العام الماضي وأنجز منها الجوانب والتعهدات التركية فقط .

مصادر أخبار هذه الأقلام مشبوهة في غالبيتها. بعضهم مصادره هي إعلام معارض في الداخل التركي يقول الحقيقة التي تناسبه فقط، وبعضهم يحصل عليها من "أصدقاء" لهم هربوا إلى خارج تركيا بعد فشلهم في إنجاز المهمة الموكلة إليهم في أحياء النعرات وإشعال الفتن وعرقلة مشروع الصعود التركي فانبروا هم للدفاع عن حقوق الأتراك وتحذير أو تهديد الحكومة والرئيس التركي من نتائج ما يفعله.

أقلام تقول مثلا إن مشروع الدستور الجديد يُلغي موقع رئيس الحكومة وينقل (كل!) الصلاحيات إلى رئيس الجمهورية، وهي تهمة غير صحيحة لأن البرلمان سيشارك الرئيس مباشرة في تقاسم الصلاحيات وعملية الرقابة.

وترى هذه الأقلام أنه بين صلاحيات الرئيس حقّ فسخ البرلمان. يضعون نقطة هنا ولا يكملون العبارة طبعا: أن الرئيس يرحل هو الآخر مع البرلمان حسب التعديلات الجديدة. وهذا يعني باختصار أن صلاحية رئيس الجمهورية بفسخ البرلمان، تتضمن ذهابه إلى انتخابات جديدة إذا كانت مدته الدستورية تسمح له بذلك. ناهيك عن التغيير المهم في مادة الدستور الحالي التي تعطي الرئيس الحصانة القانونية الكاملة ولا تحمله أية مسؤولية عن أفعاله وقراراته، ولكن مع التعديلات الجديدة سيكون مسؤولا أمام البرلمان الذي يستطيع أن يعزله أو يطالب بمحاكمته.

وتعتبر أن القانون المعدل سيضعف دور المجلس الأعلى للقضاة والمدعين ويعزله ويقوي قبضة السلطة السياسية عليه، ناسين أن التغيير سيجعل من البرلمان شريكا أساسيا في اختيار أعضاء مجلس القضاء الأعلى.

إطلاق يد الرئيس في الهيمنة على مجلس القضاء إلا على تهمة باطلة لأن البرلمان والمؤسسة القضائية نفسها ستشكل أضلاع المثلث الذي يختار ويراقب ويقرر. شخصنة الجسم القضائي في دولة مثل تركيا وربط مصيرها بالرئيس التركي كما يحاول أن يقول البعض ليست ساحة دمى للعب الأطفال فهناك آلاف رجال القانون الذين تعلموا الدرس حتما بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة وتخلصوا من هيمنة جماعة غولن والذين لن يقبلوا بأي تدخل أو مساس في صلاحياتهم واستقلاليتهم.

التعديلات الدستورية نريدها في تركيا فرصة لإطلاق يد القضاء باستقلالية وحصانة ونزاهة وتجرد بعدما اخترقتها جماعات الكيان الموازي وتوغلت فيها تتلاعب في التعيينات والإقالات وملفات الدعاوى الكبرى السياسية والتجارية والرياضية بحسب مصالحها ومنظومة علاقاتها.

من الممكن أن نذرف الدموع على السلك القضائي التركي والقضاة الذين أوقفوا بالمئات، وجميعنا كان يتمنى أن لا تصل الأمور إلى هذه الدرجة من التوتر، لكن الاعترافات تقول شيئا آخر حول حجم التوغل والهيمنة على مفاصل هذه المؤسسة العريقة ومحاولة التلاعب بها وما نشرته من فساد ومحسوبيات وشرذمات.

المطلوب الآن هو الإسراع قدر الإمكان في المحاكمة والفصل بين المذنب والبريء لنتعرف جميعا على حجم الأضرار التي لحقت بالمؤسسة القضائية وتطهيرها ويأخذ كل ذي حق حقه.

أردوغان "الدكتاتوري" خرج ليلة الانقلاب من مطار إسطنبول والآلاف تنتظره. تضامنت معه الملايين في الساحات والميادين لشهر كامل. قال دائما الكلمة هي للمواطن وللناخب وللشعب. هو حتما سيقبل بإزاحته عبر صناديق الاقتراع، لكنه لن يقبل الرحيل والاستسلام للانقلاب كما حدث مع قيادات سياسية أخرى في تركيا إبان التجارب المشابهة السابقة. كان من الأفضل أن تتركوا الشعب التركي يقرر في منتصف الشهر المقبل ما يريده وتثقوا بقدرته على التمييز والاختيار فيما يريد، إذا لم نرد القول إن الموقف الأخلاقي كان يتطلب احترام المشهد التركي الذي يتفاعل منذ 8 أشهر بدل "شهر" الأقلام دفاعا عن حقوق الشعب التركي عربونا على رد الجميل!

مسموح مطاردة الرئيس التركي عبر مجموعة من الخونة بالسلاح المدجج بهدف قتله لكن غير مسموح له أن يرد الاعتبار لموقع الرئاسة ولتركيا.

القرار يعود للشعب التركي وحده في موافقته على إجراء هذه التعديلات، أو الاعتراض عليها، والمسألة أبعد من تحقيق طموحات شخصية فتركيا أكبر وبكثير من أن لا تعرف أين تكمن مصلحتها وتربطها بمصير شخص واحد مهما قدم لها من خدمات. أخطاء ترتكب وسترتكب وسط هذه الحالة الاستثنائية التي تعيشها تركيا اليوم. هناك من يحذر من محبته ورهانه على الدور الإقليمي التركي وكلامه مسموع دائما، لكن البعض من الداخل والخارج يحاول استغلال الظروف للتطاول والإهانة والتخوين، وهذا ما لن يقبل به الأتراك.

تركيا قد تفقد قلما محبا ثم تعود لتكسبه مرة أخرى عندما تتوضح الصورة وحقيقة ما يجري، لكن تركيا أيضا لا يمكنها تجاهل من يسيء إليها بدافع الحقد والغيرة ومصالح شخصية لم يصل إليها تحت شعار التصدي للدكتاتورية القادمة وحماية النموذج التركي متجاهلين كل هذه "الفوضى الخلاقة" التي تتمسك بإنهاء "رجلهم المريض" الذي أغضبهم أنه تعافى ووقف على قدميه على مستوى المنطقة ككل في العقد الأخير فأرعبهم المشهد.

تركيا وجدت في الأسابيع الأولى للمحاولة الانقلابية الفاشلة صعوبة في تقديم الوثائق والمستندات التي تقنع بحجم مؤامرة الكيان الموازي التي دفعنا جميعا ثمن خيانته. لكن انطلاق المحاكمات والاعترافات والأشرطة التي تدون وتدين بدأت تساهم في الكشف عن خفايا وخبايا الانقلابيين وشركائهم. هل يعتقد البعض أن تركيا ستطارد من تآمر عليها في الداخل فقط. ربما لهذا السبب  يصعد الغرب أكثر فأكثر ضد تركيا ورئيسها؟

الحماس عند بعض الكتاب دفعهم لإبراز ما يقوله أردوغان على أنه "دعس" لكرامة أوروبا وتاريخها وإنجازاتها وتلويح بـ"دهس" الأوروبيين في شوارعهم إذا ما استمرت تصرفاتهم حيال تركيا بهذا الشكل.

تركيا وقوتها الإقليمية اليوم وقدرتها على تقديم الخدمات لأكثر من 3 ملايين ونصف لاجىء عربي يعيشون فوق أراضيها وتواجدها بين الدول الخمس الاولى التي تقدم المساعدات الإنسانية في العالم لا تعني الكثير ربما لهذه الأقلام. فاختاروا إبراز مسألة "نظام يدير أكبر عملية قمع شاملة" أو مقولة "حزب سياسي خدع الناس بأفكاره التي أعلنها وتخلى عنها" لذلك نراهم يتحركون باتجاه دعوة العرب والمسلمين إلى الاستسلام لأن حلم ظهور صلاح الدين الآخر أو محمد الفاتح الجديد لا حظ له أمام تفوق الغرب علينا في كل شيء!

الشجاعة وحرية التعبير تمر بالنسبة لهم عبر تصوير أردوغان بأنه "مخادع كبير" لكن الشجاعة وحرية الرأي تتطلب أيضا نقل المشهد السياسي والحزبي بوجهه الآخر في تركيا إلا إذا كانت الشجاعة مطلوبة من أردوغان وحده؟ وطالما أننا نتحدث عن الشجاعة والديمقراطية فوسائل الإعلام تناقلت قبل قليل أنباء زيارة الرئيس التركي لخيمة مجموعة من الشبان تعمل لصالح دعم الاستفتاء. ثم تابع سيره على الأقدام لزيارة خيمة أخرى مجاورة لشبان المعارضة هذه المرة وتحيتهم والحوار معهم في الحملة التي ينظمونها.

لا أظن أن أردوغان الذي يعرفونه جيدا هم أيضا يخاف "مصارحتهم"، المهم أن يتفاعلوا هم أيضا بإيجابية مع مصارحتنا لهم برأينا حيال ما يقولون ويكتبون وتحذيراتنا لهم من خطر "الانزلاق" بعيدا عن قرائهم ومحبيهم والقيم والمعايير التي تذكروها فقط عندما كانت تركيا هي بيت القصيد.

الكتابة على ضوء المعلومة الصحيحة لن تزعج أحدا في تركيا حتى ولو تجاهلوا قرار البرلمان التركي ورغبة المستفتى والتي قد تكون نعم أو لا. لكن تشويه مضمون وغاية التعديلات المقترحة وتقديمها على أنها من أجل إرادة فردية أو شخص واحد في تركيا وربط التعديلات بقناعة فشل السلطة السياسية التركية في إدارة شؤون البلاد في الداخل والخارج تحت غطاء "نصائح للأصدقاء" هو ما لا يمكن التغاضي عنه.

شخصية أردوغان وأسلوبه وطريقة طرحه المسائل قابلة للاعتراض والتحفظ والانتقاد، لكننا نريد أن نسمع رأيهم بالموضوعية نفسها في الحملات الأوروبية التي تشن ضد تركيا ورئيسها وتهديد المستطلع التركي أن الـ"نعم" في الاستفتاء ستعني نهاية الحلم الأوروبي وكل ما هو غربي في تركيا؟

لا بد من تذكيرهم أيضا بأن يقبلوا ويحترموا نتيجة الاستفتاء الشعبي أولا، وأن لا يتهموننا بالتزوير والتلاعب بالنتائج لاحقا، فنحن لن نتراجع عن حماسنا وانفتاحنا على هذه الأقلام، والسحابة ستزول بالنسبة لنا صباح 17 نيسان/ أبريل المقبل إلا إذا ما قرروا هم الاستدارة نحو بروكسل وبرلين والاصطفاف هناك ضد إخوتهم الأتراك.

لا بد من تذكير البعض أن غولن الذي وقفنا إلى جانبه كمشروع تعليمي إسلامي تحديثي حتى عشية المحاولة الانقلابية بات محاصرا بحقيقة خداعه للقسم الأكبر من الأتراك وتحركه بإيعاز من الخارج بهدف تسليم تركيا وإعلان استسلامها ففشل وخيب آمال المراهنين عليه. وإن ما يجري أبعد من إرضاء أردوغان أو فتح الطريق أمام العدالة والتنمية في السلطة وهذا ما لن ننجح في إيصاله لهم لأن بعضهم راهن على اختفاء الرئيس التركي في تلك الليلة وروج لطلبه اللجوء إلى ألمانيا التي خاب ظنها هي الأخرى على ما يبدو فصعدت على هذا النحو.

اكتشفنا بواسطتهم فقط نزول "الميليشيات الأردوغانية" إلى الشوارع في تركيا. يبدو أنهم يريدون أن يقنعونا بأن الميليشيات الحقيقية التي يساندونها هي التي تحارب الشعب السوري وتقتله في سوريا باسم حرية المشاركة في الدفاع عن المشروع الديمقراطي الإيراني الذي لا يعنيهم لا من قريب أو بعيد.

استهداف جسر التقارب والتواصل التركي العربي قد يلحق البعض به الضرر والخسائر لكنه لن يدمر بسبب كتابات من هذا النوع.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس