ترك برس

استعرض مقال للكاتب والمحلل الاستراتيجي جهاد صقر، في موقع شبكة الجزيرة القطرية، عشرة أخطاء وقعت فيها أوروبا في تعاطيها مع الملف التركي، وتأثير مثل هذا التعاطي على مستقبل أوروبا نفسها في المنظورين القريب والبعيد.

وقال صقر إن الخطأ الأول يتعلق بالدوافع والأبعاد؛ قد لا يستحق تمكين ناخب تركي من الإدلاء بصوته في استفتاء دستوري في بلده كل تلك الضجة أو ردود الأفعال المتشنجة على مستوى قارة ترفع شعارات حرية الاختيار، اللهم إن كان مثل هذا الناخب قاصرا لا يحق له التصويت في خيار ديمقراطي يمس حياته هو، أو أن يكون بلده جمهورية موز غير مؤهلة لتقرير مستقبلها بنفسها.

وشدّد الكاتب على أن انجرار الشارع الأوروبي وراء هيستيريا التُرك فوبيا على الصعد السياسية والإعلامية والاجتماعية يؤكد رسوب الأوروبيين في امتحان الديمقراطية.

الخطأ الثاني، بحسب صقر، يتعلق بالوسائل لا سيما مع توظيف الإسلاموفوبيا لتحقيق مكاسب انتخابية أوروبية محلية آنية بمخاطرة كبيرة، لأن إشاعة الخوف والكراهية بهدف توحيد المجتمع بوجه عدو خارجي -كالمسلم التركي- سرعان ما يمزق المجتمع المحلي بدلا من أن يوحده.

ليس لأن المواطن المسلم والتركي مكون أصيل من مكونات المجتمع الأوروبي فحسب، بل لأن أفضل وصفة لتفكيك الكيانات الاجتماعية هو شحنها بثقافة الكراهية وإلغاء الآخر. لا نتحدث هنا عن تفكك للاتحاد الأوروبي بأسره فحسب، بل تفكيك لمجتمعاته ودوله نفسها، وهو ما يعززه الخطأ القاتل الثالث والمتمثل باللعب على ورقة القومية.

الخطأ الثالث تصعيد المد القومي في أوروبا، وهو ما يلجأ إليه عادة أعداء الدولة لإقحامها في مشاكل داخلية بخلفية قومية تقضي على ثقافة التعايش تمهيدا لإضعاف وتمزيق تلك الدولة، وهو ما نرى مثاله اليوم في سوريا والعراق حاضرا، تماما كما حصل مع الدولة العثمانية، إذ عمل الأوروبي على تغذية المشاعر القومية ودعم الطموحات الانفصالية بموازاة توظيف ورقة حماية الأقليات لتمزيق الإمبراطورية ودفعها نحو الانهيار بنهاية المطاف.

المفارقة الصارخة اليوم أن من يشيع المشاعر القومية والشعبوية المتطرفة التي تقضي على وحدة أوروبا ومكونات كل شعب من شعوبها هم الساسة والإعلاميون الأوروبيون -لا الأتراك- أنفسهم، والعجب أن يلعب القوم -في عقر دارهم- ذات اللعبة التي يتهمون بوتين بلعبها عبر دعم التيار القومي الشعبوي.

الخطأ الرابع تنافس الأحزاب في المزايدة على اليمين المتطرف وهو ما يدفع لمزيد من تشظي الشارع السياسي الأوروبي المنقسم أصلا. تتشابه الشعارات لتتفتت الأصوات بين عدد أكبر من الأحزاب، فيما يتجه أصحاب الأصول المهاجرة كالأتراك وغيرهم من المسلمين وأبناء مستعمرات أوروبا السابقة -بعيدا عن الأحزاب الكبيرة- صوب أحزاب أصغر تمثلهم بشكل أفضل.

الخطأ الخامس أن ازدواجية المعايير الأخلاقية والانكفاء في مجال حرية التعبير والقيم الديمقراطية يسحب من أوروبا أوراقا مهمة على صعيد التأثير العالمي والتدخل في الصراعات الدولية، ويحرمها مستقبلا من تسويق وصفة الإصلاحات الديمقراطية خارج القارة الأوروبية، لتخسر فوائد اقتصادية وسياسية وعسكرية عديدة.

الخطأ السادس الدعاية المعاكسة، مع تقديم الترك فوبيا خدمة جليلة ودعاية مجانية للخصم المعلن. والواقع أن حزب العدالة والتنمية التركي لم يعد بحاجة للمضي بحملته الدعائية في الدول الأوروبية، بعدما ما استفز خطاب الكراهية والتحريض الأوروبي شرائح واسعة من الناخبين الأتراك، ولتصطف شرائح الشارع المترددة -بل وجزء من المعارضة- في خندق تأييد التعديلات الدستورية للحزب الحاكم، وهو ما يدفع نحو توحد الشارع التركي أكثر فأكثر.

الخطأ السابع خسارة أوروبا تركيا كدرع دفاعي في جنوبها الشرقي لربما إلى الأبد. المستغرب هنا تزامن التصعيد الأوروبي ضد تركيا ومجيئه في وقت تتطابق فيه عناوين السياسة الخارجية التركية مع نظيرتها الأوروبية على المدى البعيد.

فمثلا ألا تعد المطالبة التركية الدائمة بمنطقة آمنة للسوريين مصلحة أوروبية؟ أليست عملية درع الفرات التركية لاستئصال الإرهاب شمال سوريا مصلحة أوروبية؟ أليست الدعوة التركية لحلف دولي بوجه جرائم بشار الأسد ونظام طهران وتنظيم الدولة لإيقاف النزيف السوري مصلحة أوروبية؟

ثم أليست الإصلاحات الديمقراطية التركية واتفاقات السلام مع الانفصاليين الكرد ومنح الأكراد حقوقهم الثقافية في تركيا عبر حكومات العدالة والتنمية المتعاقبة مصلحة أوروبية -كما يُفترض-؟ ألا يُعد تصدي تركيا لنزعة بوتين التوسعية في القوقاز وشرق المتوسط وجنوب أوروبا مصلحة أوروبية؟ أليس ضمان تركيا إمدادات الطاقة لأوروبا مصلحة أوروبية؟

الخطأ الثامن تهديد مصالح أوروبا السياسية والاجتماعية والاقتصادية عبر تقويض الاتفاق الأوروبي التركي حول اللاجئين.

لا مصلحة لطرف في التصعيد بما يمس ملفي الاقتصاد واللاجئين، والخطأ كل الخطأ إقحامهما في صلب السجال الدائر حاليا. ترى من المستفيد من دعوات تصعيد مقاطعة تركيا سياحيا، أو تلويح وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله بورقة استمرار مساعدة تركيا على استبقاء اللاجئين فيها بديلا عن اللجوء لأوروبا؟

الجانب التركي أوفى بالتزاماته، إذا لمصلحة من يماطل الأوروبيون في تقديم المساعدات وإعفاء الأتراك من تأشيرة دول شنغن؟ ولمصلحة من يتم تسليح قوى انفصالية إرهابية لضرب عمق المدن التركية بسلاح وأموال من جيب دافعي الضرائب في عدد من الدول الأوروبية؟

الخطأ التاسع الإمعان في مقاربة مضللة على صعيد الجغرافيا والتاريخ تباعد ما بين الأمن القومي التركي والأمن القومي الأوروبي، عبر استحضار التاريخ العثماني وصورة تركيا كدولة عظمى وعدو لدود لكل ما هو أوروبي، وبمعنى آخر اعتبار كل خطوة صوب التنمية السياسية والنمو الاقتصادي والاجتماعي والعسكري في تركيا تهديدا لمستقبل الأمن الأوروبي، الذي يحتاج تركيا في واقع الأمر، كواقٍ بوجه التهديدات القادمة من الشرق.

الخطأ العاشر سياسة حرق الأوراق وتدمير المصداقية بما يقطع خط الرجعة في العلاقة مع دولة بوزن جيوسياسي هائل كتركيا.

برهنت الأزمة الجارية على ارتفاع عقيرة المعسكر الداعي للمواجهة مع تركيا بقيادة دول وسط أوروبا على حساب همس دعاة العقلانية في التعامل مع الملف التركي كإيطاليا وبريطانيا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!