عبدالله عيسى السلامة - خاص ترك برس

لكل سلطة - عبر العصور- أدباؤها وشعراؤها وفقهاؤها ( القانونيون.. والشرعيون !).. يزيّنون لها أفعالها ، ويسوّقون سياساتها ، ويمجّدون أشخاصها ومواقفها ، ويصدرون لها الفتاوى القانونية والشرعية ، التي تعبّر عن صحّة اجتهاداتها..!

الفراعنة جميعاً ، حرصوا على صناعة هذه (الأطقم!) من حولهم ، وكذلك الأباطرة والأكاسرة، ومَن على شاكلتهم ، من أصحاب النفوذ والسلطان ..!

 حتى مسيلمة الكذّاب ، الذي ادّعى النبوّة ، كان له فريق من هؤلاء ( البَصمجية ) الذين يؤيدون نبوّته ، ويسوّقونها بين الناس ..!

وحتى الحاكم بأمر الله الفاطمي ، الذي ادّعى الألوهية، كان له فريق من هؤلاء العبيد، يَعبدونه، ويزيّنون للناس عبادته ، والتسبيح بحمده ..!

 فما العجيب ، في أن يكون للاستبداد العصري ، طاقمه الخاصّ به ، مِن هذه الديكورات والأبواق ( الهتّافة المصفّقة، المسبّحة الممجّدة، المزيّنة المروّجة، المقنّنة المشَرعِنة)!؟ أين وجه الغرابة ، في هذا كله !؟

الجواب : لاغرابة في هذا كله ، ولاعجب ..! الغرابة والعجب في الفروق ، بين بضاعة الأمس ، وبضاعة اليوم..!  

أهمّ الفروق بين بضائع الأمس ، وبضائع اليوم :

بالأمس كان العالم دولاً مغلقة، لكل دولة زعيمها الملهَم، وأطقمه المسبّحة بحمده ، داخل أسوار مدينة ، أو بلدة ، أو قرية كبيرة ، خلَع عليها سادتها ، اسم : دولة ! ولم يكن هذا التواصل - بما فيه مِن تَمازج - بين الشعوب والدول ، قائماً كما هو اليوم ؛ إذ تطّلع الشعوب المتحضّرة ، على ما يجري في الدول المتخلّفة ، وما يمارسه حكّام هذه الدول ، على أبناء بلادهم ، من ظلم واضطهاد، وسفاهة وعبث! فتكون هذه الدول المتخلّفة ، وحكّامها وشعوبها ، مثاراً لسخرية الآخرين ، من أبناء الأمم الأخرى، والدول الأخرى ..! ممّا يَدفع هؤلاء (الآخَرين) إلى احتقار هؤلاء المتخلفين ، والطمعِ بهم، والتطلّع إلى احتلال دولهم، ونهب ثرواتهم، واستعبادهم.. إذا أحسّ هؤلاء الغرباء ، أن لديهم قوّة ، تمكّنهم من فعل ذلك !

ثقافات العالم المتمازجة ، اليوم ، تنير عقول الشعوب المتخلّفة ، وتفتح عيونها، على ما يجري في بلادها ، من ظلم الظالمين ، ومن نفاق المنافقين .. فيستطيع الفرد في الدولة ، أن يدرك بسهولة ، أن ما يقوله هذا المثقّف ، أو الشيخ المعمّم، المحسوب على علماء الدين.. إنّما هو نفاق ، وتزلّف ، ودجَـل.. فيحتقر صاحبه، الذي يتولّد لديه ، إحساس بالضآلة والهوان.. إذا كان يملك حساً إنسانياً، يَجرحه احتقارُ الآخرين !
وإلاّ عاش سعيداً، في ظلال قول الشاعر: ما لجرح بميّت إيلامُ. تلك هي المسألة!

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس