محمد زاهد جول - القدس العربي

لا خلاف على أن حزب العدالة والتنمية كان قائدا متميزاً للدولة التركية، منذ خمسة عشر عاماً، فقد تولى الحزب خمس دورات برلمانية وحكومية متوالية. ثلاث دورات بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان مؤسس الحزب عام 2001، وتشكيل الحزب للحكومة الأولى بعد انتخابات 2002 ولغاية 2014.

عندما تولى أردوغان رئاسة الجمهورية التركية، بعد انتخابات شعبية مباشرة في أغسطس 2014، اضطر لتقديم استقالته من الحزب، بحسب الدستور التركي السابق، الذي كان يحظر أن يكون رئيس الجمهورية حزبياً، وعندها تولى رئاسة الحزب أحمد داود أوغلو، وتم تشكيله للحكومة الرابعة عام 2014، ثم الحكومة الخامسة للحزب في سبتمبر 2015 بزعامة بن علي يلدرم، ولكن بعد نجاح استفتاء التعديلات الدستورية في أبريل 2017 أصبح رئيس الجمهورية حرا بالانتماء للحزب السياسي الذي يريد، هذا الحق الدستوري مكن مؤسس حزب العدالة والتنمية العودة إلى بيته الحزبي.

وفي المؤتمر الاستثنائي الثالث، وافق الحزب على طلب عودته، وأجرى الحزب بعض التعديلات على قوانينه الداخلية، بحيث تم استحداث منصب وكيل الحزب، الذي أسند لابن علي يلدرم الرئيس السابق للحزب، وبذلك أصبح رئيس الجمهورية التركية أردوغان جزءا من الحياة السياسية الحزبية، بل إن الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر 2019 ستشهد انتخابات رئاسية متميزة، بحيث يستطيع رؤساء الأحزاب السياسية الترشح لرئاسة الجمهورية، وهذا بالتأكيد سيكون مقرونا أو مشروطا بقدرة ذلك الرئيس الحزبي على امتلاك شعبية حزبية تؤهلة للفوز وتشكيل الحكومة، فالرئيس المنتخب عام 2019 سيكون منوطا به تشكيل الحكومة التركية، لأن منصب رئاسة الوزراء، بحسب النظام البرلماني، سينتهي في ذلك التاريخ أيضاً.

والسؤال هو، هل كان رجب طيب أردوغان بحاجة إلى أن يكون داخل حزب العدالة والتنمية حتى يمارس قيادته للحزب في المستقبل؟ وهل الأمر متعلق بقيادة الحزب في المستقبل؟ أم ان الهدف الأكبر هو قيادة تركيا وتحقيق المشاريع التي يبشر بها حزب العدالة والتنمية في برامجه لعام 2023، واهمها وضع تركيا في مصاف الدول العشر الأولى اقتصاديا، أو قريباً من ذلك، بعد أن شهدت تركيا العديد من العراقيل الكبرى من قبل الدول الأوروبية والغرب، وفي مقدمتها انقلاب 15 يوليو 2016، والعراقيل الإعلامية والاقتصادية، التي وضعت أمام عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية في أبريل 2017 وغيرها. 

بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا قادت حملة معادية لعملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية، لا تزال آثارها ماثلة على الجاليات التركية في اوروبا، وعلى عملية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، رغم تحسين بعض العلاقات إثر حضور الرئيس أردوغان حفل افتتاح مقر «الناتو» الجديد في العاصمة البلجيكية بروكسل الأسبوع الماضي.

ن الاهداف التي يريدها أردوغان من عودته إلى حزب العدالة والتنمية، هي نجاح تحويل تركيا إلى جمهورية رئاسية في نظامها السياسي أولاً، وفي قانونها الحزبي الجديد ثانياً، فالحزب الحاكم هو الذي سيقود الدولة سياسيا واقتصاديا، ولا شك أن التناقضات، التي كانت قائمة سابقاً في تعارض صلاحيات رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، بحسب دستور 1982 تم إصلاحها في التعديلات الدستورية الجديدة، وبالتالي لن تكون هناك رئاسات متعددة ومتناقضة في صلاحياتها مرة أخرى، وفي مقدمتها أن يكون رئيس الحزب الناجح في الانتخابات المقبلة هو رئيس الجمهورية، لأنه منوط بتولي قيادة الحكومة والحزب الحاكم معاً، وهذا النظام هو المعمول به في أمريكا وفرنسا وروسيا وغيرها، ولذلك كان لزاما أن يكون التعديل الدستوري الجديد يشمل تعديل النظام السياسي إلى رئاسي، ويضمن أن يكون رئيس الجمهورية صاحب اعلى سلطة تنفيذية، هو نفسه رئيس الحزب الفائز في الانتخابات، لأن الحملة الانتخابية ستكون حملة انتخابات رئاسية بين الأحزاب السياسية.

هذا التغيير فرض على حزب العدالة والتنمية، قبول طلب عودة السيد رجب طيب أردوغان إلى رئاسة الحزب، والبدء بعمل إصلاحات إدارية داخل حزب العدالة والتنمية، ليقوم الحزب بواجباته الحزبية بما يتوافق مع النظام السياسي الجديد، ولذلك اتخذ الحزب عدة إجراءات تنظيمية يستلزمها عمل حزب العدالة والتنمية في المرحلة المقبلة، التي قسمها الرئيس أردوغان إلى ثلاث مراحل حتى انتخابات عام 2019، ومنها:

1 ـ استحداث منصب وكيل الحزب، وجعله رئيس كتلة الحزب في البرلمان التركي، وهو بمثابة نائب لرئيس الحزب، وقد تم اختيار الرئيس السابق بن علي يلدرم لهذا المنصب.

2 ـ تغيير في أعضاء وعدد اللجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية.

3 ـ العمل على تغيير في رؤساء لجان حزب العدالة والتنمية في المحافظات التركية، وهي فروع الحزب في 81 ولاية تركية، بهدف تحسين الأداء في العمل الحزبي وعلاقاته مع المواطنين داخل ولاياتهم.

4 ـ أجراء مراجعة لأداء الحزب في المرحلة السابقة، وتقييم أدائه في المرحلة الصعبة التي مر بها خلال فترة خروج أردوغان من الحزب لأسباب قانونية.

5 ـ تشكيل لجنتين تنظيميتين، إحداهما داخل حزب العدالة والتنمية، والثانية داخل المجمع الرئاسي، وعملهما التنسيق بين الرئيس وإدارات الحزب في اللجنة المركزية والإدارات الفرعية وغيرها.

6 ـ طلب أردوغان من كل وزير من مجلس الوزراء خطة مستقبلية لستة أشهر، لدراسة المشاريع لكل وزارة، وبعدها سيقوم الحزب بحملة اقتصادية وديمقراطية في الستة أشهر التالية، لمعرفة موقف الشعب من هذه الخطة التنموية، التي ستكون برنامج الانتخابات الرئاسية المقبلة لدى حزب العدالة والتنمية.

هذه الاجراءات قد تبدو تنظيمية فقط، ولكنها مطالبة ان تحقق نجاحا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا للشعب التركي أيضاً، وقد يكون لبعض معارضي أردوغان بالداخل او الخارج، مخاوف مما يصفونه بتركيز السلطة لدى أردوغان داخل الحزب وفي منصب رئاسة الجمهورية، وهذا تساؤل يبدو محقاً، لو أن حزب العدالة والتنمية سيحكم في المستقبل بمعزل عن الإرادة الشعبية والانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية، فالشعب التركي هو من سيقرر من هو رئيس الجمهورية التركية القادم في انتخابات 2019 وليس أردوغان من سيقرر ذلك، وكذلك فإن الشعب التركي هو من سيقرر الحزب الحاكم في المرحلة المقبلة أيضاً، وليس حزب العدالة والتنمية، فحزب العدالة والتنمية سيعمل كل ما بوسعة للفوز في الانتخابات المقبلة، وهو يعد لذلك منذ الآن، وكذلك فإن كل الأحزاب السياسية التركية مطالبة أن تعد لذلك اليوم، من خلال التواصل مع الشعب وتحسين علاقاتها به، وطرح البرامج والوعود للمشاريع التي يريدها الشعب، وعدم التعويل على أن حزب العدالة والتنمية سينفرد بالحكم، والادعاء بأنه سيركز السلطة بيده، فلماذا لا تخطط للفوز في الانتخابات الرئاسية وتركيز السلطة بيدها إذا كان قولها صحيحا. 

ولعل هذا التساؤل عن تركيز السلطة بيد حزب حاكم، هو ما جعل اردوغان يتحدث ولأول مرة في خطاباته عن مميزات حزب العدالة والتنمية عن غيره من الأحزاب السياسية التركية ومنها:

1 ـ تميز الحزب بالديمقراطية في انتخاباته الداخلية، وفي طريقة اتخاذه لقراراته الداخلية.

2 ـ حزب العدالة والتنمية أشد التزاماً بالقوانين الداخلية، والقوانين الناظمة لعمل الأحزاب السياسية في تركيا. 

3 ـ الحزب يلتزم بالوطنية الداخلية ولا يتلقى تعليماته من الخارج، فهو حزب وطني بامتياز.

4 ـ ويعد حامي المظلومين داخل البلد.

5 ـ وهو حزب وطني وديمقراطي ومحافظ، ومعنى المحافظة في المصطلح السياسي أنه حزب متمسك بالمبادئ والثقافة الحضارية والتاريخية للشعب التركي.

6 ـ حزب العدالة والتنمية يساوي بين أبناء وقوميات الشعب التركي دون تمييز، فلا يؤيد قومية من الشعب دون أخرى، ولا ينحصر الانتماء للحزب على قومية واحدة.

7 ـ وحزب ثوري، فقد حقق في السنوات الماضية من حكمه ثورات صامتة في مجالات كثيرة.

هذه مواصفات حزب العدالة والتنمية، التي ذكرها أردوغان أثناء ترؤسه أول اجتماع للكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية في البرلمان التركي قبل أيام، والتي جاءت بعد انقطاع دام طويلا.

هذه المميزات تعني أن حزب العدالة والتنمية لا يتصدر للسلطة فقط، وإنما يتحمل مسؤولياتها، وهو امام محاسبة الشعب له في الانتخابات المقبلة، ولذلك فإن هذه المميزات لا تأتي في معرض المدح أو المناكفة الحزبية، وإنما لتوعية أعضاء حزب العدالة والتنمية والشعب التركي بمسؤوليات المرحلة، فالحزب امام تحديات داخلية وانتخابات واستحقاقات شعبية، وكذلك تحديات خارجية لا تزال تضع تركيا وحزبها الحاكم في مرمى الاستهداف، وبذلك فإن عودة أردوغان لحزب العدالة والتنمية وترؤسه له هو تدشين للمرحلة المقبلة بعد سنتين، عندما يتم تطبيق التعديلات الدستورية كاملة عند انتخابات 2019، فهي عودة لتأسيس جديد وبناء جديد وتحد جديد للنهضة التركية، والمعني بها الشعب التركي قبل غيره، بكل قومياته وطوائفه وإثنياته، والمعني بها إصلاح الحياة السياسية الحزبية، لتدخل مرحلة البناء والتخطيط لتولي المسؤوليات في تبادل السلطة ديمقراطياً، وليس العمل في المعارضة للمناكفة الحزبية فقط، أو تعطيل الحياة السياسية كما كان في السابق.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس