إبراهيم كيراس – صحيفة قرار – ترجمة وتحرير ترك برس

كان الإعلان عن إرسال قوات عسكرية تركية إلى القاعدة التركية في قطر، أحد التطورات الأكثر أهمية في الفترة الأخيرة. إذ أعطت السعودية والإمارات لإدارة الدوحة مهلةً تمثلت بـ 14 يوماً، مشيرةً إلى أن الخطوة التي تلي مرحلة الحصار ستبدأ بالتدخل العسكري في حال عدم إستجابة الدوحة للمطالب المطروحة لها.

كان الجميع ينظر إلى القرار التركي حول إرسال قوات عسكرية إلى الدوحة على أنه مساعدة ظاهرية وليست فعلية، إلا أن القوات التركية قد وصلت فعليا إلى الدوحة صباح يوم الأحد.

لماذا تشعر تركيا بضرورة التدخل في مجريات هذه الأزمة؟ الجواب: لأن الدول الأقوى والأغنى في الشرق الأوسط "على رأسها السعودية، الإمارات ومصر" توحّدت في جبهة واحدة من جهة، ضد قطر لوحدها من جهة أخرى. وعلاوة على ذلك، هذه الجبهة المناهضة لقطر تتلقى دعم الرئيس الأمريكي ترامب أيضاً. إن النتيجة المتوقعة بالنسبة إلى معظمهم هي نجاح الحصار في ترويض إدارة الدوحة دون الحاجة إلى التدخل العسكري.

سبق وتحدثت حول وجود صراع بين مفهومين سياسيين متناقضين في الشرق الأوسط عامةً ودول الخليج خاصةً. كما ذكرت خلال تحليلي الأخير أن الجهات السياسية في المنطقة تحزبت ضمن هيكلين، مصنفّاً هذه الجهات ضمن القائمة التالية:

"تركيا وقطر من جهة، والسعودية وشركاؤها من جهة أخرى. محمد مرسي من جهة، والسيسي من جهة أخرى. حركة حماس من جهة، وكتائب الفتح من جهة أخرى. حزب العدالة والتنمية من جهة، وتنظيم الكيان الموازي من جهة أخرى".

إن هذين الحزبين يشكلان طرفا الصراع العالمي، وذلك نظراً إلى تمثيلهم لمفهومين سياسيين مختلفين، ووجهات نظر عالمية مختلفة أيضاً.

على سبيل المثال، التحزبات التي رأيناها في أمريكا. يبدو أن معظم الأمريكيين الجمهوريين يؤيدون المفهوم السياسي الذي تتبعه السعودية والإمارات، ذلك في حين أن الأمريكيين الديمقراطيين يؤيدون المفهوم السياسي الذي تمثله تركيا وقطر.

وبالتالي يمكنكا ملاحظة عدم وجود أي فرق بين هذين الحزبين فيما يخص سوريا، وذلك أمر طبيعي جداً لأننا لم نجد فرقاً بين مفاهيم الطرفين تجاه سوريا.

ولكن يجب لفت الانتباه إلى أمرين مهمين في هذا الصدد:

الأول: الجهود التي بذلتها أنقرة في بداية الحرب الأهلية في سوريا، إذ إنها حاولت دفع النظام السوري إلى إعادة الأوضاع إلى طبيعتها والانخراط في النظام العالمي،  إضافةً إلى جهودها للنأي بجارتها الحدودية عن الفوضى وعدم الاستقرار مع بداية المرحلة الثانية من الربيع العربي. لكن مع وضوح عدم وجود إمكانية الوقوف في وجه الحرب الأهلية، وبدء القتل وذرف الدماء في الشوارع، حددت تركيا موقفها بالوقوف ضد الأسد، إلى جانب الشعب.

الثاني: العلاقات مع إيران. لم تظهر تركيا أو قطر أي تحزب قاطع ضد إيران حتى خلال الفترة التي احتدت فيها التحزبات والصراعات. حتى إن تركيا دعمت محاولات إيران لإعادة الأمور إلى طبيعتها والانخراط في النظام الدولي كما فعلت في سوريا. تذكروا دور تركيا خلال الاتفاق النووي. أما بالنسبة إلى قطر كانت تقريبا الدولة الوحيدة التي حافظت على طبيعة علاقاتها مع إيران بين الدول المجاوة لها.

إن معارضة الجبهة السعودية-الإماراتية لإيران ليست ظاهرة دورية أبداً. المشكلة حقيقةً ليست في نظام طهران. مجرد وجود إيران هو تهديد مخيف بما فيه الكفاية بالنسبة إلى دول الخليج. لذلك فإن ظهور إسرائيل بشكل مفاجئ ضمن هذه الجبهة لا يعد وضعاً غريباً للغاية. يمكنكم معرفة ما أقصده بالنظر إلى خريطة خليج البصرة.

الخلاصة: تنظر السعودية وحلفاؤها إلى مفهوم السياسة الذي تمثله تركيا وقطر في المنطقة، والذي لقي دعماً كبيراً من بعض الديمقراطيين الأمريكيين على أنه عنصر يهدد وجودها وبقاءها. أما بالنسبة إلى الجمهوريين الأمريكيين، استغلوا فرصة وجود رئيس مثل ترامب يعتمد على سياسة "لا أعطي أي فرصة أو استراتيجية للعرب، أنا أهتم فقط بما آخذه منهم من النقود" في منصبه، وذلك لفعل ما لم يستطيعوا القيام به منذ فترة طويلة. هذا هو جوهر الحدث.

عن الكاتب

إبراهيم كيراس

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس