طه أوزهان - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس

نزع سلاح الغولنيين

يمكن تلخيص عملية ما بعد 15 تموز/ يوليو على أفضل وجه بأنها "نزع سلاح تنظيم فتح الله غولن الإرهابي (فيتو)" ومن الطبيعي أن تظهر تعقيدات مختلفة في عملية إرغام منظمة مسلحة على نزع سلاحها.

غير أنه لا يمكن مقارنة هذه المشاكل بالصدمة والدمار اللذين كانا سيحدثان لو نجح  انقلاب 15 تموز. وبمجرد أن سمعتُ الطائرات المقاتلة في تلك الليلة، لم يكن من الصعب عليّ التنبؤ بمدى الصدمة وإلى أي مدى ستذهب.

وبصفتي شخصا فكر وكتب في كثير من الأحيان عن التهديد الذي تمثله هذه المنظمة السوداوية، أستطيع أن أقول إن نهاية هذا الجنون سيكون تحت رحمة العالم الخيالي الذي كونه غولن ذلك الداعية المصاب بانفصام الشخصية.

إذا تذكرنا النموذج الفاشي للمجتمع في روايات الخيال العلمي لكورت فونيغوت، فإنه ليس من الصعب التنبؤ بما يمكن أن تقوم به منظمة مثل فيتو تتحكم في حياة مئات الآلاف من الرجال بطريقة شمولية.. غالبا ما تصور "المجتمعات الفاشية" في أفلام هوليود على أنها مثيرة وغامضة، لكن الشعب التركي في 15 تموز، رأى الخيال الهوليودي السريالي يتحول إلى حقيقة واقعة.

أسئلة بدون إجابات

كتب الكثير عن محاولة الانقلاب 15 تموز في تركيا، ولكن ما أجده مثيرا للاهتمام هو نوعية هذه الكتابات المتزايدة أو عدم كفايتها. ليس هذا فقرا فكريا أو عجزا مزمنا عن فهم تركيا أو غيابا للموضوعية، وفي النهاية فإنني لا أتوقع أن تبقى وسائل الإعلام صحية في عصر الانحطاط السياسي العالمي.

لكن هناك أزمة أخرى أكثر أهمية، وهي عدم وجود اهتمام فكري وأكاديمي وصحفي عالمي بمحاولة الانقلاب التي لم يسبق لها مثيل في بلد مثل تركيا.

من كان وراء محاولة الانقلاب في تركيا؟ ما نوع تنظيم  غولن؟ لماذا وكيف تعتقد أغلبية الأتراك أن فتح الله غولن يقف وراء محاولة الانقلاب،على الرغم من الانقسامات الاجتماعية الخطيرة والاستقطاب الذي يشهده المجتمع؟ من هو فتح الله غولن؟ ما هي طبيعة فيتو؟ هل هناك أي منظمة غير حكومية أخرى أو شركة أو منظمة دولية لديها فروع وامتيازات في 70 في المائة من بلدان العالم؟

ومثلما لم يُحقق قط في علاقات تنظيم داعش الاستخباراتية وعلاقاته مع مختلف البلدان، وطبيعته من الداخل، وجمعه لنوعيات متباينة من الناس،وتنفيذه الانتقائي لأعمال لا منطق سياسي لها  في الغرب، ظلت الأسئلة المتعلقة بتنظيم فيتو وقيادته التي ارتكبت جريمة محاولة الانقلاب دون جواب حتى الآن.

يبدو أنه مع تعمق الانحسار الجيوسياسي، فإن الجماعات المسلحة مثل فيتو و داعش سوف تجد مجالا أكبر للعمل وسيستمر دعمها. لنتذكر أن تنظيم داعش ظهر في العراق حيث تعد الولايات المتحدة في الواقع "صاحب المنزل" في حين أن التنظيم  الآخر، فيتو، تعيش كامل قيادته في الولايات المتحدة.

يأتي عدم الاهتمام بفيتو على الرغم من أنه منظمة إرهابية مثيرة للاهتمام وغنية من حيث القيادة والمنهجية. إن شبكة العلاقات العالمية التي يتمتع بها تنظيم فيتو يجعل رواد "عصر الإرهاب الجديد" مثل القاعدة وداعش يخجلون من أنفسهم.

هذه المنظمة تشارك في "الحوار بين الأديان" مع البابا، لكنها تقصف البرلمان في تركيا. ويدين زعيمها تنظيم القاعدة في صفحات الصحف الأمريكية الأكثر قوة، ويوجه انتقادات للمنظمات الفلسطينية بسبب الإرهاب، لكنه يأمر بقتل مئات المدنيين في تركيا.

إن فوائد إجراء قراءة سياسية ونفسية جادة لهذه المنظمة تتجاوز مجرد فهم هذه المحاولة الانقلابية في تركيا، وستعرفنا بوضوح الأسباب التي تجعل منظمات مثل داعش و فيتو تنمو اليوم بسرعة كبيرة.

ستساعدنا هذه القراءة على فهم لماذا وكيف اختار أشخاص من مختلف الديانات والجنسيات الانضمام إلى داعش، وهي منظمة إرهابية لا تبشر إلا بالموت. ويمكن أن تساعدنا في فهم كيف تظهر منظمة ،مثل منظمة فيتو، بوجوه مختلفة ويصبح لها أعضاء في 173 بلدا، ومع ذلك تستخدم سلطتها لقتل 250 بريئا في ساعات قليلة في 15 تموز.

وما دام  الانحسار  الجيوسياسي مستمرا ، ستستمر أيضا المنظمات التبشيرية السوداوية مثل فيتو وداعش.

إيقاف الزلزال

من منظور آخر، كان 15 يوليو محاولة لإصابة تركيا  بعدوى الانهيارات الجيوسياسية الدموية التي تضرب المنطقة منذ عام 2002. وقد يؤدي عدم الاستقرار في تركيا إلى عواقب لا يمكن البرء منها ولا إصلاحها في أوروبا وأوراسيا والشرق الأوسط.

إن الأتراك الذين أوقفوا الدبابات في 15 تموز لم يمنعوا وقوع كارثة في تركيا فحسب، بل أوقفوا أيضا زلزالا كان سيهز المنطقة.

إن أكثر ما يحزن في 15 تموز إخفاق الغرب الذريع في دعم الديمقراطية، فمن دعموا بشكل مباشر أو غير مباشر الانقلاب الدموي في مصر وتجاهلوا عمدا المجازر في سوريا، وقفوا موقف المتفرج على  محاولة الانقلاب في تركيا، ووصل بهم الانحطاط إلى حد أنهم اتهموا الرئيس أردوغان في الساعات الأولى بأنه يقف وراء الانقلاب.

هذه الأساليب التي باتت مألوفة  منذ انقلاب 3 تموز في مصر، سوف تحفر الآن في المحفوظات التاريخية كسجلات مخزية، وذلك بفضل مقاومة الشعب التركي من أجل الديمقراطية.

وعلى أمل أن ينتهي عصر الانقلابات بقوة في تركيا، فإنني أحيي ذكرى من استشهدوا في 15 تموز ، وكل أبطال ذلك اليوم، ولا سيما صديقي وأخي وزميلي وجاري، إرول أولتشاك الذي استشهد على  جسر البوسفور.

شارك إرول مباشرة في النضال من أجل الديمقراطية وساهم في التغيير لا في تركيا فحسب، ولكن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضا، وسوف تبقى ذكراه دائما.

عن الكاتب

طه أوزهان

أكاديمي وكاتب أسبوعي في عدد من الصحف التركية والعالمية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس