د. زهير حنيضل - خاص ترك برس

هل يثور الشعب التركي ضد أوربا و يعود لمحيطه الإقليمي المسلم المنسجم معه في وحدة المصير و التاريخ  !

لا تخطئ العين ولا البصيرة الرفض الأوربي لتركيا المسلمة, فما مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوربي إلا مناورة تقوم بها أوربا لئلا تصل مع تركيا لحد القطيعة و للإبقاء على شعرة معاوية بينهما , ليس حباً بتركيا بل حاجةً إليها.

القارة العجوز طماعة جاحدة , فهي من طرف تريد تركيا لما لها من ثقل جيو سياسي و جيو اقتصادي و عامل ربط بين أوربا و آسيا و طريقاً لعبور موارد الطاقة إلى أوربا , ناهيكم عن كون تركيا من الاقتصادات ذات النمو المتسارع.

جحود أوربا , مبنيٌ على خلفيات تاريخية , فأوربا لم تنسَ أن العثمانيين وصلوا إلى النمسا , و ما الحرب العالمية الأولى إلا الفصل الأول من فصول الانتقام من الفتوحات التي كانت في العهد العثماني , هذا الفصل الذي منع تركيا لمدة 100 عام من التحرر الاقتصادي و كبلها باتفاقيات و معاهدات فرضت بالقوة.

أوربا تريد تركيا التي تناسب مواصفاتها , أي تركيا البعيدة عن الإسلام و العرب , غير المعنية بالترابط الإسلامي  , وذلك لما للقوميتين التركية و العربية من دور كبير في إنجاح هذا الترابط.

المطلوب من تركيا لتكون مقبولة في القارة العجوز , أن تعود لزمان منع رفع الآذان , حينها ستفتح كل الأبواب لتركيا و ستكون تركيا  في  قلب القارة العجوز.

ما تقوم به القارة العجوز من حروب معلنة و مبطنة على تركيا واضحة للعيان , تتجلى في الصبغة السياسية و الأمنية.

اعتراضات أوربا المتكررة على القرارات التركية المتعلقة بالشأن التركي الداخلي و التي تمس جوهر الأمن القومي التركي تمثل أبلغ أوجه الحروب الأوربية على تركيا , إضافة لمحاولة بعض الدول الأوربية استفزاز تركيا و جرها لأولى الخطوات العملية للقطيعة السياسية  , تارة عبر بث برامج محرضة ضد تركيا  و تارة أخرى عبر منع الوزراء الأتراك من لقاء مواطنيهم في أوربا , في حين فتحت و تفتح أوربا أبواب البرلمان الأوربي لإرهابيي حزب العمال الكردستاني و تسمح لهم بنصب خيم العزاء لقتلاهم  _الذين سقطوا على يد القوات المسلحة التركية في إطار حربها على الإرهاب _ بجوار البرلمان الأوربي !

يكفي أن نذكر القارئ بدموع موغريني الجياشة على المنصة حين لقائها بوزير الخارجية الأردني لدى سماعها بنبأ الهجوم الإرهابي على مطار بروكسل , في حين أننا لم و لن نر أية من تلك الدموع لا من موغريني و لا سواها حتى ولو _ لا قدر الله _ سقط آلاف الضحايا الأبرياء في تركيا.

هذه الازدواجية و النفاق الأوربي قد أوصل القارة العجوز إلى مستوى الحضيض الإنساني و السياسي معا , فلم يعد هناك من عاقل ينكر أن تركيا المسلمة غير مرحب بها في أوربا , بل هي مرفوضة محارَبَة كونها تهدد السيادة الأوربية " الريادة الاقتصادية و الدور السياسي في الشرق الأوسط و البلقان ".

فهمت تركيا مؤخراً هذا الرفض , فأدارت تركيا ظهرها لأوربا متوجهةً نحو الامتداد الطبيعي الذي تكمله و تتكامل معه و به , إلى جيرانها العرب حتى باب المندب , و لم تقف تركيا عند هذا الحد , بل سعت لإنشاء التحالف الإسلامي , و تابعت تركيا لتصل لأفريقيا لتصبح تركيا شريكاً تجارياً اقتصادياً رئيسياً مع القارة السمراء الغنية بالثروات الباطنية.

أتمنى أن أرى اليوم الذي تعلن فيه تركيا انسحابها من كل المفاوضات المتعلقة بانضمامها للاتحاد الأوربي , لتقطع تلك الشعرة التي هي بالأساس أشبه بالجزرة أمام الحصان.

الحرب على الثورة السورية هي الخطوة التمهيدية لضرب تركيا و تقسيمها و تفتيتها , و قد بدأت الفصول التمهيدية متسارعة , عبر زرع الانفصاليين الآبوجيين شمال سورية على طول الحدود مع تركيا , زامن ذلك محاولة الانقلاب الفاشلة , و اليوم نشهد ما صدر عن الأمم المتحدة من اتهامات لتركيا بارتكاب جرائم حرب في جنوب شرق تركيا مع التأكيد على ضرورة المحاسبة و أن البقاء بلا عقاب سيفتح المجال أمام جرائم أكبر !!!

هل تستفيق السياسة التركية من حلمها الأوربي الوردي !

ألمانيا و هولندا عضوان في حلف الناتو , و شهدنا خلال الثورة السورية سحب كلتا الدولتين لبطاريات الباتريوت من تركيا بحجة انتهاء الصلاحية الزمنية للقوات المتواجدة في تركيا و عدم الحاجة للتمديد , التوجه التركي نحو روسيا لشراء منظومة 400 S الصاروخية أثار حفيظة أمريكا التي حركت بيادقها في أوربا لتوصل لتركيا رسالة و مفادها : لا هامش لتركيا خارج الناتو و المظلة الأمريكية , و أية محاولة للخروج من هذه العباءة سيكلف تركيا مصيراً لا يختلف عن مصير العراق و ليبيا.

النفاق الأمريكي تجلى في صورة واضحة , حين كذبت واشنطن عبر إدارة أوباما و تابعت مسلسل الكذب عبر إدارة ترامب , حين أخلت واشنطن بالتعهدات التي قطعتها لتركيا بإخراج إرهابيي عصابات صالح مسلم من مدينة منبج السورية , لم تكتف أمريكا بالإخلال بالوعود بل أوغلت بعيداً في النفاق حين غضت الطرف عن دخول قوات النظام الأسدي إلى ريف منبج , لتقوم أمريكا بالإعلان أن منبج السورية محمية أمريكية يحكمها الإرهابيون الآبوجيون , متجاهلة كل وعودها لتركيا , و متجاهلة أن أهل الأرض الأصليين أبناء منبج هم الوحيدون الممنوعون من دخول المدينة في حين يصول و يجول إرهابيو جبل قنديل في المدينة.

هي الفرصة الأخيرة لتركيا , إن أهدرتها , ستجد نفسها تبكي على أطلالٍ لن تعود , و التردد في المراحل التاريخية الحاسمة لن يفيد تركيا , ما تحتاجه تركيا هو الحزم في مواقفها و عدم الاتكال على المواقف الأمريكية المماطلة , فأمريكا لا حلفاء لها لأنها تعتبر نفسها الحاكم الأوحد للعالم و بقية العالم عبارة عن أوراق تحركها كيفما و أينما شاءت.

عن الكاتب

د. زهير حنيضل

طبيب و أديب و معارض سوري مستقل


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس