ترك برس

لم يكن حزب العدالة والتنمية الذي يحتفل بالذكرى السادسة عشرة لتأسيسه قد ورث تركة سياسية جيدة عندما وصل إلى السلطة في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2002. فبالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي، كانت تسود معاملة غير ديمقراطية للأقليات، ووصاية عسكرية تسلّطت على البلاد منذ تأسيس الجمهورية، بالإضافة إلى إقصاء المجتمع المدني عن عملية صنع القرار وعدم القدرة على تمكين المجموعات الضعيفة في المجتمع.

تشير صحيفة ديلي صباح في افتتاحيتها يوم الثلاثاء 15 آب/ أغسطس الجاري إلى أن الحزب كان بحاجة إلى تعزيز مشاركة المجتمع المدني بعيدًا عن الوصاية وتقديم فرص متساوية للمواطنين لدخول الجامعات والمؤسسات الحكومية ومناصب الدولة. وفي هذا الصدد، كان التعهد بإعادة الديمقراطية والاستقرار السياسي على أجندة حزب العدالة والتنمية لانتخابات 2002 البرلمانية. ولكن، لم يكن التعهد كافيًا لإعادة الوعي بالمجتمع المدني الديمقراطي والمستقر والمُدرك سياسيًا، وكانت هناك مشكلة عدم الاستقرار السياسي.

لم يتمكن الاقتصاد التركي من استغلال قدرته الكاملة لسنوات عديدة بسبب الغموض السياسي الذي ساد البلاد. فقد واجه الاقتصاد في تسعينيات القرن الماضي عددًا من القضايا مثل التضخم المرتفع، وتراكم الدين الخارجي، والعجز الضخم في الميزانية، وعجزًا في الحساب الجاري. ومع ذلك، فُتِح فصل جديد في الاقتصاد التركي مع الانتخابات البرلمانية في عام 2002 عندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة وشرع بسلسلة إصلاحات اقتصادية.

ومع تعرض المجتمع التركي للإرهاق بعد سلسلة من الحكومات الائتلافية التي حرمت تركيا من الاستقرار السياسي والاقتصادي، بالإضافة الافتقار إلى الأجندة المتماسكة التي يقودها قائد سياسي يستطيع تقديم أجندة نمو وتنمية شاملة مُعزّزة من خلال مناخ سياسي فعال يتجاوب مع الحس السليم للمجتمع التركي، أطلق الأتراك صيحاتهم من أجل الاستقرار في انتخابات 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2002، التاريخ الذي شهدت البلاد بعده أربع انتخابات برلمانية، واستفتاءين دستوريين وثلاثة انتخابات محلية ناجحة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية.

كان البُعد الأكثر أهمية لانتخابات عام 2002 هو متطلبات الوفاء بتعهدات اقتصادية من شأنها حفظ البلاد من رعب التضخم والدين المتراكم. أيًا كان من سيفوز في الانتخابات فإن عليه أن يواجه هذه التحديات، ولذلك كان أكثر البنود أهمية على أجندة العدالة والتنمية بعد توليه السلطة هي البنود الاقتصادية.

علاوة على ذلك، شُكّلت السياسة الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية باتّجاه جذب رأس المال الأجنبي إلى البلاد، وتجنّب فخّ الدين وإيجاد نمو يتجاوز الدين والسيطرة على معدلات التضخم والفائدة العالمية. وهكذا، ساهمت السياسات التي بدأها الحزب في النمو غير المنقطع لاقتصاد البلاد.

معدل نمو الناتج المحلي 5.6 في المئة

قدّم الاقتصاد التركي أداءً جيدًا بنمو ثابت خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. وصعد الاقتصاد درجات على الترتيب العالمي ليصل إلى المرتبة السابعة عشرة بين اقتصادات العالم، والسادسة في أوروبا حسب أرقام الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016، مدفوعًا بإصلاحات هيكلية كبيرة، وسياسات مالية حكيمة، وإصلاحات وحوافز معزِّزة للنمو.

تضاعف الناتج المحلي الإجمالي التركي تحت حكم العدالة والتنمية ثلاث مرات من عام 2002 إلى عام 2016، مسجلًا نموًا سنويًا حقيقيًا بنسبة 5.6 في المئة خلال هذه الفترة. وصعد الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 236 مليار دولار في عام 2002 إلى 857 مليار دولار في عام 2016، في حين وصل دخل الفرد في البلاد إلى 10 آلاف و807 دولار (تعادل 38 ألفًا و157 ليرة تركية) مقابل 3 آلاف و581 دولار في الفترة المذكورة.

دفعت التطورات الكبيرة في الاقتصاد التركي التجارة الخارجية. فوصلت الصادرات التركية إلى 143 مليار دولار بحلول نهاية 2016، من 36 مليار دولار في عام 2002. وعلاوة على ذلك، قفز دخل السياحة كذلك إلى حوالي 22 مليار دولار في عام 2016 من 12.4 مليار دولار في عام 2002.

إضافة إلى ذلك، في حين لم تتجاوز الاستثمارات الخارجية المباشرة في تركيا في الفترة 1984-2001 حوالي 13.5 مليار دولار، فقد صعدت في الفترة 2002 - 2016 إلى 181 مليار دولار.

مشاريع عملاقة مُزمعة أو مُكتملة أو قيد البناء

فعّلت حكومة العدالة والتنمية عددًا من الاستثمارات الناجحة في البنية التحتية من خلال تمويل عام متطور وميزات دعّمها الاستقرار. اكتملت عدّة مشاريع مثل جسر السلطان ياووز سليم، ونفق مرمراي الواصل بين آسيا وأوروبا، ونفق أوراسيا، ونفق أوفيت، وجسر عثمان غازي وجسر جناق قلعة 1915. إضافة إلى ذلك، يتوقع أن تُفتتح المرحلة الأولى من مطار إسطنبول الثالث، الذي سيكون الأكبر في العالم، في الربع الأول من عام 2018.

يُوصف المطار الثالث بأنه المشروع الأكبر في تاريخ الجمهورية التركية، ويُتوقع أن يستقطب حوالي 40 مليار يورو من الاستثمارات عندما يعمل بطاقته الكاملة.

ومع اتخاذ تركيا خطوات تاريخية باتجاه الوسائل المحلية لإنتاج الطاقة، فإنها تسعى لخفض الاعتماد الخارجي على الطاقة والمساهمة في كل من الدخل القومي وتخفيض العجز الحالي في الحساب الجاري. علاوة على ذلك، يُعد سعر 3.48 دولار لكل كيلوواط ساعيّ الذي قدّمه ائتلاف الشركات التركية الألمانية، كاليون وتوركرلار وسيمنز، بعد فوزه بمناقصة مناطق موارد الطاقة المتجددة، رقمًا قياسيًا عالميًا، ويتوقع أن يخفض واردات تركيا من الطاقة بحوالي 55 مليار دولار سنويًا، ويقلل تكاليف الطاقة لكل من الدولة والبيوت.

من المقرر أن يستثمر ائتلاف الشركات الفائز أكثر من مليار دولار في منشآت توليد طاقة الرياح. ومع تشغيل محطات توليد طاقة الرياح المحلية الجديدة سيتم توليد 3 مليارات كيلوواط ساعي على الأقل من الطاقة الكهربائية في كل عام تُغطي احتياجات حوالي 1.1 مليون بيت سنويًا.

ومع صعودها إلى فئة دولة ذات دخل متوسط، تسعى تركيا إلى أن تكون من بين أكبر 10 اقتصادات في العالم في إطار رؤيتها لعام 2023. وفي هذا السياق، تهدف تركيا لإيصال دخلها القومي إلى 2 ترليون دولار، وحوالي 25 ألف دولار دخل سنوي للفرد و500 مليار دولار من الصادرات.

إضافة إلى ذلك، تستعد تركيا بعد عامين لعقد انتخابات برلمانية أخرى تخوضها لأول مرة تحت النظام الرئاسي الجديد، حيث سيصوت الأتراك لاختيار رئيس بصلاحيات جديدة، حسب التعديلات الدستورية التي وافق الأتراك عليها في استفتاء 16 نيسان/ أبريل الماضي.

وقد خضعت الأبعاد الاقتصادية لهذا النظام إلى نقاشات مطوّلة إبّان الاستفتاء. تركّزت معظم هذه النقاشات على تخفيف عبء البيروقراطية على المستثمرين وتقوية التنسيق بين هيئات الدولة التي يتعلق عملها بالشأن الاقتصادي.

يرى خبراء ومسؤولون في الحكومة التركية أن من شأن نظام إداري منظّم جيدًا ويركّز على تحقيق الأهداف، أن يقلل من الغموض الذي يكتنف عملية إدارة اقتصاد قوي، كما يحافظ على النمو المستدام. ومنذ الآن، ستختبر المكاسب الاقتصادية للنظام الجديد تحت الاستقرار الموعود، على عكس عدم الاستقرار الموجود في بقية دول العالم.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!