ترك برس

مع اقتراب موعد الاستفتاء على استقلال إقليم شمال العراق في الخامس والعشرين من الشهر الحالي، رأى المحلل السياسي الروسي والخبير في شؤون القوقاز والشرق الأوسط، أنار ساديخوف، أن الاستفتاء سيزيد من زعزعة الوضع في المنطقة، مشيرا إلى أن الاستفتاء لن يؤدي إلى الاستقلال، وسيبقى حبرا على ورق نتيجة معارضة تركيا وإيران، لكنه سيصبح  آلية  كردية للضغط على بغداد.

المعارضون للاستقلال

واستعرض ساديخوف في مقال نشره موقع، يورو آسيا دايري، مواقف الدول المعارضة للاستفتاء، وهي الحكومة المركزية في العراق، وإيران وسوريا وتركيا التي تعارض استقلال إقليم شمال العراق بشدة. ويرجع ذلك أساسا إلى وجود أقلية كبيرة من الأكراد المقيمين في أراضيها. وقد يؤدي الإعلان المحتمل للاستقلال الكردي إلى خلق نفس النوايا لدى الأقليات الكردية في هذه البلدان.

ويشير إلى أن تركيا وإيران اضطرتا إلى عقد اجتماع طارئ لرئيسي الأركان العامة للبلدين فى أنقرة حيث اتفقا على تبادل المعلومات الاستخبارية والمشاركة فى الأعمال العسكرية المحتملة فى المنطقة بما فيها العراق.

وإلى جانب معارضة الدول الأربع لإجراء الاستفتاء اجتمع وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، مع مسعود بارزاني في أربيل في محاولة لإقناعه على إلغاء الاستفتاء أو على الأقل تأجيل موعد الاستفتاء إلى نيسان/ أبريل من عام 2018 تاريخ انتخابات البرلمان في العراق. وفي رأي ماتيس أن هذه الخطوة ليست في الوقت المناسب، ويعتقد أنها يمكن أن تؤثر سلبا على مكافحة المنظمات الإرهابية.

وانضم إلى المعارضين للاستفتاء فرنسا وغيرها من الدول الغربية التي عبرت عن قلقها من إجرائه. وتخشى هذه الدول من احتمال نشوب نزاع بين حكومة إقليم شمال العراق وبغداد والبلدان المجاورة. وسوف ينقل وزيرا الخارجية والدفاع الفرنسيين فى اجتماعهما القادم مع مسعود بارزانى رغبة باريس فى تمتع الأكراد بالاستقلال الذاتي داخل للعراق. وبالتالي، فإن الدول الرائدة في العالم تنظر في واقع المنطقة، وتحث أربيل على أن تأخذ هذه المواقف على محمل الجد.

الوضع في كركوك

ونوه ساديخوف إلى أن الوضع في كركوك  وضمها إلى المناطق التي سيجرى فيها الاستفتاء من أكبر الأسباب التي تثير استياء كلا من أنقرة وبغداد.استولى الأكراد على هذه المدينة في عام 2003 بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وأعادوا توطين الأكراد في المدينة بشكل فعال، وغيروا الوضع الديموغرافي في المدينة.

يتألف سكان كركوك من 3 مجموعات عرقية مختلفة: العرب، التركمان، والأكراد. ولا شك في أن حقول النفط والغاز في كركوك قد تكون ميزة للدولة الافتراضية المستقبلية، خاصة بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الصعب في المنطقة. ليست كركوك إداريا جزءا من الحكم الذاتي ولكن وجود قوات البيشمركة هنا يمكن أربيل من تقديم مطالبها، ويسبب الاستياء في بغداد وأنقرة، وبالنظر إلى العدد الكبير من التركمان الذين يعيشون هناك، تحاول تركيا دعمهم.

اقتصاد الإقليم

ووفقا للمحلل الروسي فإن اقتصاد الإقليم الضعيف والهش يحول دون استقلاله، ويجعل الاستفتاء حبرا على ورق. فبعد انخفاض أسعار النفط الذي هو المصدر الرئيسي للدخل، خفضت حكومة الإقليم رواتب موظفي القطاع العام من 30 إلى 70٪ في مختلف التخصصات، الأمر الذي أثار حالة من الاستياء الكبير بين السكان المحليين. بدأت الحكومة الاتحادية في مطلع عام 2014 بممارسة الضغوط المالية على حكومة الإقليم، عندما توقف رئيس الوزراء السابق نوري المالكي عن تسديد المدفوعات الميزانية الحكم الذاتي بسبب محاولات بيع النفط الإقليم بتجاوز السلطات المركزية.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2014، وقع المسؤولون في أربيل اتفاقا لتقاسم الدخل، تحصل بموجبه حكومة إقليم شمال العراق على 17 مليون دولار يوميا من شركة النفط العراقية SOMO في ميناء جيهان التركي. وفى وقت لاحق تبادل الجانبان الاتهامات بعدم الالتزام بشروط الاتفاق. وخفض الإقليم تدريجياً من نقل النفط إلى شركة تسويق النفط وزيادة المبيعات المستقلة للتعويض عن العجز في الميزانية.

وبالنظر إلى حرص تركيا على بذل أقصى الجهود لمنع إنشاء الدولة الكردية فإن احتمال تدني إمكانيات التصدير لأربيل واقعي للغاية وسيصبح تصدير النفط الكردي أكثر صعوبة. وستنضم البلدان المجاورة التي لها نفس الموقف في قضية الاستقلال الكردي إلى الحصار، وستقلل من وتيرة تنمية الحكم الذاتي، لأنه بدون وجود قاعدة إنتاج خاصة بها، فإنها تحتاج إلى استيراد المواد الغذائية والسلع المصنعة. كل هذا يمكن أن يسبب زعزعة الوضع المعيشي للسكان الناقمين على تفاقم الأوضاع الداخلية، وستتحمل القيادة الحالية لإقليم شمال العراق المسؤولية عن ذلك.

الاستفتاء ورقة ضغط سياسي

ويستنتج ساديخوف أن الافتقار إلى الاكتفاء الذاتي الاقتصادي سلبيا في الاتساق السياسي، وهو ما يفهمه جيدا مسعود بارزاني الذي ويلاحظ تزايد الضغط الخارجي الذي يجبره على إعادة النظر في موقفه وتغيير بعض جوانبه.

ويشير إلى أن الأكراد مستعدون لتأجيل الاستفتاء للاستقلال إذا بشرط موافقة حكومة بغداد على بعض الشروط:  يجب على الحكومة المركزية إعادة ميزانية الحكم الذاتي الكردي، وتحديد الوضع المستقبلي لمدينة كركوك ذات الأهمية الاستراتيجية، وزيادة عدد الأكراد في الحكومة المركزية والقوات المسلحة.

ويخلص إلى أن الاستفتاء لن يؤدي إلى الاستقلال. وسوف يصبح آلية ضغط في المفاوضات مع بغداد وهي المفاوضات التي لم تحقق أي نتيجة لعدة سنوات، ولا يمكن أتوقع أي تقدم خاص في هذا الصدد. ولو اتخذ أول خطوة نحو استقلال الأكراد العراقيين، بعدها يأتي دور الأكراد السوريين ثم في تركية وإيرانية. وقد يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار الوضع في الشرق الأوسط.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!