احسان الفقيه - خاص ترك برس

مشهدٌ لا يُنسى في رائعة والت ديزني "الأسد الملك"، عندما كان الأسد الخائن "سكار" شقيق الملك، يتفق مع الضباع لإنهاء الصراع مع الأسود بعد مساعدته في اغتيال أخيه، وجعل يُبشّر بعهد جديد، يتعايش فيه الطرفان في سلام، على أرض المملكة التي يحكمها الأسود.

المشهد لاحقَني في هذه الآونة التي تتم فيها المصالحة الفلسطينية المُقلقة في مُعظم فصولها، فأرى الذين خانوا، قد ضيقوا الخناق على المقاومة التي تُبقي القضية حيّة، لكي يتسنَّى لهم الاندفاع في مسار التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني، الذي تعهدوا برعايته وحماية أمنه، ولو على حساب الشعوب التواقة لتحرير بيت المقدس، وسعَوْا لإنهاء القضية على مبدأ القبول بالأمر الواقع.

أخيرا تمكَّنوا من تحويل حركة حماس (القوة الأعظم تأثيرا) من خانة الفاعل إلى المفعول به، وأرغموها على تقديم تنازلات لم تجُلْ في الأذهان من قبل.

كانت الثورات المضادة للربيع العربي قاصمة الظهر للقضية الفلسطينية، لنصل اليوم إلى مرحلة التحجيم الكامل لكل داعمي المقاومة، ونجحوا في حصار قطاع غزة، الذي اضطرّ مع إدارته الحمساوية للتنازل بعد أن فقد أبسط مقومات الحياة.

ها هي (الطبخة) قد استوت، وظهر آثار التنسيق الإماراتي المصري الفتحاوي لإدارة ملف المصالحة، وإعادة إنتاج دحلان، والدفع به في السياق ليكون العنصر الفاعل في شؤون القطاع.

وها هو زعيم الانقلاب في مصر، يأخذ مكانه في صُلب القضية، ومن ورائه سحرة فرعون يرددون الأهازيج تمجيدا لزعيمهم الذي أنقذ القضية الفلسطينية واستعاد دور مصر الإقليمي مرة أخرى، وها هو يضطر للتعامل مع حماس التي يعتبرها جماعة إرهابية، من أجل إتمام دوره المشبوه في المصالحة.

انحازت حماس وِفق قواعد الأولويات ومبدأ الضرورة إلى البطون الخاوية، وتخفيف الضغط عن شعب القطاع المُحاصر من قِبَل ذوي القربى، وهي تعلم يقينا أن كل الأطراف تدخل اللعبة بأجندة خاصة ليس منها قطعا تحرير فلسطين.

الحكومة الجديدة في جلستها الأولى في غزة، أجّلت الإجراءات التي اتخذها رئيس السلطة محمود عباس ضد القطاع للضغط على حماس، بينما تُرك شأن عناصر الحركة في الضفة وملاحقتهم ومطاردتهم عائما مُبهما.

لكن المُعضلة الكبرى التي تُواجه حركة حماس وتضعها على مفترق طرق، هي سلاح المقاومة، حيث أن الخيارات أمامها مغلقة، فإما أن تُبقى على سلاحها وترفض وضع هذه القضية على طاولة المفاوضات وهو الأمر الذي لا تزال الحركة تعلنه.

وإما أن تستجيب لنزع السلاح، وهو ما أكد عليه محمود عباس عندما قال في حديث له مع قناة "سي بي سي" المصرية: "لو شخص من فتح في الضفة حامل سلاح غير السلاح الشرعي أنا أعتقله، وهذا ما سأعمل عليه في غزة، يجب أن يكون هناك سلاح شرعي واحد".

الخيار الأول وهو تمسّك حماس بسلاحها، من المؤكد أنه سيقود إتمام المصالحة إلى طريق مسدود، لأنه مطلب عام لكل أطراف المعادلة عدا المقاومة المباشرة وغير المباشرة.

فالأمريكان والصهاينة الذين أبدوا صمتا مريبا حيال المصالحة، نزع سلاح المقاومة بالنسبة إليهم أمر حتمي.

وهو مطلب رسمي لمحمود عباس كما أسلفنا، فهو يريد توحيد السلطة في شخصه، ليدفع بالقضية الفلسطينية في مسار واحد دون عراقيل.

وهو مطلب كذلك للنظام المصري الذي يُزعجه وجود كتائب القسام في غزة المتاخمة لحدوده.

ومطلب للإمارات التي لا تكف عن ملاحقة الإسلاميين في المنطقة بأسرها، وتتخذ موقفا عدائيا من ثورات الربيع وداعميها والمستفيدين منها، إضافة إلى رغبتها الجامحة في التطبيع.

فهل ستقبل هذه الأطراف بعدم نزع السلاح من يد المقاومة الفلسطينية؟ هل ستتعامل مع الجناح السياسي للحركة بصورة منفصلة عن السلاح؟ وهل سيتم القبول بعناصر الحركة في حكومة الوفاق بينما نفس الحكومة تلاحق عناصر كتائب القسام؟

لا أرى في الأُفق ما يجعلني أجيب بنعم، وفي هذه الحالة يُخشى من تكرار السيناريو الدامي بين فتح وحماس.

وأما خيار نزع السلاح، فهو بلا أدنى شك سيحبس القضية الفلسطينية في علبة المفاوضات الهزلية التي ستنبني على موقف القوة الإسرائيلي والضعف الفلسطيني، فإن المقاومة وحدها هي التي تجبر الجانب الإسرائيلي على تقديم بعض التنازلات، وهي التي يستثمرها السياسيون على طاولة المفاوضات.

أن تغدو المقاومة الفلسطينية – التي تأتي حماس على رأس ممثليها- مجرد حقبة تاريخية قد انتهت، فهذا يعني أن  الكيان الصهيوني على طريق التعافي التام من الصداع المزمن.

قطعا قيادة الحركة تنظر إلى هذه الأبعاد، وهي وحدها من يملك الإجابة، فهل رتبت حماس أوراقها لمواجهة هذا المأزق، أم أن ضغط الواقع قد ألجأها لالتقاط الأنفاس مع انتظار ما يفرزه الواقع بعد أن فقدت كل فرصة للدعم؟

هل ستنقل حماس نشاطها كله إلى الضفة من خلال خلايا سرية مُقاوِمة وتتخلى عن ترسانة أسلحتها في القطاع؟

إجابات هذه الأسئلة وغيرها لدى قيادة الحركة، ستكشفها الأيام المقبلة، ولكن في كل الأحوال ينبغي أن نوقن بأن حماس ليست قوة خارجية أتت من بعيد لتحرير فلسطين، هي إنتاج وصنيعة هذا الشعب، والذي ستكفل يقظته ووعيه استمرار المقاومة بكل أشكالها.