محمد أوجاكتان – صحيفة قرار – ترجمة وتحرير ترك برس

أعتقد أن الخطوات التي بدأت بتغيير رئيس بلدية إسطنبول "قدير توب باش" واستمرت بتوقعات حول استقالة رؤساء بلديات أنقرة وبورصا وباليك أسير ستكون سبباً لترسّخ العديد من التساؤلات لدى ذاكرة المجتمع التركي في إطار مفهوم "الإرادة الشعبية".

إذ أدى حزب العدالة والتنمية في بداية وصوله للسلطة في سنة 2002 وما بعدها  إلى تغييرات عديدة في ذهنية تركيا السياسية من خلال ترديد عبارة "لن تكون هناك سلطة تفوق الإرادة الشعبية قوةً" بصوت عال. ليس هناك داع للذهاب بعيدا، لنتذكر أحداث "تقسيم". جاء الرد من رئيس الوزراء آنذاك أردوغان على من كان يدّعي في تلك الأيام أن صناديق الانتخابات لا تمت بأي صلة إلى مفهوم الديمقراطية بالشكل التالي: "أنا لا أقبل العبارات التي تشير إلى أن الصناديق لا تمثل الديمقراطية أو أن الديمقراطية ليست عبارة عن صناديق فقط. لا أقبل هذه العبارة من أي شخص كائناً من يكن قائلها. تمر الديمقراطية من صناديق الانتخاب بطريقة أو بأخرى. كيف سيجيب من يستخدم هذه العبارة على من يسألهم عن كيفية تحقيق الديمقراطية دون الرجوع إلى صناديق الانتخاب؟ الصناديق هي السبيل الوحيد لتحقيق الديقمراطية. لا يمكن لأي شخص أن يبادر في محاولة رهن الإرادة الشعبية".

بالطبع يمكننا مناقشة ما إذا كانت الديمقراطية عبارة عن صناديق الانتخاب أو إنها ليست كذلك بالفعل. لكن هناك حقيقة واضحة وهي أن المصدر الأساسي لمشروعية السلطات المنتخبة إلى الآن هي الصناديق. لذلك فإن انتظار استقالة رؤساء البلديات عن مناصبهم قبل عام ونصف من انتهاء الـ 5 أعوام المخصصة لهم ليس ممكناً من المنظور الدستوري، إلى جانب أنه لن يكون قراراً صائباً في إطار صحة ممارسة الإرادة الشعبية في تركيا.

أدت التصورات الناتجة عن الإرادة السياسية في خصوص استقالة رؤساء البلديات عن منصابهم إلى تشكل علامات الاستفهام لدى الذاكرة الاجتماعية. بطبيعة الحال يتساءل الشعب عن وجود احتمال تورط هؤلاء الرؤساء بالفساد مما يدفع الحكومة التركية إلى مطالبتهم بالاستقالة عن مناصبهم، لكن سيؤدي هذا الأمر إلى تشكل غموض صعب التوضيح بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية ورؤساء البلديات أيضاً.

تتوجه توقعات المجتمع نحو تحويل رؤساء البلديات إلى القضاء في حال تورطهم بالفساد. أما إذا لم يكونوا متورطين بأي مخالفات قانونية فذلك يعني وضعهم تحت تهمة باطلة لا يستحقونها، إذ لا يمكن لأي وجدان أن يتحمل هذه المسؤولية الكبيرة.

يجب على حزب العدالة والتنمية أن يظهر تحليلاً جيداً فيما يخص تأثير الخطوات المتخذة بحق رؤساء البلديات قبل فترة وجيزة من الانتخابات على النتائج التي ستظهر في صناديق الانتخابات. قد تنظر إدارة حزب العدالة والتنمية إلى مجرى الأحداث من منظور مقنع ومبرر بالنسبة إليها. ولكن يجب على متخذي القرارات التفكير جيداً فيما يخص تصورات الناخبين الذين أوصلوا رؤساء البلديات إلى مناصبهم من خلال أصواتهم في صناديق الانتخابات.

إذا رأى الناخبون هذا التغيير على أنه تدخل في الإرادة الاجتماعية فقد يؤدي ذلك إلى أزمة كبيرة بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية خلال انتخابات رؤساء البلديات التي ستجري في عام 2019. في الواقع أنا غير مقتنع بأن حزب العدالة والتنمية قد يرغب في وقوع مثل هذه الأحداث. لأن البلديات لطالما كانت تشكل الآلية الأكبر لجذب اهتمام وتوجهات المجتمع نحو حزب العدالة والتنمية منذ 15 عاماً.

في الوقت الحاضر هناك قناعة واضحة بوجود درجة معينة من  تدني وفساد جودة الخدمة في البلديات. لا بد من وجود هذه القناعة نظراً إلى اعتقاد الرئيس أردوغان بضرورة وقوع هذه التغييرات. من الجدير بالتذكير أن الرئيس أردوغان محق إلى أبعد الحدود فيما يخص التغيير، لكن يجب أن تكون هذه التغييرات متزامنة مع الانتخابات. إن عدم إمكانية تبرير وتوضيح استقالة رؤساء البلديات عن مناصبهم في إطار قانوني وديمقراطي قد يؤدي إلى نتائج لا يمكن تخمينها بسهولة.

عن الكاتب

محمد أوجاكتان

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس