د. علي حسين باكير - صحيفة القبس 

يزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الكويت، اليوم، في زيارة رسمية ضمن جولة خارجية تشمل قطر أيضاً.

وتعد هذه الزيارة الثالثة للكويت هذا العام، وهو رقم قياسي يعكس الرغبة المشتركة لتقوية العلاقات الثنائية بين البلدين على مختلف المستويات.

وعلى الرغم من أن الزيارة المشار إليها هي ليوم واحد فقط، فمن المتوقع ان يشمل اللقاء بحث العلاقات الثنائية على المستوى السياسي والاقتصادي، وربما الدفاعي أيضاً.

تشير معلومات متقاطعة الى ان الجانب التركي يركز في اللقاءات الثنائية الرفيعة المستوى بين البلدين أخيراً على الدعوة الى رفع التبادل التجاري وإنشاء منطقة حرّة، وإزالة العوائق امام رفع الاستثمارات المشتركة، وإتاحة الفرصة للشركات التركية للحصول على حصّة أكبر من المشاريع الاستراتيجية، بما يتناسب مع طموح الكويت بتطوير بنيتها التحتيّة بشكل جذري خلال الأعوام المقبلة.

ويبدي الجانب التركي اهتمامه خلال الاجتماعات الرسمية أيضاً بتلبية احتياجات القطاع الدفاعي الكويتي، بما يتناسب مع متطلبات تحديث وتطوير القوات المسلحة الكويتية. ومن المتوقع أن يبحث اللقاء الأزمة الخليجية والنتيجة التي توصّلت إليها الجهود الكويتية، لاسيما بعد زيارة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الى الولايات المتّحدة، في سبتمبر الماضي، والتحذير اللاحق لسموه من تصعيد محتمل في الازمة الخليجية.

السياسة

على الصعيد السياسي، تعتبر العلاقات التركية – الكويتية على مدى عقد كامل، من العلاقات الأكثر تميزاً واستقرارا في منطقة الخليج، مقارنة بالعلاقة التي تربط تركيا بدول الخليج الأخرى، والتي عادة ما تشهد صعودا او هبوطا، حسب التطورات الإقليمية او التقلبات السياسية.

ويعتبر العام الحالي علامة فارقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث شهد زيارات رسمية رفيعة المستوى للطرفين، شهدت توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المشتركة، كما تمّ الاتفاق أيضا على متابعة التعاون والتنسيق سياسياً وزيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة، وكذلك زيادة التعاون الدفاعي والعسكري بين البلدين.

ولا تقتصر أهمية العلاقات التركية ــــ الكويتية على الصعيد الثنائي فقط، بل ينظر إليها أيضا على أنها علاقات ضرورية وحيوية بالنسبة الى المنطقة، فالبلدان يحاولان احتواء الازمات الإقليمية التي اندلعت أخيراً، والبحث عن حلول سلميّة لها، كما انهما يتبعان سياسة نشطة في ما يتعلق بالدبلوماسية الإنسانية.

ويعد الملف السوري من الملفات المشتركة التي يتعاون فيها الطرفان على تلبية احتياجات النازحين واللاجئين السوريين.

ويثمّن الجانب التركي كثيراً للكويت موقفها إبّان المحاولة الانقلابية الفاشلة، فعلى عكس بعض الدول التي تأخّرت وأتاحت بعض منابرها الإعلامية لشخصيات معارضة، أملاً في سقوط الحكومة التركية المنتخبة، كانت الكويت سبّاقة في إدانة الانقلاب.

ويحظى الجهد الذي تبذله الكويت وسمو الأمير في الأزمة الخليجية الأخيرة بتقدير تركي كبير، وتعد تركيا من أوائل الدول التي تواصلت مع الكويت فور اندلاع الازمة ودعمت مبادرتها في الوساطة. 

وبهذا المعنى، فإن الجهد التركي ــــ الكويتي مهم جداً بالنسبة الى أمن واستقرار المنطقة. وهناك بالتأكيد من لا يناسبه هذا الوضع ويريد تقويض الجهود الدبلوماسية الثنائية، وهناك في المقابل من يريد استمرارها وعدم توقفها.

ويسعى البعض الى تقليل حجم الجهود المشتركة للدولتين أو الإشارة الى فشل مساعيهما، في الوقت الذي يتم إغفال حقيقة انهما نجحتا في منع اندلاع حرب جديدة في المنطقة.

وأشار سمو الامير الى هذا الامر خلال مؤتمره الصحافي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، في سبتمبر الماضي، حيث أكد أن الكويت نجحت في منع «عسكرة» الأزمة الخليجية.

في المقابل، نجحت تركيا في تحقيق الهدف نفسه عندما فعّلت تعاونها الدفاعي مع قطر.

الاقتصاد

وعلى الصعيد الاقتصادي، يسعى الطرفان الى تعزيز هذه العلاقات بما يعكس القدرات الكامنة للبلدين؛ اذ تسعى الحكومتان الى رفع التبادل التجاري الى 3 مليارات دولار بحلول عام 2020. وعلى الرغم من أنه رقم طموح، فإن هناك إمكانية بالفعل الى الاقتراب منه.

فقد سمحت التسهيلات التي أقرتها الحكومة التركية في القطاعات الاستثمارية المختلفة للكويتيين بالاستثمار بشكل كبير في السنوات الأخيرة، خصوصا في قطاع المصارف والبنى التحتيّة والسياحة. وللهيئة العامة الكويتية للاستثمار، استثمارات في قطاعات مختلفة في تركيا.

وبفضل قانون التملّك الذي تم إقراره في السنوات الأخيرة، الذي يعطي ميزات إضافية كالإقامة، ازداد حجم المستثمرين الكويتيين في المجال العقاري بشكل كبير. ويحتل المواطنون الكويتيون موقعاً متقدماً في قائمة المتملكين الأجانب للعقارات التركية.

وتعتبر الكويت من أولى الدول الخليجية التي استثمرت في القطاع المصرفي في تركيا. والبنك الكويتي – التركي من النماذج الرائدة في العمل المصرفي المشترك، وهو واحد من أهم البنوك الإسلامية في تركيا اليوم.

وهناك أيضا بنك برقان، الذي دخل تركيا عام 2012 بعد استحواذه على يوروبنك تكفين، كما افتتحت بعض البنوك الكويتية فروعاً لها في تركيا لتسهيل التعاملات المالية للمواطنين.

ويعتبر القطاع السياحي من القطاعات المهمة بالنسبة الى تركيا. وتحرص الحكومة التركية دائماً على كل ما من شأنه تشجيع السياحة وتسهيلها.

وعلى الرغم من أن عدد السياح الخليجيين عموماً لا يزال قليلاً مقارنة بالسياح الأجانب، فإن عدد الزائرين والسياح القادمين من الكويت في ازدياد متواصل خلال السنوات القليلة الماضية، حيث بلغ عددهم عام 2016 قرابة 180 ألفاً.

الاستثمار والبنى التحتية

تحتل شركات المقاولات والإنشاءات التركية المرتبة الثانية عالمياً بعد الشركات الصينية، وتحظى هذه الشركات بسمعة إيجابية جداً خوّلتها الحصول على مشاريع ضخمة في عدد كبير من الدول، من بينها الكويت.

وخلال زيارة سابقة لوزير التجارة والصناعة الكويتي خالد الروضان الى تركيا، عبّر الأخير عن رغبة الكويت في زيادة عدد المستثمرين الأتراك، مشيراً الى أن ذلك يعدّ من أولويات الجانب الكويتي، على اعتبار أن هناك نوعاً من الارتياح والرضا عن أداء المستثمرين الأتراك وأعمالهم.

ويتوقّع المسؤولون الأتراك أن تفي الكويت بوعودها في هذا المجال، وأن يتم تقديم المزيد من التسهيلات التي تسمح للمقاولين وللشركات التركية بتلبية احتياجات السوق المحلية الكويتية بأسرع وقت وأقل كلفة وأكثر جودة.

ويبحث الطرفان في الآونة الأخيرة إمكانية إنشاء منطقة اقتصادية خاصة للشركات التركية للمساعدة على تلبية احتياجات الجانب الكويتي بشكل أسرع.

وتبلغ قيمة المشاريع التي تنفّذها شركات الإنشاءات والمقاولات التركية في الكويت 6.5 مليارات دولار. وتعد «ليماك القابضة» من أشهر الشركات التركية التي حصلت على مشاريع في الكويت، من بينها مشروع يتعلق بمطار الكويت الجديد، تبلغ قيمته 4.3 مليارات دولار، وهو من أكبر العقود التي حصل عليها مقاول تركي واحد خارج تركيا.

ويعتبر البعض أن الإجراءات البيروقراطية والقيود التي يتم فرضها على المقاولين في كثير من الأحيان تمنع إنجاز المشروع في وقت سريع، ولذلك تعتبر هذه النقطة من العوائق التي تحول دون إنجاز المزيد من المشاريع المشتركة والتي عادة ما يولي الطرفان أهمية لبحثها ومعالجتها، خاصة في ظل تطلّعات الجانب التركي الى الحصول على حصّة من المشاريع الاستراتيجية التي تهدف الى تطوير البنية التحتيّة الكويتية خلال العقدين المقبلين.

التعاون الدفاعي

شهد العام الحالي لقاءات عدة بين وزيرَي الدفاع في البلدَين، تمّ فيها نقاش الكيفية التي يمكن من خلالها رفع التعاون العسكري الى فضاءات أوسع مما هي عليه حالياً. وفي هذا السياق، زار وفد من رئاسة هيئة الأركان الكويتية رئاسة الأركان التركية، الشهر الماضي، وبحث الطرفان مجالات التعاون العسكرية.

ويرى بعض الخبراء العسكريين أن العلاقات الدفاعية بين البلدين أقل مما هو مطلوب، حتى مقارنة بالعلاقات الموجودة بين تركيا وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما في ما يتعلق بالتعاون في مجال الصناعات الدفاعية. إذ قامت أنقرة خلال السنوات القليلة الماضية بصفقات عسكرية مع مختلف دول مجلس التعاون.

ويركّز الجانب التركي على الترويج لمنتجاته الدفاعية المحليّة الصنع ويحاول بحث مسألة تصديرها الى الدول الصديقة في الاجتماعات الرسمية الرفيعة المستوى، ومنها الاجتماعات التي تجري بين المسؤولين في البلدين.

وتحاول شركات الصناعات الدفاعية التركية الدخول الى أسواق مختلف الدول عبر الدبلوماسية الرسمية، وبما يتناسب مع حاجاتها.

وتوفّر منتجات دفاعية تتضمن بعض الأنواع الحديثة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة، بالإضافة الى العربات العسكرية والمدرّعات والطائرات من دون طيّار (المسلّحة أو تلك المخصصة للاستطلاع) وتلقى رواجاً في عدد كبير من الدول في الخليج وفي آسيا، ويتم تصدير بعضها حتى الى الولايات المتّحدة.

وعلى الرغم من التقارير التي تشير الى أن تركيا سبق لها أن باعت بعض المعدات العسكرية الى الجانب الكويتي، فلم يتم تسجيل صفقة كبيرة حتى الآن مع الكويت. ويعتبر طموح أنقرة بالمشاركة في الخطط الكويتية لتطوير وتحديث القطاع الدفاعي والعسكري الكويتي أكبر بكثير مما تمّ حتى الآن.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس