ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

"من يعتقدون اليوم أن القدس ملكهم يجب أن يعرفوا بأنهم لن يستطيعوا حتى العثور على الشجرة التي سيختبئون خلفها"

بهذه الكلمات قصف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان جبهة الكيان الصهيوني خلال كلمته التي ألقاها بمؤتمر لحزب العدالة والتنمية الذي يرأسه بالعاصمة التركية أنقرة، الكلمة جاءت على خلفية القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.

في المقابل انتهز رئيس وزراء الكيان الصهيوني فرصة المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس للرد على تصريحات اردوغان بقوله: "إنه لن يأخذ محاضرات حول المبادئ من رجل يدعم الإرهاب ويقصف القرى الكردية بالقنابل".

وبعيدا عن الموقف الذي اتخذه الرئيس التركي وما يجب على الدول الإسلامية من دعم بعد الدعوة بعقد قمة إسلامية للخروج بموقف موحد تجاه القرار الأمريكي وتداعياته، وبغض النظر عن التجاذبات التي ستقف في النهاية - برأيي - عائقاً أمام الخروج بموقف موحد يمكن معه رد الإدارة الأمريكية وإثنائها عن القرار.

فإن التراشق بين اردوغان ونتنياهو لم يكن وليد اللحظة أو الموقف، فالمراقب للعلاقات التركية بالكيان الصهيوني يعرف أنها مرت بفترات مد وجزر و إن كانت بدأت بمبشرات للصهاينة حيث كانت تركيا من أولى الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني عام 1949 إي بعد أقل من عام على تأسيسها وعرفت العلاقات بعدها لغة المصالح المشتركة والتي أسست لبعض الاتفاقات التي ورثها الحزب الحاكم اليوم ، إلا أنه ومنذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا في عام 2002 ، شهدت تلك العلاقة منحنيات كانت أغلبها سلبية ، فعلى الرغم من محاولة الحزب تمرير العلاقات مع الكيان الصهيوني بشكل لا يصل إلى حدود مناطق التماس مع الحفاظ على الاتفاقات المبرمة بينهما على الرغم من بعض الانتقادات الإعلامية، إلا أن الحوادث دفعت إلى غير ذلك.

فالوساطة التركية في بعض الملفات الإقليمية و الدولية أثرت على العلاقات بين الطرفين ، وهو ما انعكس على تصريحات المسئولين الصهاينة ودفعهم لاعتبار تركيا وسيط غير شريف في تلك الملفات، وكان عام 2008 فاصلة مهمة في تلك العلاقات بعد قرار سوريا بوقف المفاوضات مع الكيان الصهيوني وهو ما دعمته تركيا ليفوت على الكيان سحب دولة أخرى لحظيرة التطبيع، ويأتي العدوان الصهيوني في نفس العام على غزة ليؤجج العلاقات بعد أن أدان اردوغان والذي كان رئيسا للوزراء في حينها العدوان بأشد عبارات الإدانة.

ليأتي المشهد الأشهر في تاريخ الدبلوماسية العالمية وتحديدا في مؤتمر دافوس وبعد أقل من عام على العدوان على غزة، حين صفع اردوغان نظيره الصهيوني شيمون بيريز واصفا إياه بقاتل الأطفال مطالبا العالم الحر بمعاقبة الكيان الصهيوني على عدوانه على غزة، ليترك بعدها اردوغان المنصة، في مشهد لا يقل ألماً في وجدان ممثل الكيان الصهيوني من محارق الألمان المزعومة، ليؤرخ الصهاينة هولوكوست جديد حرقت فيه كرامة الدبلوماسية الصهيونية على يد أردوغان.

سنتان على هذه الواقعة مرت فيه العلاقات بين الطرفين في حالة فتور عميق لم يهزه إلا الحدث القوى الذي تبعه رد فعل أقوي من تركيا، وهو حادث اعتداء جيش الاحتلال على أسطول الحرية الذي خرج من تركيا لكسر الحصار على غزة ، فلما كان القانون الدولي يعتبر السفينة (مافي مرمرة) هي أرض تركيا ما دامت في المياه الدولية، فاعتبرت تركيا الاعتداء يمس سيادتها وهو ما استدعى قطع رئيس الوزراء اردوغان زيارته لدولة تشيلي، التي كان في زيارة لها وقت الحادث، ليعود ويقرر استدعاء السفير التركي لدى تل أبيب، و إلغاء المناورات العسكرية مع الكيان الصهيوني ، والتي ورثها عن اتفاقيات مسبقة مع الحكومات التركية المتعاقبة، ولم يكتفي بذلك بل استفاد من عضويته في حلف الناتو ودعا إلى اجتماع طارئ لبحث سبل الرد على الاعتداء على دولته العضو في الحلف، ورفع سقف الحراك ليهب إلى مجلس الأمن مطالبا بإدانة رسمية من المجلس ضد الكيان الصهيوني والذي تحصّل عليها، وهو ما وضع العلاقات التركية بالكيان الصهيوني في حالة موت سريري، حاول الوسطاء إنعاشها لفترة، لينجح باراك أوباما الرئيس الأمريكي في تلك المهمة، ويقبل الطرف التركي وساطة أوباما ولكن بشروط مذلة للطرف الصهيوني تضمنت اعتذاراً من رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو باسم كيانه بخصوص شهداء ومصابي أسطول الحرية مع تعويض أهالي الضحايا والمصابين بمبلغ 20 مليون دولار ، لتعود العلاقات الدبلوماسية التي قطعت منذ حادثة أسطول الحرية إلى مستوى السفراء ، لكن سرعان ما توترت العلاقات مجددا بعد قرار الكنيست الصهيوني بمنع الآذان في المناطق المحتلة ، وهو ما رد عليه الرئيس اردوغان بأنه لن يسمح بتمرير القرار ووصفه بالعنصري وهو ما قلب الأوساط السياسية الصهيونية على تركيا لتتوتر العلاقات مرة أخرى.

لكن مساعي الرئيس التركي بعد قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني و ما تبعه من ردود أفعال من الطرفين يأذن بحقبة جديدة من القطيعة ، لاسيما و أن المراقبين يرون أن الرئيس اردوغان يتحرك في علاقته بالكيان الصهيوني من منطلق ايدولوجي مرفوع في أخر طريقه لافتة ... الطريق اتجاه واحد.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس