سمير صالحة - لبنان 24

زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الاخيرة الى تركيا بعد 5 سنوات تقريبا على القطيعة مع حكومة نوري المالكي تقدمها اليوم الرغبة التركية العراقية المشتركة في فتح صفحة جديدة من العلاقات . فهل يكون لهما ما يريدان بمثل هذه البساطة رغم كل الحديث عن ايجابيات الزيارة عبر تفعيل اعمال مجلس التعاون الإستراتيجي والملفات الامنية والإقتصادية والسياسية والحديث عن التعاون العسكري والتنسيق في موضوع تصدير النفط العراقي الى الخارج عبر الاراضي التركية؟

العلاقات التركية العراقية التي وصلت الى طريق مسدود في فترة رئيس الوزراء نوري المالكي عادت وتحركت ايجابيا بعد خسارة المالكي لمقعده في الرئاسة أمام العبادي في الانتخابات التي أجريت في الثلاثين من نيسان المنصرم وفتحت الابواب امام فرص جديدة بين الدولتين.

زيارة خاطفة جاءت من قبل وزير الخارجي العراقي إبراهيم الجعفري إلى تركيا في الخامس من شهر  تشرين الثاني الماضي عقبها زيارة مماثلة لرئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إلى بغداد في الشهر نفسه ثم كانت زيارة اخرى للعبادي هذه المرة خلال شهر تقريبا .

الرغبة بالانفتاح ونسيان ما مضى موجودة لدى الجانبين لكنه مع ذلك من المبكر جدا الحديث عن نتائج الزيارة وارتداداتها الايجابية لان فتح صفحة جديدة من العلاقات مرتبط دون شك برغبة السلطات السياسية في البلدين بهذا الانفتاح لكنه مرتبط كذلك بمسار العلاقات بين بغداد واربيل ومرتبط ايضا وهنا الاهم بتداخل الكثير من الملفات الامنية والسياسية الاقليمية .

هناك اتفاق كامل على ان العلاقات العراقية التركية كانت دائما تحت رحمة سلسلة من التغيرات السلبية والإيجابية الثنائية والاقليمية مما جعلها غير مستقرة وغامضة المعالم . وفي الاعوام الاخيرة بلغت الخلافات أوجّها على خلفية الأزمة السورية وإنحياز تركيا للمعارضة السورية، ورفْضها للموقف الإيراني والروسي مما أسهم في المزيد من التوتر في العلاقات خصوصا وان بغداد المنفتحة على ايران والتي تجنبت اغضاب دمشق قبلت ان يكون الثمن الابتعاد اكثر فاكثر عن انقرة .

وجود نوري المالكي في السلطة كان احد اهم المؤشرات السلبية واسباب التراجع في العلاقات .رئيس تكتل "العراقية" إياد علاوي تحول الى المفضل من قبل تركيا التي سعت لاقناع الأحزاب السنية بالاتحاد تحت لوائه وتحديدا بعدما أصدرت بغداد مذكرة اعتقال بحق نائب رئيس الجمهورية السني طارق الهاشمي الذي استضافته انقرة رغم كل التهم التي وجهت اليه . 

أردوغان قال ان المالكي "أناني" واتهمه بإثارة صراع طائفي. والمالكي ندد بتصرف تركيا ووصفه بأنه سلوك "دولة عدوانية". وبعد ذلك بفترة وجيزة قام متظاهرون في البصرة بإحراق العلم التركي وهددوا سير العمليات التجارية التركية في العراق. 

انقرة وبغداد يريدان نسيان الماضي على ما يبدو لكنهما يحتاجان الى اكثر من لقاء وزيارة فحجم التباعد يتجاوز مسالة  مساعدة تركيا لإقليم كردستان العراق في تصدير نفطه بشكل مستقل عن بغداد واستقبال انقرة لنائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي وتحميل المالكي مسؤولية هذا التراجع في العلاقات وهو الذي اتهم انقرة بالتدخل في الشؤون الداخلية للعراق اضافة الى معارضته الاتفاق التركي مع اقليم كردستان في انشاء ومد انبوب للنفط وبيع خام الاقليم في الاسواق العالمية بمعزل عن بغداد وهو ما عدته “تهريبا للنفط ومخالفا للدستور العراقي” والتوجه لمقاضاتهما قانونياعلى المستوى العالمي .

بغداد تقول اليوم حول تطلعاتها حيال هذا التقارب الجديد :

نرغب في تصدير النفط العراقي إلى الأسواق العالمية عبر أراضي تركيا وفي هذا مصلحة تجارية للطرفين .

أمن ومصالح العراق وتركيا مشتركة . وفي حال وقوع أي  إعتداء على تركيا فلن نقبل به .

ونحن إتفقنا مع تركيا على التصدي ل"تنظيم داعش" الذي بدا يضعف في المناطق  التي تحت سيطرته. ونطلي المساعدة من تركيا في جهة التدريب و التجهيز للقوات المسلحة العراقية.وندعو شركات الاستثمار ورجال الأعمال الأتراك إلى الاستثمار في المحافظات العراقيّة ونشدد على أهميّة العلاقات التّجاريّة بين البلدين. ونركزعلى تعاون الدّولتين في مجال البنوك، وذلك من خلال إنشاء بنوكٍ مشتركة .

وبغداد تعلن ان الانخفاض الذي طرأ على أسعار النّفط عالميا مؤخّراً أثّر بعض الشيئ على الاقتصاد العراقي، إلّا أنّ إبرام الحكومة العراقية إتّفاقيّة مع حكومة إقليم كردستان العراق بشأن نفط الاقليم والتي تمّت بوساطةٍ تركيّة، سوف تحسّن من أداء الأسواق العراقيّة خلال الأيام المقبلة.وتصف تركيا بالشّريك الاستراتيجي للعراق في المنطقة. 

وتؤكد ان سبل التعاون في محاربة الإرهاب ومواجهة التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة تمر ايضا عبر التنسيق العراقي التركي .

وتعلن رغبتها بمشاركة تركيا في تدريب الجنود الاتراك وتبادل المعلومات الاستخباراتية . 

وتصر على ان زيارة العبادي هدفها ان تطوى صفحة خلافات سلفه نوري المالكي مع تركيا.

اما انقرة فهي تعلن من ناحيتها :

انها ستوسع من دعم العراق عسكريا واقتصاديا .  و انها مستعدة للتعاون مع العراق في إطار الحرب على المنظمات الإرهابية بما فيها "داعش " و حزب  " العمال الكردستاني " الذي يشن  هجمات ضد تركيا من أراضي العراق . وتذكر ان أمن و إستقرار العراق ينعكس على أمن تركيا و المنطقة ككل . وان هذه الزيارة قد تساعد على فتح فصلا جديدا في العلاقة بين البلدين بعد توتر في عهد المالكي في السنوات الأخيرة و تعود الثقة بينهما إلى سابق عهدها . وعلى استعداد لتكون معبر النفط العراقي الى الخارج وللعودة السريعة الى المدن العراقية للمساهمة في مشاريع الاعمار والاستثمارات كما كانت الحالة قبل سنوات .

رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يقول نستطيع ان نهزم داعش بتوحيد قوانا، وبدعم من دول المنطقة”. وداود اوغلو يقول ان تركيا تدرب بالفعل مقاتلين عراقيين اكرادا من قوات البشمركة لقتال تنظيم الدولة. وان انقرة منفتحة على اية فكرة” لتوفير مزيد من الدعم لبغداد.

لا احد ينكر ان الكثير من التحولات الثنائية والاقليمية اثرت سلبا على مسار العلاقات بين انقرة وبغداد بينها التحولات الإقليمية الناجمة عن ثورات الربيع العربي والانسحاب الأمريكي العاجل من العراق والتقارب الاخير بين تركيا واقليم كردستان العراق. لذلك فان التحولات في قراءة علاقات تركيا المتغيرة مع العراق اليوم تمر دون شك عبر اثبات سقوط نظرية ان تعزيز العلاقات مع كردستان يؤدي إلى ضعفها مع بغداد .

تركيا اعتبرت دائما ان التفاوض الوحيد حول صفقات الطاقة مع اربيل لابد ان يمر عبر العراق وذلك تمشياً مع الإجراءات الدولية المقبولة وتفسيرها للدستور العراقي. كما تواصل تركيا تأكيدها بعدم حدوث أي تغيير في هذه السياسة . وزير الطاقة التركي تانر يلدز يرى أن أنقرة ستسعى جاهدة للحصول على موافقة بغداد قبل الاتفاق النهائي بشأن إبرام أي صفقة بخصوص خطوط الأنابيب مع حكومة إقليم كردستان . 

أنقرة بقيت مصممة على تعميق العلاقات مع بغداد انطلاقاً من قناعتها بأن وجود سلطة مركزية قوية سيكون بمثابة ثقل مقابل للتطلعات السياسية للأكراد. 

اليوم ورغم كل ما يقال ترى انقرة ان مصالحها محمية بشكل أفضل في ظل وجود عراق موحد ووجود سلطة عراقية مستقرة وقوية.

عشية الحرب الأمريكية على العراق، ثمّن العراقيون امتناع تركيا عن السماح للقوات الأمريكية العبور من أراضيها لدخول العراق واعتبر ذلك مؤشر حكمة من قيادة حزب "العدالة والتنمية . تركيا ايضا تعرف انها بحاجة للعراق قبل غيره لكسب ثقة العالم العربي في التعامل معها اولا، وللاندماج في وسطها الاقليمي الذي يتعثر امام تراجع العلاقات التركية مع مصر وإسرائيل وايران في العامين الاخيرين  ثانيا ، فضلا عن عودتها للاقتراب من حلمها في الوصول الى الاتحاد الاوروبي ثالثا، والعراق هو الفرصة الاكبر والامثل لتركيا في تحقيق ذلك كما يرى الكثير من المثقفين في الجانبين .

باختصار هناك تحول واضح ورغبة مشتركة يبذلها الطرفان من أجل تحسين العلاقات بينهما إنطلقت مع تفاقم خطورة داعش عراقيا وحاجة تركيا إلى مراجعة سياستها مع جارها في الجنوب الشرقي .

العراق لا يحاول التقرب من تركيا وحدها في هذه الآونة بل من تركيا والسعودية والأردن والكويت ايضا هل سبب ذلك هو فشله في الرهان على علاقاته المميّزة مع كل من إيران وسورية؟

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس