د. ياسر سعد الدين - خاص ترك برس

لم يعد الأمر اجتهادا أو تحليلا، فلقد اعترف محمد بن سلمان بأن السعودية استخدمت الدين والمذهب والجهاد أدوات لخدمة الحلفاء الغربيين في مواجهة السوفييت والشيوعية إبان الحرب الباردة. الاختراق وصناعة العملاء والأدوات جزء من الصراع المستمر في الدنيا والمتواصل حتى يرث الله الأرض ومن عليها. المنافقون في عهد الرسول ﷺ مارسوا الاختراق وأظهروا إسلامهم مخادعة ومخاتلة، لينتظروا لحظات فاصلة ومنعطفات حرجة لينقضوا على المسلمين في الظهر غيلة وغدرا.

اخترق الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين نظام البعث السوري ووصلت علاقاته وامتدت إلى أصحاب القرار بل وتم ترشيحه لمناصب عليا في الحزب والدولة، فكان ثمار الاختراق حربا سهلة لبلاده في 1967 والتي أدت لاحتلال الجولان المنطقة الأكثر تحصنا وتحصينا ربما في العالم بأسره من الناحية الجغرافية واللوجستية حينها.

في عام 2006 أعلنت السلطات الكندية بقيادة حكومة المحافظين عن اكتشاف مؤامرة ضخمة تستهدف تفجير البرلمان الكندي واغتيال مسؤوليين رفيعين بأدوات ساذجة وبشباب يافع صغير. في المحكمة برأ القاضي المنصف ساحات المراهقين الصغار بعد أن اكتشف أن من غرر بهم رجل ملتح متحمس في الظاهر أما في حقيقته فقد كان عميلا لجهاز الاستخبارات الكندية. ومن عدة أعوام أعلنت السلطات الأمريكية إحباط عملية تفجير في قلب نيويورك بعد أن شجع عميل للشرطة الاتحادية شابًا ساذجًا على القيام بعملية تفجير تحت السيطرة بعدما سلمه مواد خادعة وزائفة.

أما عمرو خالد فقد استطاع خداع الملايين من الجماهير وتمت فبركة قصة اضطهاد سلطات حسني مبارك له وأدى دورا كبيرا في تمييع المفاهيم الإسلامية، ليكشف عن دوره كأحد أدوات الدولة العميقة الأمنية حين انقضت الثورة المضادة بقضها وقضيضها على ثورة يناير وخيارات الشعب المصري واختياراته. في حين لعب حزب النور السلفي دور مفخخا أيام الثورة والرئيس مرسي، فقد أظهروا تشددا بالغا في صياغة الدستور المصري وتزمتا كبيرا سياسيا وفقهيا وفكريا. وانكشفت بشكل يبدو مبرمج فضائح أخلاقية لعضوين برلمانيين لحزب النور فيما تخصص رجالات الحزب وبرعوا في الحديث الحاد عن الفنانات وفتح معارك جدلية تشتت الاهتمامات والأولويات. وفي لحظات الغدر والانقلاب الحاسمة أسقطوا القناع وغدروا بمرسي واصطفوا مع السيسي وكانوا أدواته في تفسيرات دينية غاية في الهزلية والتفلت والصفاقة. والآن يجري الحديث عن نية دولة عربية تخصصت في دعم الثورات المضادة في تشكيل حزب نور تونسي لينقض على حزب النهضة وخيارات ثورة تونس ومساراتها.

بعد الأحداث الدامية والمؤلمة والتي شهدتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، تم كشف وتوثيق أن العديد من قادة الجماعات المتطرفة والذين اقترفوا عمليات وحشية إما كانوا عناصر أمنية أو مرتبطة بأجهزة الأمن. أما في ثورة سوريا، فلقد كشف العديد من عملاء الأسد عن دورهم في طعن الثوار في الظهر بعد أن كانوا يتقدمون الصفوف ظاهريا في القتال وفي الوعظ والتشدد والأحكام المتزمتة ورفض الآخرين والدعوة إلى تكفيرهم وتصفيتهم!!

في الحلقة الثالثة من برنامج "ما خفي كان أعظم" والذي بثته قناة الجزيرة، تم متابعة تاريخ تركي الدخيل ومشاري الزايدي ومنصور النقيدان وبجاد العتيبي ومسارهم، وكان الأربعة قد ابتدوا حياتهم بتشدد بالغ يصل إلى تبني منهج التكفير والتفجير. واعتبر البرنامج أن التغيير الحاد بل الانقلاب المضاد في حياة أولئك الأربعة كان ناتجا عن إغراءات وصفقات حولتهم من متطرفين إسلاميين إلى متطرفين في محاربة الإسلاميين وفي نشر ثقافة الاستهلاك والاستسلام وفي مهاجمة ثوابت الأمة والتشكيك في مبادئها.

قراءاتي الشخصية تختلف عن قراءة البرنامج، هم لم يتغيروا بل تغيرت أدوارهم. هم على الأرجح كانوا وما زالوا، عناصر أمنية مخابراتية استقطبت الشباب المتحمس وزجته في أتون حروب الوكالة وحملات الجهاد المطلوبة أمريكيا في أفغانستان وقتها كما اعترف ولي العهد السعودي بنفسه ولسانه. دخل الزايدي وزميله السجون، ودخولهم كان جزءا من اللعبة الأمنية، فكيف يخرج من أراد تنفيذ عمليات إرهابية من السجن بعد شهور فيما يقبع في السجون ولسنوات طويلة دعاة ومفكرون معتدلون وجهوا للنظام نصائح صادقة ومخلصة ورقيقة؟؟ ثم إن الحقد الكبير الذي يظهر في كتابات مجموعة الأربعة وتصريحاتهم على جماعات معتدلة ولا تدعوا لأفكار متطرفة كالتي كانوا يعتنقونها في الظاهر ويتحدثون عنها في الإعلام، أمور تشير إلى أن أدوارهم قد تغيرت لا أفكارهم، فنبذهم لأفكار التطرف لا ينبغي أن يدفعهم لكراهية جميع الإسلاميين ومحاربة المعتدلين بحقد ومغالاة وتطرف!!

الالعاب الأمنية واستخدام عناصر للاختراق أمور قديمة متجددة، أليس من السخرية والطرافة أن تتهم موسكو وواشنطن وبشكل متزامن الطرف الآخر بدعم داعش وحمايته في وقت يعلنان فيه حربا ضروسا على داعش ويتحججان به لتدمير الحجر والبشر وتهجير ملايين السنة وتغيير خريطة سوريا جغرافيا وديموغرافيا؟؟!!

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس